الأدب الجنوبسوداني المكتوب بالعربية.. الخروج من منطقة الظل

*اتيم سايمون
– تمثل تجربة الكتابة الابداعية و الادبية في جنوب السودان ، واحدة من الدروب الشائكة و الصعبة ، ذلك للتباين الكبير في تجربة مختلف الاجيال بجانب شح الكتابات النقدية و التوثيقية التي تعقب المنتوج الادبي باجياله المختلفة ، و التي تعود في بداياتها الى جيل الرواد الأوائل من الذين كتبوا بالانجليزية وتركز اهتمامهم في الكتابة على الحرب وماترتب عليها من ويلات سياسية ، ابرزهم الشاعر والاديب البروفسير تعبان لوليون المولود في العام 1983 ، حيث صدرت له اكثر من تسع اعمال تتراوح بين الشعر و القصة القصيرة ، اولها ديوان (الكلمة الأخيرة) الصادر في العام 1969 ، يليه القاص جونسون ميان 1942الذي صدرت له مجموعة شعرية من مطبعة النيل بجوبا في العام 1981، وله قصة قصيرة مستلهمة من الحكاية الشعبية للدينكا تم تحويلها لمسرحية مشهورة حملت اسم (محاكمة السمكة الكبرى) ، وكذلك الشاعر سر أناي كليولجانق(1954-1999) صاحب ديوان (وهم الحرية وقصائد اخرى ) الصادر في العام 1985 ، وظهر من بعدهم الدكتور فرانسيس مدينق دينق 1938 ، و الذي صدرت له روايتين مشهورتين بعنوان (طائر الشؤم و بذرة الخلاص) تمت ترجمتهما للعربية بواسطة مركز الدراسات السودانية ، كما ظهرت اسماء مثل اتيم ياك اتيم ، اقنيس فوني لاكو ، جاكوب جيل اكول في مجال كتابة القصة القصيرة حيث نشرت اعمالهم في العديد من الدوريات و المجلات ابرزها مجلة (سودان ناو) التي كانت تصدر بالخرطوم في ثمانينيات القرن الماضى ، وخلال تلك الفترة صدرت مجموعات شعرية لفكتور لوقالا (قرع طبول السلام) ، سلفاتور ابراهيم صدرت له مجموعة شعرية حملت اسم (خمسة دقائق) ، ازاريا قيلو ايميليو صدرت له مجموعتين شعريتين بالخرطوم الاولي باسم (ضحايا الحماقات) و الثانية بعنوان (الحفريات) ، كما صدرت له مجموعة قصصية باسم (مغامرات كينجي) في الاعوام 1998 – 1999 ، وجوزيف ابوك الذي صدرت له مجموعة شعرية في العام 1999 بالعاصمة السودانية الخرطوم .
خلال فترة الحرب الاهلية الثانية (1983-2005) ، برزت مجموعة من الاعمال الشعرية لكتاب شاركوا في حرب التحرير من جنوب السودان ، من امثال باقان اموم اوكيج و لورنس كوربندي الذين صدرت اعمالهم باللغة الاسبانية ، كما اصدر ادوارد لينو ديوانه الاول بعنوان (عاشت القرود) عن دار رفيقي للنشر بالعاصمة جوبا ، و الدكتور جون قاي يوه الذي صدرت له ثلاث مجموعات شعرية ، الى جانب القاص و الشاعر موسس اكول اجاوين الذي نشرت له مجموعة من الاعمال في الصحف السيارة و المجلات الالكترونية .
فيما يتعلق بالادب الجنوبسوداني المكتوب باللغة العربية ، فهو يمثل تجربة للجيل الذي عاش وترعرع في المدن السودانية خلال فترة الحرب الاهلية السودانية التي امتدت لأكثر من العقدين من الزمان ، وقد برزت اصوات جديدة من جيل الشباب تحكي اوجاع الحرب و الهجرة و النزوح كما عاشها جيل الاباء و الامهات ، من بينهم آرثر قبريال ياك وهو قاص وروائي ، صدرت له مجموعتان قصصيتان بعنوان (لايهم فانت من هناك) و(غابو يرقص الفلامنكو و التانقو) و الاخيرة صدرت عن دار رفيقي للنشر في العام2018 ، كما صدرت له روايتين الاولى بعنوان (يوم انتحار عزرائيل ) عن دار العين وهي رواية فائزة بجائزة آفاق للكتابة ، كما صدرت له مؤخرا روايته الثانية (سبرانو القيامة ) عن دار دار مسكيلياني بالجزائر في هذا العام ، وهناك ايضا استيلا قايتانو وهي كاتبة قصة قصيرة وروائية ، صدرت لها ثلاث مجموعات قصصية (زهور ذابلة) ، (العودة) ، (الطائر الجميل المتواضع) وهي عبارة عن قصص قصيرة للاطفال ، ولها رواية صادرة عن دار رفيقي بعنوان (ارواح ادو) ، وعن سبب اختيارها للعربية كلغة للكتابة تقول قايتانو :” لان اللغة العربية هي لغة الرسمية حسب الدولة ، بالتالي وجدنا أنفسنا ننهل منها في مراحل التعليم العديدة العامة .. من ثم أصبحت هي لغة الاطلاع وتلقي المعرفة ، لم يكن متاحا لي معرفة لغة أخرى إلا في المراحل الجامعية ، وهذا يكفي لاتخذها لغة كتابة على الأقل حتى الآن “.
وترى قايتانو ان الكتابة باللغة العربية في جنوب السودان قد تعيق انتشار المنتوج الإبداعي ، رغم أن أغلب الاجيال الشبابية تتحدث وتكتب و تقرأ بالعربية ، وقد فطنت لذلك بان تمت ترجمة جميع اعمالها الى اللغة الانجليزية و التي اصبحت منافسة للعربية كلغة تلقي بالنسبة للاجيال الناشئة.
خلال تلك الحقبة ظهرت ايضاً كتبات القاص و الشاعر و الروائي بوي جون اوانق ، الذي صدرت له روايتين الأولى بعنوان (جنة الخفافيش) عن دار الساقي وهي رواية فائزة بمنحة آفاق للكتابة ، كما صدرت روايته الثانية (كوميان) عن دار رفيقي للنشر في العام 2017 ، وله مجموعة قصصية بعنوان (مرافعة الثعلب) صدرت عن دار الجزائر تقرأ .
في خصوص اختيار العربية كلغة للكتابة يقول بوي جون :” إن الجغرافيا التي جعلت السودان الكبير على تخوم لغة الضاد هي التي جعلت أمثالنا من أهل تلك التخوم يكتبون بها. والتاريخ الذي جعل من السودان ذات يوم دولة واحدة بحروب لا تنتهي الا لتبدأ.. هو الذي جعل من امثالنا نحن من ضحايا تلك الحروب أن نكتب اللغة العربية، إذن هو أمر قرره التاريخ فمَنْ أنا لابدل أحكامه”.
إشكالات الكتابة بالعربية عند الاديب بوي جون تأتي دائماً من الإفتراض ، من إفتراض الكاتب انه يحمل رسالة ما، من إفتراض أنه يريد أن يقول شيئاً ليسمعه الاخرين ، ومن أنه حدد لنفسه قراء مفترضين”.
ويضيف بقوله :” أنا لم اواجه ابداً إشكالات لأنني لم أفترض أياً مما سبق، مع ذلك أقول إن الكتابة في بلدٍ مثل الجنوب متعدد الالسن مع حالة تكاد تكون فريدة و هي عدم إستخدام أياً منها كوسيط للكتابة، مسألة إشكالية و شائكة في حد ذاتها”.
ومن اوائل الاسماء التي ظهرت في مجال الكتابة الشعرية باللغة العربية في جنوب السودان نجد الشاعر قرنق توماس ضل و الذي صدرت له مجموعتان شعريتان عن دار مدارك للنشر بالعاصمة السودانية الخرطوم هما (سفر المرايا وسيرة القبلات) ، وله تحت الطبع مجموعة شعرية جديدة بعنوان (اليهم في النقر الحميم) .
في مرافعته عن الاسباب التي قادته للكتابة باللغة العربية يقول الشاعر قرنق توماس ضل :”اكتب باللغة العربية لانها اللغة التي تشافهت عليها مع العوالم حولي و انا صغير و التي تلقيت بها تعليمي الابتدائي و المتوسط و العالي ثم و هي اللغة السائدة لاحقا في نزوحنا العظيم الى بلادنا الشمالية، ثم اكتب بالعربية لان اولى العلاقات الابداعية الكتابية كانت بالعربية و حتى التي باللغات العالمية الاخري كانت مترجمة الى العربية فالاساس المعرفي الابداعي والكتابي خاصى كانت بالعربية حيث لا مهرب من الكتابة بالعربية “.
بالنسبة لتوماس فان هناك ضبابية تكتنف مستقبل اللغة العربية في جنوب السودان ، فهو لايريد وصفه بالمظلم ، لان العربية خرجت حاليا من المناهج ومن دواوين الدولة التي تستخدم الانجليزية كلغة رسمية ، واصبحت متداولة فقط في الاسواق وفي صدور الاجيال التي تلقت تعليمها في الخرطوم وفي الجنوب القديم و الشرق الاوسط (مصر ، ليبيا ، سوريا، الخ) :”اما الاجيال البعد الاستقلال فهي مرتبكة جدا تجاه العربية رغم الطموح الملاحظ في تعلم العرببة و المستقبل في فهمها الرسمي كلغة و ليس كمحدد من محددات الصراع الازلي الذي كان و ما يزال”.
برزت ايضا خلال تلك الفترة اصوات شعرية جديدة من بينهم اتيم سايمون صاحب ديوان (وخز الوطن) الصادر عن دار رفيقي للنشر في العام 2017 ، ونيالاو حسن ايول صاحبة (قرابين نيكانغ) و الصادر ايضا عن دار رفيقي للنشر 2017 ، ريجويس استانسلاوس ،الدو ديمو ، سايمون ابراهام الذي يكتب القصة القصيرة ايضا ، واكول ميان كوال صاحب ديوان (إنتظار) الصادر بالقاهرة في العام 2017.
يقول أتيم سايمون :”أكتب بالعربية ، لانها اللغة التي تلقيت بها تعليمي وتشكلت عليها مهاراتي من المدرسة الابتدائية حتي الجامعة ، وكذلك لايماني بانه يجب التعامل مع اللغة كاداة للتواصل بعيدا عن اي حمولات اخرى ، فانا استطيع ان اوظف اللغة للتواصل مع العالم المحيط بي فهناك جيل كامل تلقي تعليمه بالعربية ولايعرف لغة اخرى غيرها ، وارى انني ككاتب ايضا غير منحصر في المحيط الداخلى فانا مهموم ايضا بالتواصل مع جمهور القراء الذين يجيدون العربية في الخارج ويريدون ان يتعرفوا على واقع الحياة الثقافية ، الاجتماعية و السياسية في جنوب السودان “.
وعن التحديات التي تواجه الكتابة العربية في جنوب السودان ، يرى سايمون طبعا هنالك بعض الاشكاليات التي تتمثل في ان ما يكتبه يستفيد منه فقط الذين يتحدثون ويقرأؤن بالعربية ، وهؤلاء يمثلون اغلبية في اوساط المتعلمين و المثقفين في جنوب السودان و الذين درسوا وفق المناهج السودانية فتجدهم يجيدون الانجليزية و العربية لذلك تجد معظم وسائل الاعلام المقروءة و المسموعة و المرئية تعتمد في برامجها على اللغة العربية بالرغم من ان الدستور حدد اللغة الانجليزية كلغة رسمية للدولة ، “فما اقوم بكتابته يجد جمهوره في الوسط المحيط بي و الذي يضم في غالبيته مجموعات عاشت ودرست في مختلف مدن السودان ابان فترة الحرب الاهلية السودانية الثانية ، وهؤلاء هم ابناء جيلنا جيل السبعينيات ، الموجودين في كافة مفاصل الدولة ومؤسساتها”.
بسبب غياب المنابر الادبية و الدرسات النقدية المهتمة بمتابعة المنجز الابداعي في جنوب السودان المكتوب باللغة العربية ، لم يتم تسليط الاضواء على العديد من تجارب السرد الجديدة في جنوب السودان خاصة في الفترة التي اعقبت استقلالها من السودان في العام 2011 ، حيث كانت الجهود الفردية في نشر الاعمال الابداعية هي سيدة الموقف ، اذ نجد الكتابات الشعرية ،لأندرو داو ، قبريال جوزيف شدار، و ادينق ايويل لونقار، بجانب الكتابات القصصية لكل من بقت دي انقويك صدرت له مجموعة قصصية بعنوان (الجندي شول شام) سايمون اتير ، ملوال دينق ، وعبد الله الكاردينال تجد طريقها للنشر على مستوى الصحف و المجلات الالكترونية بجانب الانطولوجيات السودانية و العربية الي جانب الملاحق الثقافية التي تصدرها الصحف العربية الصادرة بالعاصمة جوبا.


* شاعر وكاتب من جنوب السودان

Translate »