سلام جنوب السودان ومسئولية التنفيذ

بقلم: أتيم سايمون *

وقعت الاطراف المتصارعة في جنوب السودان على اتفاق السلام المنشط في سبتمبر 2018، بعد ان فشلت التسوية الاولى في الصمود امام التحديات الرئيسية التي واجهتها منذ البداية. فانهارت في اقل من خمسة اشهر ، نسبة لغياب رغبة التنفيذ لدى الطرف الحكومي ومطالبة المعارضة المسلحة بقيادة مشار بتوفير المزيد من الضمانات الامنية و العسكرية. ولاتزال المخاوف من انزلاق الاوضاع للمربع الاول قائمة حتى الآن بسبب تراخى الجهات الضامنة للاتفاقية على السمتوى الاقليمي ممثلة في دول الايغاد و البلدان المحيطة بجنوب السودان ، وهنا تتجدد الاسئلة باستمرار حول مدى جدية المجتمع الدولي لمنع وقوع احداث عنف جديدة في الدولة الفتية .(JUSTIN LYNCH, 2020) عليه فان هناك تحديات كبيرة تتعلق بعدم توافر الارادة السياسية بين الاطراف الرئيسية لاتفاق السلام ممثلة في الحكومة بقيادة الرئيس سلفاكير و المعارضة المسلحة بقيادة ريك مشار .

         قام الافتراض الرئيسي لوسطاء الايغاد ، على ان السودان هو الدولة الاكثر الماما بطبيعة الصراع و المشكلات التي يعيشها جنوب السودان. باعتبار انها كانت جزء منه ، بحيث تناست ايضا بان السودان بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير يعتبر طرفا من اطراف الصراع لتقاطعات في الاجندة السياسية و الامنية بينه وجنوب السودان ، بجانب للهواجس و الاتهامات التي ظل يسوقها ضد جوبا بالتورط في دعم وايواء متمردي الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز ادم الحلو والحركات الدارفورية المسلحة ، كما تتهم جوبا الخرطوم ايضا بدعم مشار وبقية الجماعات التي كانت تحارب ضدها ، وقد كانت تاثيرات الخرطوم واضحة في وثيقة الاتفاق الأخير خاصة في اتفاق الترتيبات الامنية و التي تضمنت تأمين مصالحها النفطية ، كما عمدت بمساندة من الرئيس اليوغندي يوري موسفيني على تشخيص الصراع في اساسه كنزاع بين الجماعات القبلية التي تتشكل منها مجموعات المعارضة من جهة و الحكومة من جهة أخرى، لذلك حرصت على تمثيل كافة الاطراف الموقعة في معادلة قسمة السلطة باعتبار انها تمثل مجتمعاتها وليست ككيانات ومنظومات سياسية مستقلة حتى وان طغت عليها هيمنة مجموعات بعينها  (Mamdani, 2018).

     ان إقتصار طموحات غالبية النخب السياسية و العسكرية على تقلد المناصب. على انها واحدة من المكاسب الرئيسية التي تقود اليها التسوية كثمن مقابل لما قامت به من ادوار معارضة ضد النظام الحاكم ، تاتي دائما خصما على التوقعات  المرجوة من اي تسوية يرى المواطن البسيط خلالها احلامه في العيش الكريم و احترام حقوقه الاساسية وفي الحياة الآمنة و المستقرة ، وهنا تتراجع بشكل كبير شعارات الاصلاح التي طالما رفعتها تلك الجماعات على حساب المصالح الذاتية ، وتلك من الوصمات التاريخية التي تميزت بها تلك النخب طوال تاريخها السياسي ، انه ارث اتفاقية اديس ابابا 1972 اذ يرى  ينظر بعض  المتعلمين و السياسيين البسطاء الى ان  حمل السلاح و الذهاب الى الغابة هو الغاية و مدخل العبور نحو حياة الرفاهية بشكل سريع لتصبح الممارسة السياسية واحدة من شروط الانتقال الاقتصادي السريع في معادلة السوق السياسي ، لذا يتم التعامل مع اي تسوية جديدة وفقا لمعايير الربح و الخسارة.  (Marsden, 2018)

     على المستوى النظري فان اتفاقية السلام قد نصت في جوهرها على ان الاطراف الخمسة الموقعة هي التي ينبغى عليها تولى مهام تنزيل بنودها على ارض الواقع ، لكن عمليا هناك صعوبة كبيرة ، خاصة بعد ان نجحت الحكومة في التوصل لتفاهمات داخلية مع تحالف احزاب المعارضة ، مجموعة المعتقلين السابقين ، الاحزاب السياسية الاخرى ، ترمي من خلالها الى محاصرة فصيل المعارضة الرئيسي الذي يتولاه ريك مشار بجانب المجموعة التي يقودها لام اكول داخل التحالف ، واقصاءهما في الممارسة العملية المتعلقة بتنفيذ بنود الاتفاق بالصورة المطلوبة و المنصوص عليها. مقابل حصولها على المناصب و المقاعد  و الامتيازات التي ترغب فيها ، ولم تكتف الحكومة بتلك الخطوات فقط ، ولكنها سعت للعبث حتى بشريكها الرئيسي من خلال شراء مواقف القيادات التي لم تجد حظها او لم تتحقق تطلعاتها في الحصول على الوظائف التي كانوا يطمحون فيها ، ومالعبة الانسلاخات الاخيرة التي حدثت داخل المعارضة الا دليل على ان الحكومة قررت ان تتعامل مع اتفاقية السلام برمتها كنوع من التكتيك و المناورة ، خاصة في ظل غياب البشير الضامن الرئيسي للاتفاق وانشغال السودان بتطورات الاوضاع الداخلية بعد الثورة التي اطاحت بنظام حكمه ، وقد قلل ذلك من فرص صمود الاتفاق لان الاهتمام الكبير اصبح مرتكز على كيفية تنفيذ صفقة التفاهمات و الاقصاءات اكثر من السعي للتطبيق المخلص لبنود التسوية .

تشير العديد من التقارير الاعلامية الى ان احجام المجتمع الدولى عن تمويل تنفيذ بنود الاتفاق ، على خلفية انهيار اتفاق السلام الموقع في اغسطس 2015 ، وبسبب تنامي الفساد وغياب الارادة السياسية ، و افتقار قيادات الطرفين في الحكومة و المعارضة للقدرات التي نؤهلهما للعمل سويا من اجل وقف الحرب و الاقتتال ، فان الضغوط التي قد يمارسها المجتمع الدولي عبر الاستمرار في التصعيد الدبلوماسي وفرض العقوبات الدولية لن تجدي نفعا ، وقد تؤدي الي مقاومة الحكومة و المعارضة المسلحة  لأي محاولة من قبل المجتمع الدولي لتفعيل بند المحاسبة عبر تشكيل المحكمة الهجين للمحاسبة على جرائم الحرب و الانتهاكات التي وقعت خلال الثماني سنوات الماضية ، ان لم تنته الى تحالف مرحلي بين كير ومشار للوقوف في وجه اى تحرك دولي لتطبيق بنود المساءلة و المحاسبة. طالما انهما يطمحان في خوض الانتخابات التي تبدأ نتائجها في الظهور مبكرا خلال عمر الفترة الانتقالية الحالية. (Tchie، 2019)

 ان اي تسوية سياسية تهدف لتحقيق السلام واعادة الاستقرار ، لاتنال ثقة المواطن العادى الذي يعتبر صاحب المصلحة الرئيس في تنفيذ بنودها ، لايعول عليها لانها ستكون معلقة وبعيدة عن ملامسة قضاياه ، وحاليا نجد ان هناك حالة من الياس وغياب الثقة لدى المواطن في ان تعود عليه اتفاقية السلام بالخير الوفير طالما ان الاطراف لاتزال تعمل على تعبئة الشارع لمناصرة مواقفها من تفسير بنود الاتفاق نفسه ، ويعكس الاحجام الكبير في القواعد الشعبية عن متابعة سير الاوضاع بالبلاد بعد تكوين الحكومة الانتقالية حجم الخلل الكبير الذي يعترى تنفيذ الاتفاقية التي يتوقعون لها الانهيار تحت اي لحظة ، ويفسر الناس تسابق الاطراف على الوزارات الاقتصادية المنتجة وصراعهم المحموم عليها ان ثمة شئ يمور تحت الرماد .(International، 2019)

  ايضا و في ظل انشغال العالم بتطورات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) و التي لايعلم احد متى سيتمكن العالم من كبحها ، سيواجه اتفاق السلام في جنوب السودان مشكلة في غياب آليات المراقبة الاقليمية حتى ، مثلما ان ضعف المجتمع المدني في جنوب السودان سيساهم في غياب المسئولية المنتظرة منه في الضغط على الاطراف لتنفيذ بنود الاتفاق ، لذلك يتوقع المراقبين ان يستمر التباطوء في عملية التنفيذ وشراء الوقت خاصة من الطرف الحكومي الذي سبق له وان رفض التوقيع على اتفاق سلام بتكاليف اقل في العام 2015 ، اذ لايتوقع الكثيرين ان يلتزم بتنفيذ هذا الاتفاق باهظ التكلفة و التبعات ، لذلك فان ترك المسئولية للحكومة و المعارضة وحدهما سيتنهي بتاكيد تام الي مواجهة سياسية قد تنتهي باعلان انهيار الحكومة او انسحاب بعض اطرافها منها لتواجه مصيرا شبيه بما واجهه الاتفاق السابق .

*كاتب وصحفي من جنوب السودان


 الهوامش:

International, R. (2019). A WAY FORWARD FOR LASTING PEACE IN SOUTH SUDAN. refugeesinternational.

JUSTIN LYNCH, R. G. (2020). Diplomats Fear a Collapse of South Sudan’s Latest Peace Deal. WASHINTON: foreignpolicy.

Mamdani, M. (2018). The Trouble With South Sudan’s New Peace Deal. newyork: The New York Times.

Marsden, R. (2018). Will South Sudan’s New Peace Deal Stick? chatim house.

Revitalised Agreement on the Rresolution of the conflict in the Republic of south sudan (R-ARCSS). (2018).

Tchie, A. E. (2019). Why South Sudan’s attempts at peace continue to fail. theconversation.

.

Translate »