من هو الأب المؤسس لجمهورية جنوب السودان؟
واجوما نيوز
بقلم : ازايا أبراهام
ترجمة: آرثر غابرييل ياكـ
واجوما نيوز
في هذه المقالة، أتطلّع إلى الحصول على إجاباتٍ شافيّة، وليس إلى اثارة شخص، أو أضمر في نفسي شيء إزاء أبطالنا الأحياء والأموات معًا. إنّ التاريخ مادة شيّقة للغاية، لكنّه، إن كُتِب بسطحية، فإنّه يرتد ضد القيم ألّتي توجّه شرف وهيبة الإنسان. من حق كل قائد أن يكون أب مؤسس في قضيّتنا، وما للعامة خيار إلّا وضعهم في المواقع المُناسبة من سجلات تاريخنا.
نحن مدانون لهم بعظيم تقدير لما بذلوه من أجل حرية شعبنا!
الآن قد غرُبت شمس التّحرير، وإنّ المهمة قد انتهت، فإلى من ننسب هذا اللقب المسماة “أب الأمة” أو ” الأب المؤسس للجمهورية؟”
الوقت الحالي، هو المناسب لطرح هذا السؤال المهم.
في ذلك اليوم، حين كنتُ في وزارة الأعلام والبث بمدينة جوبا، قابلتُ رجلًا مُفعمًا بالحماس، يوزّع كُتيبات ألّفَتْهَا مجموعة تُسمى مجلس بحرالغزال يترأسه رئيس القضاة الأسبق، أمبروس رينغ ثيك. في هذا الكُتيب، تم تصنيف كير كأبٌ مؤسسٌ للجمهورية، بينما قرنق [دكتور جون قرنق- المترجّم] كمؤسسٍ لرؤية السّودان الجّديد والأمة. ربما توجد هنالك كُتُبٌ أخرى تعطي قرنق نفس اللقب (الأب المؤسس للأمة). فإن كان الأمر كذلك، عنده لابد من القول إنّ هناك معضلة يجب سبر غورها.
لقد ألفتُها مسألةً لا تستحق الحديث عنها (نسبة لحساسيتها)، ولكن، بالنسبة لنا معشر قوم الوسط الإعلامي، دوماً ما نبحث عن الحق والحلول لكل صورةٍ غير طبيعية أو مُعتمة. أمـا أن نلوذ بالصمت ونسمح للمسألة أن تموت لوحدها، قد لا تساعدنا قطّ، لأنّها سوف لا تموت ميتة طبيعية! بلى، فالكثيرون سيتضررون منها، لذا كان لا بد من وضع الأمور في نصابها منذ البداية. أيضاً، الحديث خلسةً في مثل هذي الأمور، لا تُجدي نفعًا.
.
بالنسبة للسيد أمبروس فإنّ هذه الحُجّة تعتمل في عقله: بأنّ كير هو ذاك الرجل طالما في زمانه تم إعلان وتحقيق حرية أمتنا. وبالنسبة لهم، أيضًا، إنّ قرنق مثل أولئك القادة العظام أمثال سترينو أوهوري، إميليو تافينق، جوزيف لاقو…والخ. لذا يجب علي ألّا اتوقف عند طرائق تفكيرهم..
الأمر هنا لا يخص الشّخصيات فحسب، بل يخصنا نحن. كل قائد كان هناك، ما زال حيًا في ذاكرتنا. ويشمل هذا كل شهيد مات في سبيل حريتنا. أخيرًا، نحن احرار وشاكرين بإعزاز لذلكم الإنجاز العظيم ألّذي حققه زعمائنا. التحدي الآن، هو عمّا إذا كان بمقدورنا الاستمرارية في القضية ألّتي ناضلوا من أجلها معظم أيام حياتهم.
.
هل يمكننا أن نُترجّم أحلام قياداتنا إلى واقع؟
هل نملك حقاً، دولة مستقرة، ومتحدة تحت قيادة الرئيس سلفا كير ميارديت ومساعده- رجل الشعب- سعادته الدّكتور ريك مشار تنج؟
هل سننعم بالبركة الآن حتى نعيش في سلامٍ ووئامٍ بيننا نحن وأصدقائنا؟
نصلِي ونتمنى بكل إخلاصٍ أن تسير الأمور على أفضل ما يكون لشعبنا.
.
إلّا أنّني لا أرى أي سبب يجعلني أخذك بعيدًا عن الموضوع ألّذي أنا بصدده عزيزي/تي القارئ/ة.
بالنسبة لشخص هذا المؤلِّف الضعيف، ليس هناك نزعة تدعو لجحود مجد أحد زعمائنا العظام ومن ثمّ منحه- بدلًا منه- لزميلٍ له في النضال. الفريق أول سلفا كير ميارديت يعلم ذلك، ودائمًا ما يحرص على وضع نفسه في مرتبة ثانية (على الأقل على الملأ) بعد أخيه ورئيسه الدّكتور جون قرنق. حاول بعض النّاس، الضغط على زر الكراهية على حساب ميراث قرنق، لكنّ الرفيق كير قاومهم، وعشمي في أن يستمر بهذا المنوال! قرنق هو رجل من عيارٍ ثقيلٍ للغاية، مميّز، عظيم، والكُل في كُل (ومرح إن أردتَ ذلك). لقد كان من معدنٍ أصيلٍ، وليس دعيًّا، وفوق كل ذلك، كان مُلهِمًا وذو رؤية ثاقبة: صفاتُ في غاية الأهمية لزعيم أي أمة.
قبل الاطّلاع على القيادات التّاريخية للدول الأخرى، يجب علينا بإيجازٍ، تعريف تلك الجملة المهيبة “أب الأُمّة”وفقاً لقاموس أوكسفورد الإنجليزي، فـ ” أب الأمة” هو لقبُ شرفيُ يُعطى لإنسانٍ يعتبر القوّة المحرّكة وراء تأسيس دولة أو بلد أو أمة”. كذلك عرّفها القاموس الحر كالأتي: الأب المؤسس للأمة هو ” الشخص ألّذي يؤسس أو ينشئ مؤسسة” وفقًا لهذا التّعريف المقتضب، يمكنك استخلاص استنتاجات خاصة بك.
تذكر، إنّ الأمر هنا ليس عن إنجاز إستقلال أو إنّ تبوء منصب أول رئيس قد يجعل مِن المرء الأب المؤسّس للأمة. هذه ليست بالضرورة هو الأمر! إنّه، بالأصح، الإعتراف بجهودٍ متراكمة وغير عادية بذلها الإنسان خلال مراحل تشكُل الأمة.
على سبيل المثال، سعد زغلول (1859- 1927) في مصر، كان قد لا يكون الأب المؤسّس للمصريين إذا تم إضافة الإستقلال لهذا اللقب. فأوّل رئيس لمصر كان محمد نجيب في عام 1952. وإنّ دولة ناميبيا ألّتي أصبحت أُمّةً مستقلةً في عهد سام أنجوما ألّذي أدى القسم كأوّل رئيس بعد أن أخذ حزبه، سوابو، السُّلطة مِن ساوث أفريكانز في عام 1990. إلّا أنّ الأب المؤسّس يظل هو هوسيا كوتاكو، وليس أنجوما.
التّونسي، الحبيب بورقيبة، عُرِف عنه بأنّه الأب المؤسّس للأُمّة، رغم أنّ هناك من هم سبقوه وشاهدوا إنجاز الإستقلال. لماذ؟ لأنّه أسّس ما عجز الأولون عن إنجازه، وإنّ من خلفوه، حاولوا وسيحاولون بناء فوق ما أسّسه.
رغم وجود آخرين، فقد أصبح توماس بيترز الأب المؤسس لدولة سيراليون وذلك ل “قوته المُحرِّكة” ألّتي بها اقنع البريطانيين لمساعدة استيطان عدد 1192 من الأمريكان السّود.
قد ينطبق الشئ نفسه على الصين مع سان ياستن الحامل للقب الأب المؤسس للأُمّة. قد يعتقد المرء بأن ماو زيدونج هو الأب المؤسّس للشعب الصّيني، ولكن هذا غير صحيح.
حرر الهندي فالأبهاي باتيل دولته الهند من الحكم البريطاني، إلّا أنّ اللّقب الشّرفي قد أُعطي لـ مهاتما غاندي 1869- 1948
اصبح الليبيري جوزيف جينكينز حاكمًا في عام 1841 لمدة ثمانية أعوام في ليبيريا ألّتي لم تُستعمر قط. الآن، جوزيف، هو الأب المؤسّس لجمهورية ليبيريا.
جنوب أفريقيا تجتهد الآن لإعادة كتابة تاريخها بُغية منح اللّقب لنيلسون مانديلا، لكن من قبله كان في دولة الفري أورانج، كُلٍ من جاكوباس جروينديل، جوسياس فيليب هوفمان، بيتر جيرماياس، فرانسيس وليم رايتز, وآخرون.
الأفغاني أحمد شاه عبد الله، الأب المؤسّس للأُمة، كان قد جاء مبكرًا عن آخرون، ولكنه اُعترِف به نتيجة لجهوده في عام 1747.
والقائمـة تطول.
ما نريد أن نذهب إليه هو كون أن يَشْرِف المرء على الإستقلال لا يعني بأنّه قد يصبح، تلقائياً، الأب المؤسّس!! الأمر يعود إلى ما تعتقده الأُمّة عن شخص ساهم بدرجةٍ ملموسة في عملية بناء الأمة. اعتقد، إنّ باستطاعة قرنق أن يكون منافسًا خطيرًا لهذا اللقب.
قد توافقني الرّأي أو تخالفني، إلّا أنّه من الضروري أن نكون في غاية الحذّر قبل العجول في منح اللقب لشخص لا يستحقه. في رأي، إنّ كير قد أنجز شيئًا، لكن الوقت ما زال مبكرًا لتتويجه أبًا مؤسّسًا لأمتنا! قد نكون غير منصفين في حق خليفته ألّذي سوف يضع أساس دولتنا.
هلا نكون أكثر كرمًا واعطاء هذا اللقب لقرنق بعد وضع الأحكام المسبقة جانبًا؟
نرى إنّ الرئيس كير يُدفع دفعًا، وإنّ الذين يفعلون ذلك لا يساعدونه بهذه الطريقة.
لا أعلم، لماذا أصبح بعض النّاس أكثر قبليةً وضيقًا في الأفق إزاء المواطنيين العاديين؟ أشُكّ عمّا إذا كُنّا مخلصين.
السيد أمبروس وآخرين، يجب عليكم عدم قوقريالة [جعل الأمر قوقرياليًا، وهي منسوبة إلى مدينة قوقريال- المترجم] هذا اللّقب. دعوا كير وحده، فهو هناك لأنّ قرنق كان هناك (هل وعيتم الأمر جيّدًا؟). أجل، كير هو أحد الأباء المؤسّسين للحركة الشّعبية لتحرير السّودان و أول رئيس لجمهورية جنوب السودان، وليس اكثر.
في الختام، ليكُن معلومًا للجميع، يجب ألّا تقوم مجموعة ذات مصلحة ما بالتنبوء بذلك في صفحات الكتب، أو أن يكتب شخص في مكانٍ ما، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى تشويش العامة من الناس. نريد أن نمنح التّقدير إلى من بذل جهودًا غير عادية في سبيل أن ننال حريّتنا. لا أعرف من هو المسئول، قانونيًا، كي يوضع هذا الأمر في نصابه، لكنّي اعتقد إنّ باستطاعة وزارة التراث البدء في هذه الإجراءات، ومن ثُمّ على مجلس الوزراء ايحالها إلى البرلمان حيث سيتم البت فيه نهائيًّا. طالما هناك تضاربًا عظيمًا في المصالح- قل إنّ بعض المجموعات منهمِكة الآن في تتويج الرّئيس كير- فقد نحتاج إلى وقتٍ حتى يتم حسمها.
أُحيي أبو صلع من كل قلبي.
_________________________________________________
*مقال ترجمتـه للكـاتب إيزايا أبراهـام قبل إغتيـاله في ديسمـبر 2012