سلام جنوب السودان صراعات الشركاء …وعقبات الصمود امام التحديات
واجوما نيوز
تقرير: شوكير ياد
تواجه اتفاقية سلام جنوب السودان المنشطة، صعوبات وتحديات جمة، منذ التوقيع عليها بين شركاء الاتفاق في العاصمة السودانية الخرطوم في سبتمبر من العام 2018، وحتى لحظة تنفيذها مع تشكيل الحكومة الانتقالية في 22 فبراير 2020.
وقد تعثرت الاطراف في تشكيل الحكومة الانتقالية في اول جولتين لهما عقب التوقيع على الاتفاق؛ وذلك على خلفية عدم التوصل الى وفاق حول أهم بنود الاتفاق وهما ، الترتيبات الامنية، ومسألة تقليص عدد الولايات، والتي شهدت عملية شد وجذب بين طرفي الاتفاق الرئيسيين لفترة من الوقت، الي ان تم حسمها عبر منظومة الإيقاد الراعية للاتفاقية. وعادت بذلك بعدها البلاد الى نظام الولايات العشرة، مع أضافة عدد من الإداريات الجديدة هما ، اداريتي البيبور بجونقلي، وروينق بالوحدة، ليتم بعدها تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في الجولة الثالثة من المفاوضات بين شركاء الاتفاقية المنشطة.
ومع تشكيل الحكومة الانتقالية، عادت المناكفات والمشاكسات بين شركاء الاتفاقية الى السطح مرة اخرى، بسبب الخلاف حول تقاسم الولايات، بجانب النزاع حول ولاية أعالي النيل بين الحكومة، المعارضة المسلحة، ومجموعة تحالف المعارضة “سوا”، حيث ظلت مسألة تقسيم الولايات معلقة لفترة طويلة، حتى تم التوصل الى تفاهمات ثنائية بين المعارضة المسلحة والحكومة والتي ذهبت بموجبها ذهبت ولايات اعالي النيل، جونقلي، وغرب بحر الغزال الى المعارضة المسلحة جناح مشار.
ومع انطلاق اعمال الحكومة الانتقالية، إتضح عدم إتساق سياسات شركاء الاتفاقية، وظهر عدم التجانس والانسجام، بسبب المشاكسات والمناكفات المتجددة عقب كل خطوة تخطوها الحكومة الانتقالية، الأمر الذي إنعكس على اداءها، والذي قاد بدوره الى تأجيل البت في العديد من القضايا والملفات الهامة والتي كان لها بالغ الأثر في مسار الاتفاقية المنشطة؛ وذلك بسبب تأثير الصراعات الداخلية بين المجموعات المعارضة نفسها من جهة، وإستغلال الحكومة لتلك التناقضلت لصالحها من جانب آخر، من خلال التغريد المنفرد خارج إطار الاتفاقية المنشطة، كما حدث في التعديل الوزاري الأخير، والذي جاء بكل من “ديناي شاقور” حاكما لولاية جونقلي، و”قابريال شانقسون” وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، والابقاء على ولاية أعالي دون تعيين حاكما لها.
إذن في ظل تلك التحولات السياسية في المشهد السياسي عقب تشكيل حكومة الوحدة الانتقالية بموجب الاتفاق المنشط، نتطرق الى السؤال المحوري الهام، والذي يدور حول مدى قدرة الأطراف على تجاوز تلك الخلافات ،وعبور حالة انعدام الإنسجام السياسي التي تطغى على تنفيذ بنود الاتفاق ، ومدى صمود الاتفاقية امام تلك التحديات الجسام.
عقبات في طريق الاتفاق.
اتفق السواد الاعظم من المحللين السياسيين والكتاب المتابعين لمجريات الأحداث في جنوب السودان، على وجود عقبات تعيق سير الاتفاقية المنشطة بين الشركاء ،والتي تتعدد ما بين غياب الإرادة السياسية، ومحاولات الإقصاء السياسي، من اجل صنع تيارات سياسية صاعدة . بالاضافة الى استمرار إنتهاك بنود الاتفاق، ووجود نوايا سلبية للطرف الحكومي للحيلولة دون الالتزام بمسار الاتفاقية. فضلا عن فشل تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ، والذي انعكس بدوره على الصراعات العشائرية الدائرة بين المجتمعات المحلية في ولايات أعالي النيل، جونقلي، واراب، والبحيرات .
وحول تلك العقبات التي تقف حائلا امام تنفيذ الإتفاق المنشط، نقوم بإستطلاع آراء بعض الكتاب والصحفيين والمهتمين بتطورات المشهد السياسي في جنوب السودان في السياق التالي.
معضلة الترتيبات الأمنية
إبتدر المحلل السياسي والكاتب الصحفي “أتيم سايمون” حديثه حول تلك العقبات، وعدم تجاوز الأطراف لتلك الخلافات، بمسألة غياب “الرغبة” لدى الطرف الحكومي في تنفيذ إستحقاقات السلام خاصة ، فيما يتعلق بتمويل تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، والذي بدوره أعاق عملية تدريب وتوحيد القوات. فيما اتفق معه في السياق ذاته الباحث والكاتب الصحفي “باطومي أيول” والذي وصف الإتفاقية المنشطة بأنها تمر بمرحلة حرجة ،على الرغم من إبداء المعارضة بجميع انواعها لحسن النوايا ، ودخول العاصمة “جوبا”، والإنخراط في العملية السياسية ، بغض النظر عن المخاطر المحتملة. وأكد “أيول” بأن الاتفاقية بحاجة ماسة الى عملية إنقاذ، من خلال تنفيذ أهم بنودها، والتي تتمثل في بند الترتيبات الأمنية، والتي تعد الضمان الأوحد لفرص بقاؤها.
غياب الإرادة السياسية
بينما يرى الباحث في العلوم السياسية تيكواج فيتر الأمر، من زاوية غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتنفيذ بنود السلام . حيث أشار الى خطورة الخطابات السياسية التي تهدف في الغالب للمرواغة وتزييف الرأي العام، دون الإلتزام بما تم الاتفاق عليه من “مصفوفات” يجب اتباعها للوصول الى الغايات السليمة. ومن جانب اخر ربط الكاتب الصحفي “أنقوك مليك” ، عدم توافر الإرادة السياسية بين الأطراف الموقعة على الإتفاقية، الى غياب الثقة فيما بينها، والتعامل على اساس أنهم ” أعداء” وليس شركاء في الحكومة الإنتقالية . وأضاف ” مليك” بأن فرصة صمود الاتفاقية قد تتضاءل في ظل حالة الندية والعداء بين شركاء الحكومة الانتقالية. وقد أكد الكاتب الصحفي “باطومي ايول” بأن المجتمع الاقليمي بات أكثر إدراكا بتفاصيل ما يجري على الارض في جنوب السودان، خاصة مسالةغياب الارادة السياسية في مسائل يمكن تجاوزها بكل سهولة ويسر، دون اللجؤ الى محاولات الاقصاء،وعمليات الكيد السياسي لبعض المجموعات المعارضة.
خطط و”تكتيكات” الحكومة
فيما ذهب “سايمون” بعيدا حيث تطرق الى نقطة أعمق، تتمثل في شكاوى بعض الاطراف المعارضة من استخدام الطرف الحكومي لـ”تكتيكات” تستهدف التأثير على خياراتها في التمثيل داخل هياكل السلطة الانتقالية، ومن ثم العمل على إقصاء بعض الجماعات الموقعة على اتفاق السلام.
وحذر “اتيم” من خطورة تلك الممارسات، والتي تمثل التهديد الحقيقي لعملية السلام برمتها، حيث تساهم في خلق فصيل “انتهازي” مداهن لا يهتم بالمسائل الخلافية والتي تقف في مسار الإتفاقية المنشطة ، بقدر ما تهمه المصالح الذاتية عبر الوصول الى تفاهمات مع الحكومة.
تضاؤل فرص صمود الإتفاقية
في ضوء الموشرات والمعطيات التي ذكرت في السياقات السابقة، تتباين الآراء والإتجاهات حول اسباب تعثر سير اتفاقية السلام المنشطة بين الفرقاء، بينما تتقاطع تلك الإتجاهات في ذات الوقت رغم تباينها حول حقيقة واحدة تتمثل في صعوبة صمود الإتفاقية في وجه الصراعات السياسية التي تسيطر على أداء الحكومة الانتقالية.
فيما يلي نتطرق لتلك الاتجاهات والآراء بشأن تضاؤل فرص صمود الاتفاقية من خلال الافادات التالية:
صفقة أصحاب المصالح
أشار المحلل السياسي والكاتب الصحفي “أتيم سايمون” في هذا الصدد الى أن إتفاق السلام المنشط يهدف الى تحقيق غايات محددة، تتمثل في تكريس الإصلاح والمحاسبة والمساءلة، بيد أن الأمر تحول الى التركيز نحو تقسيم السلطة والمحاصصات، الأمر الذي سينعكس برمته على الاتفاق، حيث اختتم حديثه بأن الاتفاقية قد تتحول في نهاية المطاف الى صفقة بين الأطراف التي تتقاطع مصالحها في الحكومة الانتقالية.
غياب المصداقية
وأبان الكاتب الصحفي والباحث بمركز دايفيرسيتي للدراسات الاستراتيجية “باطومي ايول” بأن “ضعف” استراتيجية المعارضة من جهة و”مُكر” الحكومة من جانب اخر سينعكس سلبا على صمود الاتفاقية. ثم أردف بقوله ” أن مسألة غياب المصداقية لدي الرئيس كير، تعتبر العامل الرئيسي والمؤثر في عدم صمود الاتفاقية المنشطة”.
العودة الى المربع الأول
فيما غرد الباحث في العلوم السياسية تيكواج بعيدا عن الجميع ، حيث أقر بأمكانية عودة الأمور الى المربع الأول، في ظل التحديات الحالية، والتي تنذر بوجود نوايا سالبة لدى الطرف الحكومي. والتي تسعى الى خلق المزيد من العقبات للحيلولة دون تنفيذ الاتفاق نصا وروحا: ضف الى ذلك مساهمة تحالف المعارضة الاخرى “سوا” في إنتهاك أهم بنود الإتفاق من خلال إلإنسجام مع رغبات الرئيس كير، الامر الذي يقلل من فرص الانتقال السياسي في جنوب السودان والتمهيد لاجراء الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية.
وكانت المنظمة الحكومية للتنمية “الايغاد” في اجتماعها الاخير (الدورة العادية) التي إنعقدت الاسبوع المنصرم قد أمهلت الاطراف 30 يوما لحسم القضايا العالقة، الامر الذي يؤكد وجود تحديات حقيقية تهدد مسار الاتفاقية الحالية ، والتي يمكن ان تفتح الامور على كافة الإحتمالات وربما العودة الى المربع الاول.