الحركات المسلحة السودانية بين مخاوف الماضي وضمانات المستقبل

واجومانيوز

بقلم:محمود عمر

بعد عقود من الصراعات المسلحة في السودان، تعلّم الشعب السوداني من تجاربه مع الميليشيات التي نشأت لدعم الأنظمة الاستبدادية، ثم تحوّلت لاحقًا إلى قوى تهدد استقرار البلاد. واليوم، ومع اصطفاف الحركات المسلحة إلى جانب القوات المسلحة في الحرب الدائرة، تبرز مخاوف من تكرار الأخطاء السابقة، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام هذه الحركات بالعملية السياسية وتحقيق السلام الدائم. ومع ذلك، فإن الحركات المسلحة الحالية تختلف عن الميليشيات السابقة، فهي وليدة النضال من أجل التغيير وتحقيق العدالة والتنمية، وليست مجرد أدوات ظرفية للصراع. وتسعى هذه الحركات إلى أن تكون شريكا أساسيا في بناء سودان ديمقراطي ومستقر يقوم على أسس العدالة والمساواة.

 

نشأت هذه الحركات نتيجة المظالم التاريخية وظلّت تناضل لأكثر من عقدين، مما أجبر النظام السابق على الاعتراف بها والجلوس معها للتفاوض في أكثر من منبر، تلبيةً لمطالبها المشروعة، وقد وقّعت هذه الحركات اتفاقيات عدة، مثل اتفاقية أبوجا، واتفاقية الدوحة، واتفاقية سرت، ومفاوضات أبشي 1 و2 وعندما نجحت ثورة ديسمبر في الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، كانت حكومة الثورة بقيادة قوى الحرية والتغيير تدرك أهمية تحقيق السلام مع هذه الحركات، مما دفعها إلى تضمين مشروعية مطالب الحركات المسلحة في الدستور الانتقالي، والاعتراف بأن سقوط النظام كان ثمرة نضالها المستمر، سواءً عبر الضغط السياسي أو العسكري، الذي أضعف النظام وجعله منبوذًا دوليا، مما عجّل بسقوطه.

 

لطالما أكدت الحركات المسلحة التزامها بالديمقراطية والسلمية، وهو ما جعلها تحظى بدعم المجتمع الدولي، الذي طالما شجّع الحلول السلمية لتحقيق التغيير والاستقرار، فقد دعمت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، والترويكا، والمنظمات الإقليمية والدولية هذه الحركات، وشاركت في مراقبة تنفيذ التزامات اتفاقيات السلام.

 

أما اصطفاف الحركات المسلحة اليوم إلى جانب الجيش في الحرب الجارية، فقد جاء من منطلقات وطنية، حيث رأت أن الجيش كان في أضعف حالاته، يفقد السيطرة على الولايات واحدة تلو الأخرى وكان بإمكان هذه الحركات الوقوف مع الطرف الآخر أو حتى إعلان حكومة مستقلة في دارفور، كما يسعى إلى ذلك قوات الدعم السريع، لكنها اختارت المصلحة الوطنية على الخلافات السياسية والانتماءات الجهوية والحزبية الضيقة، وأكدت ولاءها للوطن والأمة السودانية باعتبارهما كيانًا موحدًا مستقلًا بعيدًا عن أي تبعية خارجية.

 

لذلك، لا يمكن مقارنة هذه الحركات بالميليشيات السابقة، فهي ليست مجرد نسخة جديدة من أدوات الصراع، بل تمثل قوى ثورية تسعى إلى بناء جيش قومي مهني بعيدًا عن الأيديولوجيات والولاءات الحزبية، لضمان عدم تكرار تجربة الميليشيات التي أضعفت الدولة السودانية.

 

المخاوف من تكرار تجربة الميليشيات التي دعمت الجيش ثم انقلبت عليه لاحقًا مشروعة، بالنظر إلى التاريخ السوداني في تسليح القوى غير النظامية ولهذا، من الضروري أن تقدم الحركات المسلحة تطمينات واضحة للشعب حول دورها في المرحلة المقبلة، وذلك من خلال:

 

– توضيح موقفها من العملية السياسية، والتأكيد على أنها ليست مجرد مجموعات قتالية بلا رؤية سياسية، بل قوى تسعى إلى بناء سودان موحد وعادل.

 

– التأكيد على سجلها النظيف، إذ أنها منذ نشأتها في عام 2002 لم ترتكب أي جرائم بحق المدنيين، على عكس قوات الدعم السريع التي استخدمت كأداة لقمع الشعب وخدمة نظام البشير الاستبدادي.

 

– الالتزام بدمج قواتها في جيش قومي موحد، لضمان عدم تكرار سيناريو الميليشيات التي قوّضت سلطة الدولة وأضعفت مؤسساتها.

 

– إثبات ولائها للوطن، بعيدًا عن أي أجندات خارجية أو مصالح جهوية، والعمل على تحقيق الاستقرار والتنمية لجميع السودانيين.

 

يبقى السودان في مفترق طرق، حيث تتداخل التحديات الأمنية والسياسية، وبقدر ما تثير مشاركة الحركات المسلحة في الحرب مخاوف البعض، فإنها تظل جزءًا أساسيا من المشهد السياسي، وعليها مسؤولية كبيرة في طمأنة الشعب السوداني حول نواياها المستقبلية، فالمطلوب اليوم هو العمل على بناء جيش وطني موحد، وتعزيز المسار الديمقراطي، وضمان ألا تتحول هذه القوى إلى تهديد جديد لاستقرار البلاد، بل أن تكون جزءًا من الحل لبناء سودان جديد أكثر عدالة واستقرارا.

 

محمود عمر

1فبراير 2025

Translate »