وكتب فرانسيس مايكل ..كشف الحقيقة: عاطفة أم سلفا كير عاجز حقا عن حل لغز الفساد؟

واجومانيوز

بقلم: فرانسيس مايكل قوانق

تعد وزارة المالية في جنوب السودان، المسؤولة عن إدارة أموال الدولة، في قلب العديد من ادعاءات الفساد وسوء الإدارة. هذا لغز يحاول الناس حله بسبب الإقالات المتكررة للوزراء، ودائماً ما يتجنب الرئيس كير الحديث عن أسباب إقالة الوزراء. أخيرًا، صرح كير أن “الوزير أوو شوانق” غير مؤهل لمنصب وزير المالية وفشل في معالجة الأزمة.

كشف الرئيس سلفا كير أنه ظل يبحث عن الشخص المناسب لمعالجة الأزمة الاقتصادية، مما دفعه لطرد وزراء المالية السابقين لفشلهم في إيجاد الحل. وقال كير “إنه جرب كل شيء”، وأكد أنه عندما يجد الشخص المناسب سوف يتمسك به. فهل بالفعل لم يجد الرئيس كير الشخص المناسب؟ دعونا ننظر إلى الحقائق.

إقالة وزير المالية أوو شوانق في أقل من بضعة أشهر تكشف الستار عن طريقة إدارة الدولة لوزارة المالية. لم يكن الإقالة مفاجئة للعديد من المتابعين للأزمة الاقتصادية في جنوب السودان، وهذا نتيجة للوضع المعقد بسبب منظومة تعمل وفقاً لمصالحها بدلاً من مصالح الدولة.

تم طرد عدد من الوزراء من وزارة المالية دون أن يحقق أحدهم أي إنجاز، بل تفاقمت الأزمة ولم يتغير شيء. هذا يطرح سؤالًا عن سياسة الرئيس سلفا كير وحزب الحركة الشعبية تجاه معالجة الأزمة الاقتصادية. مضى حاليًا أكثر من 9 أشهر ولم يستلم الموظفون رواتبهم، وهذا ما أكده الرئيس بنفسه. “لدينا أموال وعائدات غير نفطية كافية لدفع أجور العاملين في الدولة”، مقتبس من سلفا كير. إذن، أين تذهب الأموال؟ شخص سلفا كير المشكلة بأن الوزراء يخدمون أشخاصًا وليس الدولة. فمن هم هؤلاء الأشخاص؟ ولماذا لا يقوم بمحاسبتهم من أجل مصلحة شعب جنوب السودان؟

نجد أن جميع وزراء المالية الذين تقلدوا منصب وزارة المالية لم يكشفوا بعد عن كواليس ما يحدث داخل الوزارة. وسُرب عن أحد آخر وزراء المالية في الحكومة أنه وقع عقداً مع شركة أجنبية للحصول على قرض مالي لمعالجة الأزمة مقابل النفط الخام. هذا ليس أول حدث لكن الحكومة اقترضت أموالًا مقابل النفط الخام من قبل. ومع ذلك، تم طرد الوزير بسرعة. فما يحدث في وزارة المالية والتعامل مع المال العام لا يزال لغزًا يتعين على الناس معرفته.

 

في حالة الوزير أوو شوانق، نجد أن الانتماءات القبلية تلعب دورًا مهمًا في تحديد من يتم تعيينه في المناصب الحكومية. وقد يؤدي هذا في بعض الأحيان إلى التحيز والمحسوبية، مما يؤثر على فعالية الحكومة ومصداقيتها بشكل عام. ونتيجة لهذه التوازنات القبلية، فقد وجد الرئيس سلفا كير نفسه في معضلة كبيرة، وانتهى الأمر بوزير المالية على حساب وزير آخر مهم في الدولة، ومضطرًا للاختيار بين خيارين “بالوك أم شوانق”. هذا جعله يفكر في عوامل متعددة، فالإثنان من ولاية أعالي النيل ومن بقعة جغرافية واحدة. ونتيجة لسياسة الحركة الشعبية يصعب عليهم تقلد منصبين كبيرين في نفس الوقت. بعيداً عن العاطفة التي أظهرها سلفا كير في تصريحاته بشأن مسؤول خدم في العديد من المناصب.

 

يمكن تفسير التغيير الذي حدث بعودة الدكتور شول طون وكيلاً للوزارة، وهو منصب يوازي ما كان يتقلده المهندس أوو شوانق قبل أن يصبح وزيرًا. يمكننا تفسير ذلك بأن كير أعاد تدوير العملية بحسب التوازنات القبلية كما يفعل في كل مرة بحجة الكفاءات.

حاليًا، الأزمة الاقتصادية في جنوب السودان لها تأثير شديد على السكان، مما أدى إلى مجموعة من المشاكل في مختلف القطاعات. أدت إلى نقص الغذاء على نطاق واسع وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وترك الكثير من الناس يكافحون من أجل الوصول إلى الضروريات الأساسية. ويتعرض نظام الرعاية الصحية لضغوط هائلة بسبب محدودية الموارد والتمويل. كذلك التأثير السلبي على قطاع التعليم، حيث تفتقر العديد من المدارس إلى الموارد الأساسية وتواجه تحديات في توفير التعليم الجيد للأطفال. أما البنية التحتية فقد أعاقتها الأزمة بشكل مشلول، مما أدى إلى سوء الطرق، ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة، وعدم كفاية إمدادات الكهرباء.

من خلال تصريحات الرئيس سلفا كير، يمكننا أن نستنتج أن الفساد بجميع أشكاله أصبح عقبة رئيسية أمام التنمية في جنوب السودان، مما يقوض الدولة ويعوق رفاهية مواطنيها. أثاره مدمرة على الاقتصاد والخدمات العامة ويهدد الحكومة.

حديث الرئيس سلفا كير يبدو عاطفيًا أكثر من أن يكون واقعيًا في البحث عن معالجة الأزمة الاقتصادية. إذا كانت الحكومة ترغب في اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لمعالجة الفساد واستعادة النزاهة في المؤسسات العامة، فإن الأمر يتطلب إرادة سياسية قوية، وحوكمة شفافة، وآليات للمساءلة لمحاسبة الفاسدين على أفعالهم، وليس البحث عن أشخاص لإجراء تجارب “عملية” عليهم.

 

العاطفة في تصريحات سلفا كير ظهرت في العديد من المناسبات عندما أعاد تعيين مسؤولين حكوميين أقالهم لأسباب تتعلق بالفساد وسوء الإدارة. لذا، لا نستغرب عندما يعود أوو شوانق إلى الساحة لتقلد منصب حكومي على الرغم من اتهامه بعدم الكفاءة في إدارة مؤسسة مثل وزارة المالية من قبل سلفا كير.

في اعتقادي، إذا كان هذا هو النهج المتبع من قبل سلفا كير وحزبه لمعالجة الأزمة، لن تتمكن الدولة من استعادة ثقة مواطنيها والوفاء بالتزاماتها بتوفير رفاههم خلال السنوات المقبلة وسوف تتفاقم الأزمة وتستمر الرئيس في إقالة وزراء المالية من وقت لآخر.

معالجة الأزمة الاقتصادية في جنوب السودان أصبحت أمرًا صعبًا للغاية لعديد من الاعتبارات “القبلية والسياسية والكفاءات العملية”، وهي قضايا معقدة لا تتعلق فقط بنقص الأموال، بل بمشاكل عميقة الجذور مثل الاعتماد على عائدات النفط، وعدم الاستقرار السياسي، والفساد والقبلية السياسية.

إذا قلنا أن لغز وزارة المالية هو مثل موظف حكومي يجلس في مكتبه محبطًا وأمامه كمية من الأوراق، وينظر من النافذة ويرى مئات الأشخاص يعانون من الفقر والجوع، فإن هذا الموظف يدرك أن الوزارة تواجه أزمة مالية خانقة، لكنه يشعر بالعجز عن فعل أي شيء لعديد من الأسباب. دعونا نقول إن لغز وزارة المالية هو رسالة مشفرة بذكاء “إثني” تكشف عن فساد كبار المسؤولين، وعن سوء استخدام الأموال العامة. تم توزيع الأوراق في شوارع المدينة “نظراً لتصريحات سلفا كير”، لكن من كتب الورقة؟ ومن هم كبار المسؤولين الفاسدون في الدولة؟ وكيف تم استخدام الأموال العامة بشكل خاطئ؟ هذه أسئلة تتعلق بنظام إعادة التدوير وتمكين الناس على حساب أموال الشعب.

في الختام، هل بالفعل سلفا كير عاجز حقًا عن حل لغز الفساد؟ أم أن الأمر يتعلق بعاطفة سياسية قبلية تهدف إلى إلغاء اللوم عن قيادات حزبه وكسب قلوب الشعب الغاضب من الأزمة الاقتصادية؟

جوهر الأمر هو أن تصريحات سلفا كير تسلط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجه جنوب السودان في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية. سواء كانت تصريحاته عاطفية أو واقعية، فإنها تثير تساؤلات حول دوره كزعيم للأمة في إحداث التغيير، كما تضع مسؤولية حزبه تجاه الدولة موضع تساؤل من خلال هذه التصريحات. التعمق أكثر في مضامين تصريحات سلفا كير حول مستقبل جنوب السودان مثير بالفعل للدهشة في ظل الوضع الاقتصادي الهش.

تم..

Translate »