المكاسب الأخرى للجنوب العالمي لقرار إدارة ترامب بوقف جميع المساعدات الخارجية – السُودان نموذجًا 

واجومانيوز

بقلم:محمد أبكر موسى

بإعلان قرار الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب حديثًا بتوقف جميع المساعدات الأمريكية الخارجية، توقفت على الفور أكثر من 80% من أنشطة المنظمات السُودانيّة او العاملة في فضاءه. وقد جاء القرار صادمًا على ذهنية المجتمع المدني السودانيّ كواحدًا من فضاء الجنوب العالمي المتأثر. الأمر الذي كشف نقاب هذا الفضاء فيما يتعلق بمستوى علاقاته واعتماده الماليّ على الخارج.

 

تلك النسبة الكبيرة لهذا الاعتماد على التمويل الأمريكي بمختلف نوافذه ومؤسساته من الخزانة العامة مروراً بالخارجية وصولًا إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USAID) تكشف مدى تبعية مؤسسات المجتمع المدني في الجنوب العالمي بما يشمل السُودان ومحيطه، ومدى تأثير التمويل الأجنبي البنيويّ على حياة الملايين ما وضعها على المحك بسبب انخراط مُعيلو المئات من العوائل والأسر في اقتصاديات منظمات المجتمع المدني بمختلف انشطتها المتنوعة بين الحماية إلى رفع القدرات والاغاثة.

 

الجانب المخفي في القرار، أن الأخير ليس مجرد انعكاس طبيعي لرغبة واشنطن في عمل تقييم ومراجعة لكمية أموالها (كما أعلنت) التي تصرفها في سوق الاقتصاد المعرفي المتعلق بالأمن وبيع وشراء البيانات والمعلومات فحسب، إنما يكشف القرار عن ارادة مبطنة وتوجه متعمد من أوجه السياسة الأمريكية لجعل الفضاءات العمومية في الجنوب العالمي بمختلف أنظمتها ومؤسساتها ودولها أسيرةً لسياسات الاعتماد على التمويل الأمريكي وفق توجهات واشنطن بشكل بنيوي، كما أظهرته حالة الشلل التي أصابت المنظمات المحلية ذات التمويل الأجنبي.

 

أنها في المضمون محاولة من واشنطن على تعزيز سياسات السيطرة والهيمنة الاقتصادية وما لها من أبعاد سياسية واجتماعية بشكل أكثر تأثيرًا وفعلية مما سيمنحنها التحكم في أغلب جوانب حيوات إنسان بلدان الجنوب النامية والهشة بصورة أكثر استراتيجية. وعليه في المقاربة هي محاولة ابتزاز متعمد من الإدارة الأمريكية على فضاء الجنوب العالمي المدنيّ.

 

وهذه السياسة الخاصة بالمعونة الأمريكية الخارجية للبلاد النامية، هي من أهم تجليات أدوات الهيمنة المادية والرمزية المعاصرة على سوق الولاء السياسي، والوعي الجمعي اقتصاديًا وثقافيًا وتفكيريًا. ما ستنتج في المحصلة علاقة اعتمادية وتبعية هيكلية شبه تام للطرف الضعيف مع الآخر القوي. ففي النتيجة هي سياسة تشبه علاقة المسكِر بالشراب، وصلة المدمن على المخدرات بتُجارها. ما ستصل العلاقة للاعتمادية حدّ الموازنة الصفرية لوجود الطرفين.

 

ولكن في الجانب الآخر، وكمكاسب معاكسة للقرار، ألقى هذا القرار ظلالًا واضحة على ضرورة إعادة التفكير بالنسبة لفضاءات العموم الجنوب عالمي في طبيعة العلاقات القائمة بينها والانظمة الغربية بما فيها السياسة الأمريكية الخاصة بالاقتصاد الريعي لمقولة المساعدات. انه قرار كشف للجنوب مدى هشاشة مجتمعه المدني بمختلف مؤسساته ومنظماته اقتصاديًا وسياسيًا وحتى معرفيًا.

 

انها لحظة استفزاز الصاخبة للوجدان العمومي في الجنوب العالمي نحو ضرورة التفكير في تقييم طبيعة علاقته بالشمال، والبحث عن بدائل عاجلة واستراتيجية تقيه من أن يكون دومًا اسيرًا للسياسات الخارجية سواء في جوانبها الاقتصادية أو السياسية والاجتماعية. وهي مقاربة ما ستعمل على تحفيز الاذهان نحو ضرورة بناء أنظمة مدنية وسياسية واقتصادية تتمتع باستقلالية واسعة أو كاملة عن أي ضغوط او سياسات خارجية تعزز ايديولوجيات التبعية والاعتماد على الآخر كليًا، ما ستسهم في محاولة التحكم في مصائره بشكل ذاتيّ محليّ مستدام.

 

وعليه، يجب على الفضاء المدني السودانيّ ضرورة فتح ذهنيته بآفقٍ جديدة، لمحاولة استيعاب لعبة سياسات الغرب والشمال العالمي فيما يتعلق بمقولة المساعدات الخارجية. انها لحظة مجانية، يجب اعاة التفكير فيها مليًا في طبيعة علاقته بالأخيرة والتحديات التي تواجهه بإعادة بناء نفسه بسردية استقلالية، تحميها من ن الأسر لدى السياسة الخارجية، ما ستولّد آفاق وبدائل ذات حلول مبتكرة ومستدامة.

 

 

30 يناير، 2025م.

Translate »