
معركة تكسير العظام وسط شلليات النظام ( 3)
واجوما نيوز
بقلم:شوكير ياد
واجوما نيوز
يتضح من خلال السيناريوهات السابقة، ان الصراع السياسي بين شلليات النظام في تلك “المعركة” يسير في مسارات عديدة ومتشابكة، حيث تتجسد احدى هذه المسارات، في الصراع السياسي بين قيادات الحركة الشعبية في الحزب الحاكم ، والقيادات الجديدة الوافدة من صلب حزب المؤتمر الوطني السوداني. حيث يرى بعض قيادات الحركة الشعبية في الحزب الحاكم ، بان تلك القيادات الوافدة تمثل مجموعة دخيلة على الحزب ، وهي من قامت بإختطاف مجهودات الحركة الشعبية بعد الإستقلال والاستئثار بكل خيرات وثمرات النضال. اما المسار الثاني ، فيتمثل في صراع الاخوة الأعداء، والذي يشكله صراع تيارات الحركة الشعبية في الحزب الحاكم، والتي انقسمت الى مجموعات تتصارع حول من يكسب ثقة الرئيس كير. وتمثل المجموعة التي يقودها القيادي نيال دينق والتي تضم كل من القياديين في الحركة الشعبية، كوال منيانق، اويت اكوت، احدى أقوى هذه التيارات في الوقت الحالي؛ وذلك بعد تمكنها من الوصول الى دوائر صنع القرار السياسي، بسبب قُربها من الرئيس كير. اما المسار الأخير ، فيتجسد في الصراع حول من سيخلف الرئيس كير في حال ترجله عن الحكم لاي سبب من الأسباب، وهو الصراع المبطن، والذي بدأت فصوله مع عودة الوزير نيال دينق الى واجهة الأحداث من خلال تقلده منصب ، وزير شؤون الرئاسة. وقد انعسكت آثار هذا الصراع غير المعلن على علاقة الرئيس ، ومدير الأمن الداخلي ، والتي شهدت توترات حادة في الفترات السابقة. حيث تشكل هذه المسارات الإنعكاس الحقيقي لطبيعة الصراع السياسي وسط شلليات النظام، والذي يبعد كل البعد عن مسارات تنفيذ بنود الاتفاق المنشط ، وغير النشط في ذات الوقت.
بيد أنه في خضم تلك الصراعات وسط شلليات النظام، يظهر صراع آخر يهيمن على مجمل الصراعات التي ذكرت في سياقاتها السابقة. وهو الصراع السياسي، الذي يتدثر خلفه تلك الصراعات الداخلية بين شلليات الحزب الحاكم، والذي يقوده بطبيعة الحال ، الرئيس كير نفسه، ضد منافسه الرئيسي في السلطة مشار.
ويمكن الإشارة هنا ، الى انه على الرغم من طبيعة الصراع غير المعلنة بين الغريمين اللدودين، الا ان إنعكاساته على الواقع المعاش يجسد بكل وضوح مدى خطورته ؛ وذلك بسبب تأثيره القوي على مجمل الأوضاع السياسية ما بعد الإتفاقية المنشطة. حيث يُلاحظ انعكاسه على معظم إستحقاقات الفترة الانتقالية والتي يفترض انها تؤسس لمرحلة بناء الدولة في جنوب السودان. فعلى سبيل التوضيح، كيف يمكن الحديث عن ان هناك اتفاقا يتم تنفيذه ، بينما لم يتم تنفيذ أهم بنوده على أرض الواقع، والتي تتمثل في الترتيبات الأمنية، تكملة الحكومات الولائية، الدستور، البرلمان..؟! وهناك نقطة في غاية الأهمية ، وهي غياب روح الاتفاقية نفسها، والذي يتمثل في قبول الاخر والاقتناع بأهمية عملية نبذ الخلافات القديمة والسعي الى اعادة بناء الدولة بمفاهيم واسس جديدة بعيدا عن الخلافات ذات الطابع الشخصي والمصلحي.
فحقيقة الأوضاع الماثلة تؤكد ،عدم إقتناع قادة الحركة الشعبية بتفريعاتها المختلفة بحقيقة السلام المنشط، والا لما حدثت تلك التعقيدات السياسية في عدم تنفيذ بنود اتفاق السلام المنشط، والذي تم إستغلاله وتحويله الى حرب باردة بين قادة الحركة الشعبية المتشظية .
ويمكن الحديث بأن المستفيد الوحيد في هذه الحرب الباردة ، هو “كير” نفسه، حيث انه أصبح اللاعب الوحيد الذي يفرض معطياته وأدواته على مجمل الأوضاع السياسية الراهنة في جنوب السودان. وحتى صراعات شلليات النظام تمثل موضوعا جانبياً (ثانويا) في اولوياته وأسبقياته؛ وذلك بسبب إحكامه على كل مجريات الأمور . حيث أن الموضوع الأهم، والذي يدور في مخيلته في كل الاوقات والازمان، وسط صراعات تكسير العظام هذه، مسألة كيفية احتواء نائبه “مشار” ، وتحييد دوره في الحكومة الانتقالية الحالية، والتخطيط لما بعد الفترة الانتقالية. ويمكن الحديث في هذا السياق بأن الرئيس كير نجح بشكل ما او بآخر ، في مخططه (تحييد دور مشار في الحكومة الانتقالية) ، حيث لم يعد لنائبه “مشار” دور يذكر في سياق الأحداث السياسية الراهنة ، على عكس قرينته، والتي تتقلد منصب وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية، والتي تقوم ببعض التحركات السياسية الخجولة في بعض الاحيان. وقد نتساءل في ظل هذا الصمت المريب لـ “مشار” هل لها علاقة مباشرة بصراعه غير المعلن مع غريمه الحالي، والتي أسفرت عن إنتهاجه سياسة النأي بالنفس؟ ام أن للأمر علاقة مباشرة ببعض “التكتيكات المرحلية” والإستفادة من هذه الصراعات وسط شلليات النظام لتحقيق غايات سياسية في المستقبل المنظور..؟
عموما لسنا بصدد الخوض في فيما يمر به دكتور “مشار” من ظروف غير طبيعية في خضم هذا الصراع السياسي في الوقت الراهن ، لأن الايام كفيلة بإلإجابة على تلك التساؤلات.
وحول مستقبل هذه الصراعات وسط شلليات النظام، يمكن القول بأنها مرهونة ببقاء النظام نفسه، حيث انها تمثل ” مُتنفَس” او مخرج لتنفيذ بعض سياسات رأس الدولة في كثير من الأحيان، حيث يتم توظيفها لتحقيق بعض الغايات والأهداف الخفية.
وهنا يظهر إتقاد الذكاء السياسي للرئيس كير ، في توظيف هذه التناقضات لخدمة أهدافه. ويمكن الجزم بأن كير نفسه ، يمكن ان يقلب الطاولة على الجميع، متى ما أراد ذلك . فعلى مستوى الداخل ، يمكن الحديث بأن الجميع قد بدأ يفهم ” اللُعبة السياسية” حاليا، وهو الإنسجام مع توجهاته من أجل البقاء، وعدم الخروج عن عباءته .اما على مستوى الخارج، فالتحركات الاقليمية الأخيرة، وزيارة الرئيس المصري لجوبا، كلها مؤشرات ودلالات من شأنها إعادة ترميم النظام وتقويته من خلال، بناء تحالفات جديدة على المستويين، الخارجي، والداخلي، ويعكس ذلك في نفس الوقت، قدرة الرئيس كير على تجاوزه لكل المطبات السياسية في كل الظروف .
إذن الصراع السياسي الحالي بأبعاده ومستوياته التي ذكرت في متن المقال، بمثابة مباراة صفرية ، الرابح الوحيد فيها، السياسي والجنرال كير، القابض على كل خيوط اللعبة السياسية في جنوب السودان.
النهاية