التغيير السياسي في السودان وتداعياته على الاوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد
تقرير : باطومي أيول*
يظل التغيير السياسي الذي طرأ على نظام الحكم في السودان محل إهتمام كبير لدى كل المهتمين والمراقبين ، على المستوى المحلي والاقليمي والدولي. ولأن هذا التغيير تم عبر سلوك وعرف ظل على مدى العشرة سنوات الماضية ديدن دول المنطقة ، إلا ان ما جرى في السودان تتصف بأهمية خاصة بالنسبة لجارتها جنوب السودان نسبة لإرتباطها بقضايا تهم جوبا والخرطوم بشكل (خاص).
بالطبع هناك تأثيرات سياسية وإقتصادية ،بل وامنية على دولة جنوب السودان وشعبها سيترتب عن هذا التغيير ،مما يتطلب ذلك قراءة متأنية لمعرفة إلى اي مدى ما جرى في السودان من تغيير جذري مشهود، سينعكس على الاوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد حسب المعطيات الراهنة في الشارع الجنوب سوداني حول الحدث.
من الواضح ان الشعب في جنوب السودان ،كانوا في حال إنقسام ما بين مؤيدٍ لهذه الحراك لإعتبارات اخرى، وغير داعمٍ لهذا الحدث التاريخي بحجج ضعيفة اعتمدت على مفهوم حماية (إتفاق السلام المنشط) بحسبان ما جرى بالسودان من ثورة سوف تؤثر سلبيا على السلام الموقعة بين فرقاء البلاد، ومن ناحية اخرى إنقسم المراقبون حول مدى تأثيره على الوضع المحلي في جنوب السودان سياسيا وإقتصاديا ، إذ قلل اخرون من إمكانية إنتقال الفكرة الى جنوب السودان.
تقول القيادية وعضوة المكتب السياسي والامينة السابقة لامانة المراة بالحركة الشعبية الدكتورة “رجينا رتشارد ابان” ان ما جرى في السودان تعتبر سابقة مهمة في تاريخ السودان وجنوب السودان الحديث ،ومحمده للشعبين بما يمكن ان يترتب على الاوضاع المحلية في البلاد، نظرا لتحديات البناء الوطني الجاري والتي تمر بها جنوب السودان ،واضافت “ابان” ان الثورة تعد مكسبا لهم ،لانها أزاحت نظام عانت منه شعب جنوب السودان لوقت طويل ، برغم وصولهم لتفاهمات لتسوية النزاع بينهما في السابق طوت بذلك صفحة الحرب الطويلة ، كاشفه ان للمرحلة القادمة تأثيرات سياسية على الاوضاع في جوبا لا سيما ان هنالك قضايا عالقة لم تحسم بعد بين البلدين إبان فترة حكم الرئيس السوداني السابق، موضحه ان التأخير كان لأسباب متعلقة بالفساد إذ قالت ان ” النظام السابق ظل سنين يملأ جيوبه ويمول حروبه العبثيه في أطراف السودان من ايرادات البترول الموجودة في جنوب السودان بالتالي لم تكن بالسهولة ان يتقبل نظام البشير خسارة البترول”.
وكان النظام السابق قد مارس ضغوطات إقتصادية عقب الانفصال مما افرزت ذلك حالة من عدم الاستقرار في العلاقات بين البلدين فإلاستقرار السياسي سينعكس عمليا على الاوضاع بين البلدين وذلك عبر مراجعة مضنية لكل شوائب ومتطلبات الاستقرار المطلوب وفقا للمصالح المشتركة .
وهذا ما اكده الناشط المدني “اديسون جوزيف “بان إنعكاسات التغيير السياسي في السودان الجاري على الاوضاع السياسية في جنوب السودان تعتمد بدرجة كبيرة على طبيعة التغيير نفسه وموازين القوى في السودان بين العسكريون والمدنيون ،واوضح ان حال مالت الميزان لصالح العسكر سوف تكون مؤشراً سلبيا لعملية الاستقرار في جنوب السودان، كاشفا ان الامر سوف تؤدي إلى تجدد الحرب وحاله عدم الاستقرار على الشريط الحدودي والمناطق الثلاثة المشتعلة في السودان مما يسهل ذلك تدفق السلاح عبر الحدود، وزاد “جوزيف” ان ذلك سوف يُعقد العملية السلمية مضيفاً ان حالة استمالة الاوضاع لكفة قوى الثورة فذلك سوف تكون محمدة سيعزز من الاستقرار في العلاقات بين البلدين والتواصل الشعبي وربما تشجيع الجنوب على تكوين نقابات والتي ربما تؤثر سياسيا على الاوضاع بجنوب السودان في المستقبل بإحداث تغييرٍ سياسيٍ .
اما المحامي والكاتب الصحفي “سايمون اتير ” في معرض حديثه فيرى ان ما قام به الشعب السوداني تستحق الإشادة به، من ثورة طوت صفحة الخلاف وغياب الوفاق السياسي في السودان، بل وإنتصارا لصوت الشارع وذهب قائلاً بان هذه التغيير السياسي تعد مرحلة ضرورية في تاريخ البلدين لانها سوف تنعكس بشكل او اخر إيجابيا على الاوضاع في جنوب السودان ،واصفاً إياه بـ “المكسب” الذي سيعود بعلاقات البلديين الى مساره الطبيعي، وزاد بان العلاقات بين البلدين ظلت متوترة على امر التاريخ ولم يأخذ الواقع المنطقي، واضاف ان الوثيقة الدستورية الأخيرة اعطت مساحة خاصة لجنوب السودان في كيفية بناء علاقات استراتيجية ، وكشف “اتير” ان هذه الوضعية سوف تكون ذو اثرٍ كبير وعملي على الشارع الجنوب السوداني ، لتغيير نمط تفكيره تجاه السودان الذي سوف تدفع من فكرة تمثيل او محاكاة قيام ما حدث في السودان مستقبلا ، مبينا ان الظروف العامة في البلاد لا تختلف كثيرا عما جرى في السودان وقال ان جنوب السودان مرشحة لقيام ثورة في المستقبل.
تصريحات مدني عباس
وكان القيادي بقوى اعلان الحرية والتغيير مدني عباس مدني قد قال في تصريحات منسوبة له ، في الثالث من اغسطس الجاري بانهم سيعملون جاهدين على ضم جنوب السودان مرة اخرى الى السودان مستقبلا وتكوين إتحاد كونفيدرالي ،يسمح للتبادل الحر بين شعبي البلدين ، مما اثار ذلك حفيظة الشارع الجنوب سوداني ، حول مدى واقعية طلبه هذا، كواحدة من روئ اعتمدت عليها قوى اعلان الحرية والتغيير لبناء علاقاتها مستقبلا مع جنوب السودان ، وهذا ما اكدتها القيادية “رتشارد” قائله بان تصريحات مدني كان لابد ان يلقى رفضاً واستهجاناً من قبل الشارع الجنوب السوداني ، موضحه بان الرفض مبرر لها نسبة لأوضاع الجنوبيون في فترة ما قبل الانفصال ،وذهبت بان مشكلة الجنوبيون لم تكن مع المؤتمر الوطني لان القضية بقيت منذ استقلال السودان ومع تعاقب حكام السودان ، مبينة ان ربط الامر بالنظام السابق في السودان أمر خاطئ ، مشيرةً إلى ان تصريحات مدني تنُم عن تعاطفٍ وإستقطاب لا اكثر.
فيما اختلف الناشط المدني “اديسون جوزيف” مع القيادية قائلاً بان هناك إمكانية لتكوين إتحاد كونفيدرالي بين الدولتين، موضحاً ان ذلك سوف تقوي العلاقات الشعبية والرسمية بينهما ، وكشف ” ان الامر متعلق بتحدي وقف الحرب في البلدين ،فبدون وقف الحرب سيكون للخيار اثارٍ وجوانب سلبية ” .
ومن جانب اخر قال “اتير” ان تصريحات مدني حول الاتحاد الكونفيدرالي اُخِذ في إطار الحساسية بين البلدين واوضح ان فكرة الاتحاد الكونفيدرالي ،لهو فهمٍ متقدم لإدارة العلاقة بين جنوب السودان والسودان مبينا ان مجرد الاتفاق على الحريات الاربعة سوف يعزز من التفكير حول الاتحاد الكونفيدرالي بين جوبا والخرطوم ، وكشف “سايمون” بأن بناء علاقة مستقرة بين البلدين ستنعكس ويعود بإستقرار كبير وذلك بطيء صفحات إلاتهامات المتبادلة لدعم الحركات المسلحة المناهضة في البلديين.
تلخيصا لما ذهب اليها هذه التوقعات فمن الواضح ان للتغيير السياسي في السودان اهمية خاصة بالنسبة لمتطلبات الاستقرار السياسي والاقتصادي في جنوب السودان وما يمكن ان يترتب على المناخ السياسي في الجارة ، بحكم التجاور الخاص وهذا ما ذهب إليه البعض ، بان التغيير السياسي الجاري لها إنعكاسات إيجابية على الاوضاع في البلاد بإعتبارها صفحة جديدة من تاريخ الخرطوم ، فيما ثمن اخرون على دور قوى اعلان الحرية والتغيير في تغيير نمط تفكير السودان تجاه جنوب السودان في المرحلة القادمة ، وذلك بإعطاء جنوب السودان مساحة خاصة في الوثيقة الدستورية.
ومن جانب اخر يرى اخرون ان الثورة التي قامت في السودان وادت الى الاطاحة بالبشير سوف يشكل رصيدا اخر للشارع الجنوب السوداني على المدى المتوسط ، ربما تعزز من فكرة قيام حراك مماثل ، وفقا للمعطيات الراهن، وفيما اختلف الفكر حول تصريحات القيادي مدني عباس حول إمكانية قيام إتحاد كونفدرالي بين البلدين والذي سوف ينعكس إقتصاديا وسياسيا على جنوب السودان ولكن تلك مشروطة بالاستقرار الأمني في البلدين.
* نُشر في : 8/ 8 /2019م