أزمة القيادة في جنوب السودان ..وضرورة التصحيح

واجومانيوز

بقلم: باطومي إيول

كما أشرتُ في مقالٍ سابق، والتي تناولتُ فيها طبيعة المشكلات البنيوية التي يعاني منها مجتمعنا المحلي في جنوب السودان، وتوصلتُ إلى أن أزمة “القيادة واختيار القيادات المناسبه” تُعَدّ إحدى أبرز الأزمات التي تعيق تحقيق الأهداف المنشودة على مستوى الدولة والمجتمع. فوجود القائد المناسب في الحقيقه يمثّل مدخلًا أساسيًا لتقدير الأمور بصورة أفضل، سواء على المستوى الرأسي أو الأفقي(هيكل المجتمع).

 

لا شك أن ما وصلت إليه الدولة من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية الان، يُعَد نتاجًا مباشرًا لضعف القيادة وغياب اختيار القيادات المؤهلة القادرة على إدراك مشكلات المواطنين وإدارة مصالحهم بصورة علمية وإيجابية تُعطي الأولوية للمصلحة العامة، بعيدًا عن المكاسب الذاتية والاعتبارات الشخصية التي ظلت تهيمن سائري المجتمع في جنوب السودان.

يقول الباحث في القيادة بيتر دراكر إن القيادة هي فن تحديد الاتجاه وصناعة الرؤية. بهذه الكلمات لخص دراكر مفهوم القيادة،وهذا يعني ان هذه الصفات لا بد أن يتحلّى بها كل من يطمح إلى قيادة الآخرين؛ فالقائد الحقيقي مطالب بتحديد الاتجاه الذي يريد أن يسير فيه وبمن يتبعونه، كما يجب أن يمتلك رؤية مستقبلية واضحة تُحدث أثرًا ملموسًا. وبخلاف ذلك، سيُساق المجتمع إلى الضياع، كمن يقوده “أعمى القلب” لا يدري أين يضع خطواته، فيقود الشعب إلى التيه والانحدار.

اليوم، جنوب السودان في أمسّ الحاجة إلى قيادات تشخص الواقع بدقة، وتمتلك القدرة على تحديد الوجهة وصناعة رؤية مستقبلية قادرة على قلب الطاولة على العقبات المتراكمة، وصولًا إلى التعافي من آفات ضعف القيادة وثقافة الفساد التي استشرت بصورة واسعة.

ورغم التحديات، فإن جنوب السودان ليس دولة جاءت من العدم؛ بل دولة تمتلك قيادات لهم إمكانيات حقيقية، غير أن غياب الاتجاه الصحيح وانشغال الساسة بقضايا الإقصاء، جعلوا التخلف والتراجع والفقر وعدم الاستقرار ملازمين لنا. والسبب في ذلك هو أن أهمية اختيار قيادات قوية لإدارة شؤون الدولة ظلّت غائبة، وسيطر التفكير الإقصائي والمؤامرات على أصحاب القرار، فعُطِّل دور الكفاءات الوطنية الحقيقية.

وهذا لا يعني أننا نفتقر إلى القيادات القادرة على صناعة تأثير إيجابي؛ بل على العكس، توجد شخصيات وطنية عديدة مؤهلة. ولعل الدكتور لام أكول مثال بارز لذلك؛ فقد شغل عدة مناصب مهمة، منها وزارة الزراعة ووزارة النقل في جنوب السودان، ووزارة الخارجية إبان حكومة اتفاقية السلام الشامل في السودان قبل الانفصال. وقد شهد له المتابعون بإسهاماته الإيجابية وبصماته الواضحة، خصوصًا خلال توليه وزارة النقل لمدة لم تتجاوز الستة أشهر هذا العام، وهي فترة قصيرة لكنها ترك أثرًا سيذكره التاريخ.

وبالنظر إلى مسيرته النضالية الطويلة وما ترتب عليها من تحديات ومواقف سياسية أثّرت على دوره لخدمة البلاد، فإن د. لام أكول يُعَد شخصية وطنية ورجل دولة من الطراز الأول، يمتلك إمكانيات يمكن أن تسهم بفاعلية في بناء الدولة. لذا فإن الاستفادة من أفكاره وخبراته وعلاقاته أمر بالغ الأهمية، خاصة في هذا التوقيت الحرج التي تمر بها بلادنا، بعيدًا عن المكايدات والمواقف السلبية التي تُوجَّه ضده بين الحين والآخر.

وأثناء النظر إلى حالة الفراغ الواضح في رأس الدولة الان،نتيجة للتحديات السياسية الراهنة، يبرز سؤال مهم:

هل آن الأوان لمنظومة التحالفات السياسية وخاصة تحالف سوا أن تعطي الأولوية للكفاءة والتأثير والخبرة على حساب الحسابات النفسية والمواقف الضيقة؟

فالغاية في النهاية واحدة: خدمة الوطن ورفعة البلاد. وإن كان هناك من هو أقدر على تمثيل هذه المجموعات بما يعزز المصلحة الوطنية، فلماذا لا يُمنح الفرصة؟

لقد بات واضحًا أن جوهر أزمتنا يكمن في عدم تكليف قيادات وطنية صادقة وقوية. وإذا كنا قد أدركنا ذلك، فلماذا لا نضع الأمور في نصابها الصحيح؟ فهي مسؤولية أخلاقية على رأس الدولة من أجل وطنٍ أفضل لأجياله.

لماذا لا نأتي بمن هو الأنسب في المكان المناسب لخدمة الوطن وإنقاذه من أزماته المتراكمة منذ انفصال البلاد؟

اذا لقد جاء وقت التصحيح… من أجل الوطن فهيا بنا خلاف ذلك سنغرق جميعا في اتون التخلف والضياع.

تم.

Translate »