وكتب باطومي أيول.. رداٌّ على مقترح الدكتور بول أرواي بشأن إقليم أعالي النيل

واجومانيوز

بقلم:باطومي أيول

في ضوء ما طرحه أحد أبناء إقليم أعالي النيل، الدكتور بول أرواي، الذي أثار مؤخرًا قضية سياسية تتعلق بمستقبل بلادنا عمومًا، وإقليم أعالي النيل على وجه الخصوص، أودّ من خلال هذا المقال المتواضع أن أعلّق على مقترحه الداعي إلى فصل إقليم أعالي النيل ليصبح دولة قائمة بذاتها، مستقلة عن الإقليمين الآخرين في جنوب السودان.

يرى الدكتور بول أن جنوب السودان، تحت قيادة حزبه الذي كان أحد مقاتليه في صفوف “الجيش الأحمر”، بقيادة الرئيس الفريق أول سلفا كير ميارديت، قد فشل في معالجة القضايا الوطنية الكبرى التي كان من شأنها أن توحد شعب جنوب السودان تحت راية واحدة.

 

أعادتني ملاحظات الدكتور بول إلى الذاكرة السياسية في خمسينيات القرن الماضي، حينما كان جنوب السودان لا يزال جزءًا من السودان الموحّد. ففي أكتوبر عام 1954، اجتمع نحو 250 من القادة الجنوبيين يمثلون أقاليم الجنوب الثلاثة في ما كان يُعرف آنذاك بـ”سينما جوبا” والتي أصبحت الآن كنيسة، بحضور قيادات بارزة مثل عبد الرحمن سولي، بُوث ديو، لوقالي، وبنيامين لوكي وغيرهم. وقد طالب أولئك القادة آنذاك بإقامة نظام حكم فدرالي عادل، لكن الحكومة المركزية وقتها رفضت المقترح تحت الشعار المعروف: “لا فدرالية لأمة واحدة.”

 

وأعتقد أن ذلك المطلب لم يكن في الحقيقة دعوةً للانفصال، بل كان نداءً للعدالة والمساواة والتمثيل المنصف لجميع السودانيين. غير أن حكومة المركز آنذاك فشلت في استيعاب تلك الرؤية أو التنبؤ بنتائج رفضها، وكانت النتيجة ما نعرفه اليوم: جنوب السودان دولة مستقلة.

لا أستحضر هذه الواقعة التاريخية لأساوي بينها وبين واقعنا الراهن، فالسياق السياسي والظروف الوطنية واللاعبون الرئيسيون مختلفون تمامًا. ففي ذلك الزمن، كان الجنوبيون يناضلون ضد التهميش والإقصاء المنهجي في بلدٍ كانوا فيه مواطنين من الدرجة الثانية. أما اليوم، فإن التحديات التي نواجهها داخلية بالدرجة الأولى وهي تتعلق بالحكم، والعدالة، والمساواة، والقيادة الرشيدة.

 

ورغم وجود تشابه في جوهر المطالبة بالعدالة والمساواة، فإن الصراعات السياسية والاجتماعية الحالية لا تبرر بأي حال الدعوة إلى تفتيت البلاد أو تقسيمها إقليميًا. بل إن الواجب، من وجهة نظري، هو تطبيق نظام فدرالي حقيقي يضمن التمثيل العادل والتنمية المتوازنة في جميع أنحاء البلاد.

وبصفتي أحد أبناء أعالي النيل، أرى أن مقترح الدكتور بول أروي غير منطقي سياسيًا وغير مفيد وطنيًا، إذ يبدو لي أنه نابع من حالة إحباط وخيبة أمل تجاه فشل القيادة الحالية في إصلاح البلاد، أكثر من كونه حلاً موضوعيًا لمشكلاتنا. فبدلاً من الدعوة إلى الانفصال الإقليمي، كان الأجدر به أن يطرح السؤال الجوهري: كيف يمكننا معًا أن نستعيد وطننا؟ وكيف نعيد جنوب السودان إلى مساره الصحيح بعد سنوات من سوء الإدارة والضياع السياسي على يد النخبة الحاكمة؟

إن المشكلة الحقيقية التي تواجه أمتنا ليست في التعايش الإقليمي، بل في فشل القيادة غياب الرؤية، والمساءلة، والوحدة بين من يتولون الحكم. وقد أدى هذا الفشل إلى خلق حالة من الفوضى والانقسام القبلي، وجعل المواطنين في حيرةٍ من أمرهم، ودفع ببعض القادة، مثل الدكتور بول، إلى الشعور باليأس تجاه المستقبل.

وفي الختام، وبوصفي احد ابنًا إقليم أعالي النيل، أدعو مواطنيَّ ألا ينظروا إلى فكرة الدكتور بول على أنها مبادرة شجاعة أو رؤية مستقبلية، بل كصدى للإحباط الناجم عن أزمتنا الوطنية الراهنة. فجوهر معاناتنا لا يكمن في وحدة أقاليمنا او خلافه، بل في السياسات القبلية غير المسؤولة والقيادة الفاشلة. وما نحتاجه اليوم ليس الانفصال، بل الإصلاح، والتجديد، وقيادة مسؤولة تعيد جمع أبناء جنوب السودان تحت علمٍ واحد، وأمةٍ واحدة، ومصيرٍ واحد.

 

باطومي أيول هو رئيس التحرير صحيفة واجومانيوز – wajumanews.com

البريد الإلكتروني: bathum44@yahoo.com

9 أكتوبر 2025 – كمبالا

 

Translate »