جنوب السودان: الطريق لاتزال شاق في البحث عن الهوية
واجوما نيوز
بقلم/ فرانسيس مايكل قوانق
مقدمة:
يشكل تعدد القبائل والتنوع الثقافي في السودان الجنوبي من الملامح الذي تتميز به جمهورية جنوب السودان والذي يقدر عدد القبائل فيها بالـ ٦٤ قبيلة في اول عملية إحصائية أجريت في السودان عام ١٩٥٦م، وبالرغم أن بعض المعلومات تشير الى وجود ٨١ قبيلة نسبة لضعف الدراسات التى تمت بشأن القبائل في السودان الجنوبي، هذه التنوع الثقافي جعل مشكلة السودان الجنوب
ي معقدة نوعا ما نسبة للصراعات الداخلية بين القبائل منذ الثمانينات او قبل إستقلال السودان و بعد تأسيس دولة مستقلة للسودانيين الجنوبيين، حيث شكلت قضية الهوية أكبر المشاكل التي يعاني منها الدولة الوليدة في كيفية تحديد الهوية الحقيقية لشعب السودان الجنوبي، وعجزت العديد من الدراسات أن تجيب على سؤال من نحن؟ وماذا نريد؟ وهذا ربما هو السبب الذي قاد إلى اندلاع الحروب الأهلية والصراعات القبلية من الجديد بين الجنوبيين أنفسهم في ديسمبر عام ٢٠١٣ على خلفية الصراع على السلطة وهو صراع له علاقة مباشرة بصراع الهوية أي القبيلة (الزعامة العشائرية) على حساب الأقلية.
في السابق تعتبر إشكاليات الهوية من أكبر المشكلات التى تعاني منها جمهورية السودان القديم، ورغم كل هذا الإختلافات والمسميات والتعري
فات عن الهوية، فإن الهوية ليست مجرد تصور أو لعبة تتصرف فيها كل مجموعة، على حسب تواجدها في مكان واحد او حسب الدين أو الثقافات المتعددة المشتركة بينهم، حيث أن تأثير الناس بالأشخاص نتيجة لمشاركتهم يمكن أن يكون له المنطق، حيث التواجد
في مكان جغرافي ما أقرب الى الحقيقة. وقد ارتبطت كل الحروبات الاهلية في العالم بمسالة الهوية، نموذج ما يحدث في جمهورية السودان الجنوبي أي السودان القديم نتيجة لغياب الثقة ومعرفة العلاقات التى تجمع هذه القبائل من جذورها العميق.
الجذور التاريخية لقبائل الجنوب:
(1)
تاريخياً يعرف السودان ببلاد كوش (سودنه) كما في الكتاب المقدس العهد القديم (التوراة)، لكن تاريخ السودان القديم لم يشير بصورة واضحة إلى دخول الجنوبيين الى السودان؟ مثل دخول العرب الى السودان على الشريط الشمالي وهي واحد من أزمات دراسة التاريخ في السودان وتحديد قضية الهوية السودانية بين العرب المهاجرين والأصول الإفريقية. ففي السودان جاءت الإسلام في محاولة فرض العروبة على حساب أسلمة السود (دين الإسلامي) بعد زوال الممالك المسيحية في السودان وهي مملكة (نبتا، تقلي، سوبا وغيرها، حيث ظهرت صراع الحضارة والثقافة في محاول كل مجموعة أن تفرض نفسها في السودان، حيث الديانة الإسلامية وحضارتها (اللغة العربية) والديانة المسيحية وحضارتها اللغة الإنجليزية، على حساب اللغات المحلية قبائل السودان الجنوبي، فيما استقر شمال السودان على الحضارة الإسلامية على حساب الحضارة الافريقية (حضارة النوبة) الذي كان يتمتع به بلاد الكوش قبل دخول الإسلام ونهاية ممالك المسيحية ووضع أهل الجنوب في صراع مستمر بين الحضارة والديانة.
(2)
تشير العديد من الدراسات التي تم ان هناك صلة الترابط بين القبائل في جنوب السودان على اساس النشاء أو التكوين اعتمادا على هجرة وتحرك القبائل في وسط افريقيا، حيث يرجع أصل قبائل السودان الجنوبي الى قبائل وسط افريقيا المهاجرة، وهي قبائل تنتمي الى جذور إثنية واحد (الأفريقانية) وهي قبائل وسط افريقيا الزنجية، بينما تقول بعض المراجع ان ليس هناك رابط قوي يجمع كل القبائل السودان الجنوبي كحال معظم القبائل الأفريقية الأخرى، وتشير الدراسات أن الحروبات المتبادلة بين قبائل وسط إفريقيا أدت الى هجرة تلك القبائل ووصلت الى وسط افريقيا وبتحديد الجزء التي تقع فيها السودان الجنوبي حاليا، القبائل الذي وصلت الى تلك المناطق كانت قبائل متعدد اللغات والأديان والأصول الإثنية، كان لهم امتدادات وقرابات إثنية ولغوية ودينية مع قبائل وشعوب التي تعيش في جمهورية أفريقيا الوسطى، زائيري، يوغندا، كينيا، إثيوبيا.
في مطلع القرن الاول ميلادي بدأت هجرات تلك القبائل حيث تدفق الزنوج من غرب القارة الى وسط وقد تدفقت هذه الهجرات في تيارين متوازيين هما هجرات قبائل الزاندي ZANDE وهجرات قبائل البانتو Bantue بدأت هذه الهجرات من كاميرون في الحدود الشرقية القبائل الزنجية واخترقت حوض نهر زائير متجهة الى منابع النيل الأبيض، كما يشير المؤرخ نيبلوك أن تلك الهجرات هي التي شكلت معظم سكان وسط أفريقيا في القرن الأول ميلادي. إلا أن في القرن الرابعة عشر ميلادي شهدت هجرات القبائل النيلية الصحراوية في اتجاه وسط أفريقيا لتمتد القبائل العربية نتيجة لصراع على الموارد، حيث النزاع بين العرب والقبائل النيلية الصحراوية حيث ادت ذلك أن يهاجر القبائل الى وسط افريقيا. وتعتبر قبيلة امادي A
madai وقبيلة كالنجيين Kalenjin في غرب الاستوائية من القبائل التي هاجرت ووصلت المنطقة، حيث استقرت كالجينين في منطقة السدود على النيل الأبيض وأمادي في بحيرة فكتوريا ووصلت بعض من الكالينجيون الى مرتفعات الكينية.
في القرن السابع عشر زحفت قبائل اللوه من وسط غرب أفريقيا نتيجة للتنازع على المراعي وموارد مع قبائل التى هاجرت من الشمال الغربي، حيث ينتمي اللوه الى شعوب النيلية الصحراوية وهي متواجدة حاليا في مناطق أعالي النيل الابيض والشواطي الشمالية لبحيرة فكتوريا وتمتد حتى كينيا، وتعتبر هذه الهجرات هي المؤشرات الحقيقية لتكوين وتجمع هذه القبائل في مناطق مختلف على الشريط النيلي في الجزء الجنوبي السودان أي ما يعرف حاليا بجمهورية جنوب السودان.
(3)
اعتمادا على الهجرات ووصول تلك القبائل الى السودان يمكن ان نلاحظ بصورة عام أن هناك قواسم مشترك تربط القبائل في السودان الجنوبي من حيث اللغة والثقافة اعتماداً على الهجرات، حيث انهم قبائل نيلية صحراوية Nilotics وهي قبائل رعوية، (رعاة الماشية) وترجع اصولهم اللغوية الى اللغات النيلية الصحراوية، Nilo Saharaw language وهذا يشكل حوالي خمسين مليون من سكان مناطق النهر في أعالي النيل والبحيرات في اواسط افريقيا. هذه الهجرات المتبادلة في القرن الأول ميلادي وحتى القرن السابع عشر ميلادي هي التي شكلت سكان السودان الجنوبي والتي تشكلت من تنوع ثقافي وعرقي وقبلي من مجتمعات افريقية ذات اصول مشتركة نظرا لثقافة واللغة. ففي السودان الجنوبي يوجد نقاط الاشتراك بين القبائل الثلاثة الكبرى وهم النيليون الشماليون على حسب المؤرخون وهم (النوير، الشلك، الدينكا) حيث تواجد هذه القبائل على نهر سوباط وجنوب بحر العرب، وتضم هذه المجموعة ايضا الانواك، اللاكورو، الشات، الاندو، اليورو الاتوي وهي قبائل لا تقطن مناطق نهر سوباط وبحر العرب لكنهم يشتركون في اللغة والثقافة. المجموعة الثانية في السودان الجنوبي هم النيليون الشرقيون، وتقطن بحر الجبل، وهي مجموعة التى تعرف بـ الناطقة بلغة باري، Bari Speaker وتضم باري، لاتوكا، ومجموعة ديدنقا وتضم فوجلو، كاكوا، تروكانا، الدودوث، البويا، المورلي، الانقو الدونقو، توتو، أما الفئة الثالثة من تكوين القبائل وهم السودانيون ويطلق عليهم سودانيون في غرب الجنوب وهم بانقو وتضم بونقو، الميتو، البيلى، السوفي، القيري، والوري، الدوروكودو، القباموسا، اما مجموعة الثانية هي ندقوقو وتضم ندوقو البيوري، السيري والباي، اوتاتي مجموعة الثالث هم مجموعة مورو وتضم الأندري، كيديرو، والأجيبا، كاليكو، اللوقوارا، الوقو، الليندو، أما المجموعة الرابعة وهي مجموعة قبائل ازاندي البانتو في غرب الاستوائية تشمل زاندي وعشائرهم ولهم امتدادات مع الكونغو وأفريقيا الوسطى.
(4)
من خلال الهجرة التي بدأت من القرن الأول ميلادي نجد ان قبائل السودان الجنوبي تنحدر من اصول وجذور إثنية واحدة تنتمي الافريقانية وسط افريقيا وهم (الزنجية)، حيث ان الكثير من الأساطير تقول أن معظم القبائل تفرعت من بطن واحد أي أن لهم صلات قرابة منذ آلاف السنين، ومع التغييرات والانقسامات ونتيجة للحروبات تفرعت هذه القبائل الى العديد من القبائل وهي حقائق غير مثبت تاريخيا، فمثلا القبائل النيلية الثلاثة (الشلك، الدينكا، النوير)، تربطهم صلات القرابة في بعض من الأساطير، قبائل اللاتوكا التي ترجع أصل الكلمة إلى (أودقو) نسبة لجدهم الأول لهم صلة مع باري حيث تروي الرواية ان كلمة جاءت عند انهيار برج بابل ان تفرعت القبائل وكلمة اودوقو عند لاتوكا تعني (ماذا) ويفسر ذلك (أن عند انهيار برج بابل بدأ الناس يتكلمون بلغات غير مفهوم مع بعضهم البعض)، ايضا مجموعة اللوه التي تضم (الشلك، الأشولي، الأنواك، فييري،) لم تفسر البحوث حقيقة من هم السودانيين الجنوبيين ومن أين جاءو وما الذي يجمعهم ولكن المشهد الفيزيائي تبين سواء كانت في الثقافة إن هذه القبائل كانت لها وجود في منطقة وسط أفريقيا قبل دخولها السودان. يقول فرانسيس دينق في كتابه أن الهوية هو الطريقة التي يعرف بها الأفراد ذاتهم استنادا على العرق، الاثنية (القبيلة) الدين، اللغة، واخيرا هو الثقافة.
من منطلق هذا للاجراء الدراسة محورية مفصلة عن الهوية الاساسية لقبائل السودان الجنوبي الذي يصل عددهم الـ ٦٤ قبيلة على حسب الدراسات فإن جنوب السودان به ٦٤ هوية اعتمادا على لغات التي تتحدث به هذه القبائل، أما الدين فقد تنوعت بين المسيحية والإسلامية والمعتقدات الإفريقية، وبتالي فان جنوب السودان أمة كبير تجمعها موقع جغرافي محدد في إطار منظومة سياسية معين تحت مسمى دولة السودان الجنوبي (جمهورية جنوب السودان). لكن الإنحراف الحقيقي عن المسار وتغييّر شكل الصراع في السودان كلها ولا سيما في الجنوب كانت بداياته عندما فشل السودانيون في ايجاد تعريف معين لهوية السودان والاجابة على الاسئلة من نحن؟ وماذا نريد؟ فالصراع بين العروبة والأسلمة على حساب افريقانية المسيحية والوثنية على حسب اعتقاد الجزء الجنوبي من السودان غيرت تاريخ السودان جذريا وحولها الى منطقة الصراعات، وسيطرة مجموعة معين تحت مسمى العرب المسلمة على المركز، ويرى العديد من الجنوبيين أن فكرة تقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم من نخب السياسية على حسب مصالحهم واحد من الأزمات التى عمقت قضية الهوية وهي في الأصل لا ضرورة لها وقسمت إلى إقليم بحر الغزال وأعالي النيل والاستوائية، حتى تسهل السيطرة على هذه الأقاليم، وتعيد العقبة التاريخية من الهيمنة الشماليين عقب عشية اعلان استقلال السودان مستقلا قلة تعليم الجنوبيين السودانيين، لذا كان الجنوبي ينظرون لشمالي على أنه مستعمر الجديد بينما ينظر الشمالي الى الجنوبي على أنه شخص ضعيف معرفيا وثقافيا فلابد من ضمه للإسلام وتعليمه اللغة العربية.
إشكاليات الهوية وفقدان الثقة :
(1)
قبل إنفصال الجنوب تلخصت قضية جنوب السودان في مشكلة الهوية، (العروبة، والأسلمة، ضد التيار الافرو والمتدينة بالمسيحية والمعتقدات الافريقية الاخرى) وتعقد الأمر أكثر مع ظهور مشروع العروبة وأسلمة الدولة بين الشماليين والجنوبيين، هذا أدت إلى نشوب حروبات أهلية طويلة، انتهت بتوقيع اتفاقيات (أديس أبابا، خرطوم لسلام، فشودة لسلام وأخيرا اتفاقية السلام الشامل٢٠٠٥، كل هذه الاتفاقيات لم تعالج القضية الاساسية بصورة جذرية وهي (هوية السودان الحقيقية) السودانين الشماليين بمشروعهم الإسلامي وجنوبين السودان بمشروعهم العلماني تحت غطاء المسيحية ومع تطبيق الشرعية الإسلامية في المركز لم يستنى غير المسلمين من الشريعة، أدت إلى تفاقم الأزمة، هنا لم يكن هناك رؤية واضح لحل مشكلة السودان، أما بالنسبة لجنوب السودان فلم يكن ما يوحدهم خلاف قضية جنوب السودان الذي هو نقطة تلاقي جنوبيين من الفئة المثقفة والسياسين سواء كان لتحقيق مصالحهم الشخصية منذ اعلان استقلال السودان عام ١٩٥٦ أو تحرير الجنوب رغم فشلهم في تحديد هوية السودان الجنوبي، مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تم استيعاب واندماج مجموعات من الجنوبيين الى الثقافة العربية خاصتا في المناطق التي تقع في الجزء الشمالي لقبائل جنوب السودان وشمل هذا الجنوبيين الذين هاجروا الى الشمال بسبب الحرب، او ايام المهدية وتجارة الرق، اما تاريخيا فقد شملت ايضا ذلك المجموعات التي كانت مهاجرة واختلطت مع العرب المهاجرة في وسط بالاضاف الى مجموعات هوسا والفولاني الذي استقرت في السودان عندما تكون عائدة من الحج.
لم يتغير المعطيات القديمة رغم الاستقلال فنفس أمراض السودان القديم إنتقل إلى دولة السودان الجنوبي بمسمى أخر وهي (من التهميش الى تهميش اخر)، نتيجة لفقدان الثقة وعدم معرفة والحقيقة التاريخية هنا تكمن في تحول تاريخ السودان القديم بشأن قضية الهوية الذي يربطها العديد من الكتاب والمؤرخين بتسلم إبراهيم عبود زمام الحكم في السودان وسعيه الى تحويل هوية السودان إلى الهوية العربية (أسلام ديانة) وهذا في ظل وجود مفارقات كبيرة بين القبائل الذي يضمها الدولة السودانية خاصتا في جنوبه الذي يضم سكان أفارقة ليس لهم علاقة بالأصول العربية يعبدون الوثنية ويؤمن غالبيتهم بالمسيحية). وهي نفس المحاولات التي كانت تحاول حكومة الإنقاذ بتغيير المفهوم ووصفهم لجنوبين بـ(النصرانية، أعداء الله، كفار) مع ظهور المشروع الإسلامي والذي كان هدفها استيعاب الإنسان الجنوبي دينيا وثقافيا على أساس الثقافة العربية والإسلام دين، نجحت بعض هذه المحاولات في العديد من المناطق في جنوب رغم المقاومة وتم فرضها بالقوة ونجحت تنفيذ مشروع مسجد لكل قرية في أجزاء واسع في جنوب السودان من قبل حكومات المركز في الخرطوم، كل هذا العوامل غيرت مستقبل وتاريخ السودان القديم وأدت إلى انشطارها إلى جزئيين بنفس المرض وهي مشكلة الـ(هوية) مع إختلاف المسمى في الدولة الوليدة، وهي أزمة تتعلق بغياب الحلول نسبة لعقيدة السياسية العسكرية بلون القبيلة (السودان الجنوبي)، وما اختلاف الشخصيات القيادية والتمركز تحت مظلة القبيلة، يصف الواثق كمير الصراع الجديد في جنوب السودان ان جذورها يعود لعام ١٩٩١، اي صراع الدكاترة بإستثناء الجنرال غردون كوانق الذي كان مع مجموعة ناصر والدكاترة هم الدكتور جون قرنق من قبيلة الدينكا، الدكتور لام أكول من قبيلة الشلك، الدكتور رياك رياك من قبيلة نوير)، هذا ربما أقرب إلى الحقيقة بتحليل نوعي منطقي ولكن الواقعة الأساسي في جنوب السودان هو مشكلة المثقف والسلطة بالاضافه إلى الغالبية الغير متعلم (الامية) والإنتماء القبلي الذي يتمتع به هولاء القيادات (قيادات أبناء السلاطين) وهي قصة متعارف عليه في المجتمع الجنوبي.
(2)
غياب هوية متفق عليه في جمهورية السودان الجنوبي شكلت عقبة كبيرة امام بناء الأمة فكل مجموعة او قبيلة، لها لغة وثقافة خاصة به مع تقارب بين بعض القبائل في اللغة او الثقافة، مثل مجموعة الناطقة باللغة باري في الاستوائية ومجموعة فراتيت، في بحر الغزال، مجموعة لوه في بحر الغزال وأعالي النيل والاستوائية، حيث أصبحت كل مجموعة اي قبيلة تريد فرض نفوسها على حساب الأخر، في وقت الذي يتميز به السودان الجنوبي بوجود مجموعات قبلية متجانسة متداخلة لها علاقات تاريخية أزلية وهذا يعود الى تاريخ المشترك بين هذه القبائل فمجموعة لوه على حسب المؤرخون كانت مجموعة واحد تفرعت مع مرور الزمن والتطور الذي شهدها كل مجموعة وتمركزها في منطقة جغرافية معين، ومع ظهور الانظمة الاستعمارية (الاستعمار الانكليزي) غابت مشروع الحقيقي لتوحيد هوية أبناء جنوب السودان وعملت الانجليزي على سياسة فرق تسد من أجل مصالحها حيث أثرت سياسية غياب الرؤية للابناء الجنوب على مستقبل الجزء الجنوبي من السودان، فكل المجهودات التي قام بها الحاكم الإنكليزي من تشجيع تعليم اللغات المحلية في مدارس الابتدائية وجعل اللغة الإنجليزية لغة رسمية في مؤسسات الدولة وقتها والعمل على الإدارة الاهلية للحفاظ على الثقافات المحلية، لم تفلح رغم انعقاد مؤتمر اللغة عام ١٩٢٨م في رجاف. السؤال المحوري هل لايزال هناك فرصة من أجل إعادة تلك الأفكار الذي يهدف الى هوية موحد، الحقيقة اذا كان ان الهوية السودان الجنوبي في وجود أكثر من الـ ٦٤ قبيلة هذا يعني ان المسؤولية تقع على عاتق المثقف الجنوبي خاصتا مروجي الأفكار ومن يزيفون التاريخ واقصد بهم (السياسين)، أما الشعب المقهور في السودان الجنوبي فالفكرة ستجد القبول لإتاحة الفرصة من اجل اعادة الأفكار وصياغتها لبناء دولة السودان (السودان الجنوبي) بهوية سودانية افريقية. وحتى لا نلقي اللوم على الآباء الاوليين فقد كان السودان قبل تأسيسها مقسمة الى ممالك بتاريخها القديم ممالك بلاد الكوش مملكة النوبة، مملكة فشودة ومملكة أزوري (زاندي) في جنوب السودان، وهم من أوائل الممالك التي كانت تشكل السودان القديم لكنها كانت بهوية افريقية موحد تقبل بكل ثقافاتها وأديانها وقبائلها ككيان. حيث الثقافة هي إفريقية مقارنتا مع السكان الذين كانو في شمال السودان فقد كانت لغتهم هي العربية ولهجاتهم العربية والإسلام هي الديانة، وهذا ربما يكون هو المحور الأساسي للاختلاف في تعريف الهوية الحقيقية للسودان حتى ان يتم اعلان دولة تضم سودانيين كهوية الأساسية على أساس السودنه بدلا من دولة تضم جنوبيين وشماليين. بعد كل هذا كان نظرة كل مجموعة للاخر هي سالبة جنوبي المتخلف والشمالي المستعمر أدت الى انفصال الجنوب عن الشمال وتعقد الامر اكثر مع جنوبين بعد طرد من كان يعتقدون أنه المستعمر لتشتعل فتيلة الزعامة على حسابة الهوية، وجاءت مرحلة فقدان الثقة بين القبائل وتفتيت النسيج الاجتماعي وهي نتائج عن وجود دوافع اجتماعية وثقافية ونفسية شديدة التباين بين الأطراف المشتركة في عملية الاتصال لتكوين وجدان مشترك بينهم هذا ظهرت في شكل جذور كراهية وحقد نتج صراع إجتماعي ثقافي قبلي قبل ان يكون صراع سياسي الابعاد، لتنقطع مراحل الاتصال التي فرضتها ظروف الحياة الاجتماعية في أكثر من نصف قرن من الزمان.
تعريب اللغة والثقافة :-
(1)
تعدد الثقافات واللغات في السودان الجنوبي يشكل الهوية الاساسية، فكل قبيلة من القبائل الموجود يظهر بثقافته، حيث يتشارك معظم القبائل في الثقافة، الا الجذور التاريخية لمشكلة السودان ودخول المستعمر والسياسات الفاشلة تجاه الجنوب غيرت مجريات الاتصال بين القبائل، ولتجاوز كل هذا العقبات وتحديد الهوية الحقيقية لهذه الثقافات كان لابد من تجاوز عقبات التاريخية للسودان القديم المرتبطة بالثورات والتي بدأت في جنوب السودان منذ ثورة التوريت وحتى حرب ديسمبر ٢٠١٣ بعد الإنفصال، وأقصد هنا أن يتم عبور قطار النسيان ومفهوم القبلية الى مفهوم (اللا قبلية) وهذا ما يحتاج الى وجود مؤسسية واضح في التعامل مع تحديد الهوية وعمل على المساواة بين كل القبائل في جنوب السودان سواء، ربما نظريا يمكن حدوثها ولكن هنالك العديد من المعوقات يجب تجاوزها، فمشكلة قبائل الجنوبية لها ابعاد تاريخية بدءاً من صراع اللغة بين العربية والانجليزية، حيث دخل العرب الشمالي بقوة في سياسة الجنوب بعد استقلال السودان عام ١٩٥٦م في محاولة لتدريس اللغة العربية وجعل السودان دولة عربية، وقبله فرض الحكم البريطاني اللغة الانجليزية في الجنوب وفشل محاولات تدريس اللغات المحلية في المدارس الابتدائية والمتوسط في المدن مثل واو، ملكال، وجوبا، حيث بدأت مرحلة يمكن أن يعرف بمرحلة القهر المسيئ لمواطن الجنوبي، حيث الحرب في الغابة والتعريب من الداخل (الاسلام، المسيحية، العروبة، واللغة العربية والانجليزية) على حساب الافريقيانية تلك القبائل، لم تجد القبائل في جنوب السودان خيارت متاح امامها للمقاومة حيث استغل الضيف القادم من بعيد بساطة المضيف في ارضه وانتهك حرص المجتمع وسعي لخلخلة تماسكه الاجتماعي وتم تجريد معظم القبائل من مقوماتها الأساسية وإفراغ النظام الاجتماعي التقليدي الراسخ لقرون من محتواها حيث جرت عمليات الاسترقاق والقتل وتعريب النسل، كل هذا ضعف فرص الاتصال بين القبائل الجنوبية أجتماعيا وثقافيا حيث الكراهية والحقد حتى اليوم.
(2)
القبول في إطار النسيان هو دور المثقف الجنوبي لنشر مفهوم الهوية والتحول من القبلية الى اللا قبلية ربما يكون هذا من منطلقة الفلسفة وليس منطقيا لان ليس هناك منطق للنسيان الانتماء للقبيلة لكن هناك المنطقة لنسيان ممارسة العنصرية (القبلي). فاللغة شكلت واحد من التحديات المرحلة في جنوب السودان حيث وجود العديد من اللغات على حسب القبائل في غياب القبول ورؤية واضح من المثقفين والسياسين في إطار العام، بالإضافة الى المعضلة الحقيقية على حساب اللغات المحلية هي اللغة العربية والانجليزية اللذان يمثلان لغات الخطابة في الحياة الاجتماعية مع احتكار اللغة العربية مساحة واسع، ورغم ذلك فإن الصراع الناجم بين من اطلقوا على انفسهم بالجنوبيين والأخرى بالجلابة أي بصورة اوسع الناطقين باللغة الانجليزية والاخرى بالعربية شكلت تحدي كبير في عملية بناء النسيج الاجتماعي، يمكن أن تحدد هوية الجامع، فقد شكلت الصراع الجديد والخفي طابعاً كبير وهي العودة الى الجذور (القبيلة) عندما يفشل المجموعتين في التوصل الى تفاهمات، وقد أطلق على الجنوبين الذي عادوا من دول الجوار او المُخيمات بالـ(العائدين، Returnes اما الجنوبين الذي كانوا في الخرطوم (بالجلابة)، انصدمت المجموعتين في الحياة الاجتماعية والسياسية وفشلت في التوصل الى تفاهمات بشأن من هم وماذا يريدون؟.
في أول إحصاء تم في السودان عام ١٩٥٦م كانت نتائج اللغة هو أن ٣٨.٨ قالوا إنهم العرب و (٥١,٤) قالوا إنهم يتحدثون اللغة العربية كلغة تخاطب، فكل التغييرات التي حدث من اضعاف تدريس أصول اللغة الانجليزية وتغيير المناهج وتدريس اللغة العربية لأبناء جنوب السودان وهي سياسة طبقت من أجل انتشار الإسلام وتدريس اللغة العربية حيث استخدمت قساوسة لهم العلم باللغة العربية لتبشير في الجنوب، انتهت هذه المحاولات السياسة البريطانية الخاص بتدريس اللغات المحلية في المدارس في جنوب السودان، الذي حددها مؤتمر اللغة في رجاف حدد فيه ستة لغات محلية كاللغات قابلة لتطوير وهي لغة (الدينكا، النوير، الشلك، الباري، اللاتوكا، الزاندي) على أن يتم تضمين هذه اللغات في الكتب الدراسية في الابتدائية، إلا أن نجاح المشروع الإسلامي عبر حكوماتها استطاعت تغيير هوية جنوب السودان الى العربية بالفعل المقصود اعلاميا واصبحت اللغة العربية السائد في أجزاء واسع في جنوب السودان أي لغة تخاطب، في جنوب هناك تداخل اللغوي التي تشكل نقطة التحول الكبيرة حيث تجد مجموعة يتحدث بلغة قبيلة اخر، بالاضافة التمازج الثقافي بين تلك القبائل إلا أن فشل السياسيين اي مروجي الأفكار في وضع أسس ومعايير قادرة للخروج من اشكالية الثقافة واللغة، وضعت بعض اللغات المحلية في محدد بتلاشي على حساب اللغة العربية، الذي فرضها كل من المستعمر الجديد (العرب) او (سياسة الجلابة) على حسب وصف الجنوبين السودانين.
(3)
مشروع الاسلمة والعروبة الذي طبقها الحكومات التي تعاقب على الحكم في السودان وفرض الإسلام بالقوة على مواطني جنوب السودان ومشروع المسجد لكل قرية، تدريس الدين الإسلامي في مدارس الحكومية ومنع تدريس الدين المسيحي في المدارس الحكومية وإجبار الطلاب على حضور حصص الدين الإسلامي، جعل المواطن في مواجهة التحدي الجديد وأجبر العديد منهم بتغيير دينه ان كان مسيحيا او اعتناق الاسلام ان كان يعبد المعتقدات الأفريقية، لكن الواقع الأساسي لقبائل الذي نزحت من وسط افريقيا هم قبائل افريقية تعبد الوثنية واعتنقت المسيحية مع دخول المسيحية، حيث معظم سكان جنوب السودان يؤمنون بالمسيحية بالإضافة الى المعتقدات الإفريقية والدين الاسلامي، فكل هذا لم تغيير شي في تركيبة جنوب السودان هناك مسجد وكنيسة وهناك (الكجور وهي من المعتقدات الافريقية الوثنية)، وجود هذا التنوع من المعتقدات لم تكن عائق او تحدي في كيفية فهم وتفسيرها لمعرفة الهوية الحقيقية لجنوب السودان حيث يعيش في الاسرة الواحد المسيحي والمسلم والمتدين بمعتقدات الافريقية (نيكانق، ونقوندينق، ودينقديد وغيرها)، ويشكل الاختلاف في المواقف السياسية أزمة كبيرة في تحديد الهوية نتيجة لتعزيزات القبلية، والمشكلة الأكبر هنا هو التفكير التصوري على نقد الذات والموضوعية الحقيقية والـ لا هوية مقابل ذلك خلقت صراع بين الذات والذات في الانسان الجنوبي المثقف، وهذا ساعد في توسيع دائرة مفاهيم الاساسية عن العرق والاثنية (القبلية) وتمسك الأغلبية بعد نيل الاستقلال عن الشمال بقبائلم، كمرجعية لحصول على السلطة او السيادة في الدولة، واعلنت مجموعات ولاءها لقبيلة بدلا من القومية حيث الحديث عن القومية المزيفة، وبداءت التمييز العنصري وهذا ما يحتاج لدراسة حال السياسة والقبيلة في جنوب السودان وارتباط التاريخي لها.
(4)
تاثرت السودان الجنوبي بكل ما هو وافد من الثقافات الغربية والافريقية وهي أمر يصعب تحديده وجعل النظر ضيق لثقافات العالم من الثقافات التي استقبلها السودان الجنوبي من الازياء والبشر والجريمة والمعتقدات او التقنية الحديثة العولمة، عبر حدودها الاقليمية ربما لا يتفق البعض ان الهوية في جنوب السودان منهار على حساب الوافد الجديد وغياب الرؤية النقدية الثاقبة، حيث الاصطدام بين الثقافات (الوافدين من شرق أفريقيا، السكان في الداخل) فكل مجموعة تريد فرض سيطرتها على الاقلية بسبب الثقافة او حجم القبيلة. فالواقع الحقيقي لحال جمهورية جنوب السودان (السودان الجنوبي) هو فشل القادة والمثقفين في تحديد الهوية منذ أول تمرد مرورا بكل الاتفاقيات التي حلت بالسلام ولم يعالج المشكلة الحقيقية لجنوب السودان والذي تنحصر دوما على تقاسم السلطة والثروة و ظهرت نتائجها بعد الانفصال وإعلان دولة مستقلة، حيث لم تجيب القادة السياسيين والمثقفين على سؤال من نحن؟ وماذا نريد؟ ولكن ربما تحقق جزء معين من السؤال الأخير بتحقيق الانفصال لكنها إنتهت في غياب الرؤية الحقيقية عن قضية الهوية نتيجة الأفق الضيق للمثقف الجنوبي.
المراجع:-
السودان ـ السلطة والتراث ـ الجزء الرابعة / الدكتور أحمد إبراهيم أبوشوك
هيلدا جونسون – بسط السلام في السودان
جنوب السودان مراحل انهيار الثقة بينه وبين الشمال ـ محمود فلندر
مخاطر بناء الامة – جون قاي يوه – ترجمة محمد على جادين الطبعة الاولى ٢٠١٦
ملامح من الثقافة السودانية / الدكتور محمد كباشي عبدالله ٢٠٠٩
الزلزال – العقل السوداني – ذاكرة مثقوبة وتفكير مضطرب – فايز الشيخ السليك- ٢٠١٢
فرانسيس دينق ـ السودان وصراع الهوية.
لام أكول – الثورة الشعبية
Class and Power in Sudan: The Dynamics of Sudanese politics 1898 -1985
جون قرنق رؤية الحركة الشعبية – الواثق كمير
سليمان ٢٠٠٠ ١٦٦
مرجع شعرواي ٢٠٠٤ ٢٧٨