
إطلاق سراح الدكتور رياك مشار: خطوة ضرورية لإعادة تشكيل مستقبل جنوب السودان
واجومانيوز
بقلم : صمويل بيتر أوياي
ترجمة – عمق الحدث
إن إطلاق سراح الدكتور رياك مشار، المرتقب قريبًا، لا يمثل مجرد تسوية سياسية تخص شخصًا بعينه، بل يُجسّد لحظة فارقة في مسار جنوب السودان السياسي. فالقضية هنا لا تتعلق بحرية زعيم معارض فحسب، بل بقدرة الدولة ذاتها على الانتقال من نمط الحكم القائم على الإقصاء والقمع إلى نموذج جديد قائم على المصالحة الوطنية والحوار الشامل.
تحمل عودة الدكتور مشار إلى الساحة السياسية دلالات رمزية واستراتيجية عميقة. فهي تتيح إمكانية إعادة التوازن للمشهد السياسي، وإحياء المساحات المغلقة أمام الحوار والإصلاح المؤسسي، وتؤشر إلى استعداد – ولو محدود – لدى النظام الحاكم لمراجعة أدواته القائمة على الإكراه. لكنها، في المقابل، تُحمّل مشار مسؤولية تاريخية لا يمكن تجاهلها.
إن نجاح هذه العودة لا ينبغي أن يُقاس بترتيبات ثنائية أو اتفاقات بين النخب، بل بمدى التزامها بإعادة بناء مشروع وطني جامع. فعملية السلام في جنوب السودان لن تكتمل ما لم تشمل طيفًا واسعًا من القوى السياسية والاجتماعية، بما في ذلك الحركات المعارضة الأخرى، والمجتمع المدني، والشباب، والمجتمعات المهمّشة. وإذا كانت هذه المرحلة فرصة لإعادة بناء الثقة، فإن مشار مطالب بأن يتحرك من منطلق الوحدة الوطنية، لا المصالح الفئوية.
في المقابل، لا بد للنظام الحاكم أن يُراجع واقعه. فسنوات من الحكم المركزي والانغلاق السياسي قد أدّت إلى نتائج كارثية: انهيار اقتصادي، تصدع اجتماعي، وفقدان متزايد للثقة في الدولة ومؤسساتها. لقد أثبتت التجربة أن عسكرة الدولة وإقصاء الشركاء السياسيين لم ينتجا استقرارًا، بل عمّقا هشاشة النظام، وأفقداه القدرة على الاستمرار في ظل نظام ديمقراطي تعددي.
احتجاز الدكتور مشار لم يكن علامة قوة، بل دليل على مدى خوف السلطة من التعددية. فالحكومات الواثقة لا تسجن شركاءها السياسيين، بل تتحاور معهم، وتبني شرعيتها على التوافق لا على القمع. القوة الحقيقية لا تُقاس بقدرة الدولة على إسكات خصومها، بل بقدرتها على إدارة التنوع وتحقيق التماسك الوطني عبر الرؤية والقيادة الرشيدة.
ومن هنا، فإن إطلاق سراح الدكتور مشار يجب ألا يُفهم كتنازل مؤقت من السلطة، بل كضرورة سياسية وأخلاقية تتطلب مراجعة شاملة لبنية الحكم وأسلوب إدارة الدولة. لا مستقبل لجنوب السودان في ظل منطق الهيمنة والاستبعاد، بل في إطار قيادة جديدة تتعامل مع السلطة كمسؤولية وطنية، لا كغنيمة.
الطريق إلى السلام الدائم لا يبدأ من القصور الرئاسية ولا ينتهي في صفقات النخب، بل يُبنى من الأساس، على قيم الشراكة، والعدالة، والمساءلة، والانتماء الجماعي. وإذا لم يستفد الفرقاء من هذه اللحظة لإعادة رسم ملامح المستقبل، فإن البلاد ستظل رهينة لأزمات متكررة، ودوامة لا تنتهي من الانقسامات والفشل.