إتفاقية في مهب الريح (3)

واجوما نيوز

 بقلم : شوكير ياد

واجوما نيوز

ذكرنا في مقال سابق ، بأن اتفاقية السلام المنشطة تمُر بمنعرجات صعبة وخطيرة للغاية، وكيف أنها لن تحقق أهدافها في ظل الوضعية المعقدة التي تهيمن على المشهد السياسي العام ، والذي يجسده ، غياب الإنسجام التام في مؤسسة الرئاسة ، والمجلس الوزاري معاً، في ظل السعي المتواصل للرئيس كير لفرض معطياته على الواقع السياسي ما بعد تشكيل الحكومة الإنتقالية، بعد ان دانت له كل مقاليد الأمور، وأصبح اللاعب الوحيد الذي يضع قواعد وشروط اللعبة السياسية .

فقد نجح كير في إفراغ الاتفاقية “الهشة” من محتواها بكل سهولة ويسر؛ بداية من مؤسسة الرئاسة ونوابها الخمسة والذين باتوا يأتمرون بتوجهاته السياسية رغم إختلاف الأهداف والنوايا وسط هؤلاء النواب، مرورا بمجلس الوزراء الذي أصبح أداة في يد الرئيس كير يحركه ويوجهه كيفما يشاء. ويمكن الحديث هنا بأن الجميع حاد عن الهدف الرئيس للاتفاقية ، والتي تتمثل في الإصلاح والمحاسبة؛ حيث تحولت الإتفاقية الى صراع النفوذ والإستقطاب السياسي لأجل مصالح آنية ومستقبلية.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة الباينة، الا ان هناك من يمارسون هواية “دفن الرؤوس في الرمال” والتبشير بالإتفاقية زورا وبُهتانا. فحتى المعارضة المسلحة جناح مشار ، يبدو وكأنها إستسلمت لهذا الواقع السياسي الجديد، والا لماذا تغُض الطرف في معظم الاحيان عن الممارسات التي تتجاوز إطار الاتفاقية المنشطة…؟!

ولكن بالرغم من التحكم المطلق للرئيس كير على مقاليد الأمور، وإستسلام المعارضة المسلحة لهذا الواقع السياسي، الا ان هناك تساؤلا يظل شاغلا لبال الكثير من المتابعين والمحللين للشأن السياسي الجنوبي، هو لماذا الصراع حول ولاية أعالي النيل؟! فلماذا يصر “كير” على تبديل الجنرال جونسون اولونج بشخصية اخرى، بينما يصر “مشار” على تعيين مرشحه اولونج في منصب الحاكم؟! اما ان الامر له علاقة بحالة الاستقطاب السياسي لكل منهما.

بيد ان التصريحات الاخيرة للرئيس كير بأنه لم يتم تعيين الجنرال اولونج لدواع امنية، “وخوفا من تعريض حياة المواطنين للخطر” يُثير الكثير من علامات الإستفهام حول حقيقة هذا الأمر..! وقد نتساءل في هذا السياق، ماذا يقصد بكلمة المواطنين.. “مجتمعات افدانق” التي اعترضت على تولي الجنرال اولونج منصب الحاكم ، ام مكونات اعالي النيل بصفة عامة والتي من بينها الاثنية التي ينتمي اليها الجنرال المغضوب عليه اولونج…؟!
وبالرغم من ضعف حُجة التبرير، الا ان تصريحات الرئيس كير تعكس حالة الإستقطاب السياسي للمجتمعات المحلية وإقحامها في صراعه ضد خصومه السياسيين ، بيد انه في ذات الوقت لا ينفي الوجود الفعلي والعسكري القوي للجنرال اولونج حتى اذا لم يتم تعيينه حاكما للولاية.

فولاية اعالي النيل تمثل ” الورقة الرابحة والاخيرة” للرئيس كير، والتي يُلاعب بها المعارضة المسلحة، ومن ثم يتم بعدها تشييع الاتفاقية الى مثواها الاخير. ولا نستبعد ان يقوم كير بخطوة أبعد من ذلك، وهو تقسيم المنطقة الى إداريات او تعيين عدة نواب للحاكم.

فالصراع حول أعالي النيل، يعكس حقيقة واحدة، وهي عدم اقتناع الأطراف بحقيقة الاتفاق المنشط، والتي تُمثل لهم ،محطة فقط لاستعادة الأنفاس ومن ثم العودة للمربع الأول، خاصة الطرف الحكومي، والذي يشعر بالتفوق السياسي والعسكري في هذا الصراع القديم والمتجدد.

 

 

Translate »