توت قلواك..المستشار الزئبقي
بقلم: شوكير ياد
انتشرت في الآونة الاخيرة بعض التسريبات ، في المجالس العامة في جوبا ، وبعض الدوائرالمقربة من دائرة صنع القرارعن ان هناك اتجاها لاعفاء مستشاررئيس الجمهورية للشئون الامنية من منصبه، كرئيس لـ اللجنة العليا للترتيبات ما قبل الفترة الانتقالية، خاصة بعد ان اصبح مثار امتعاض للكثير من القيادات السياسية في الدولة. ولكن مرت الايام دون ان يحدث شيء من هذا القبيل؛ خاصة وان الجميع يعلم مدى النفوذ الذي يتمتع به الرجل وقربه من دوائرصنع القرار السياسي في البلاد، الامر الذي يجعله بعيدا عن دائرة الاقالة على الاقل في الوقت الراهن..
بيد ان ذات التسريبات ظهرت الى العلن مؤخرا، ولكن بشكل رسمي هذه المرة، وذلك خلال حديث رئيس الجمهورية في فاتحة اعمال الدورة الثانية للهيئة التشريعية ، حيث أشار رئيس الجمهورية خلال حديثه، الى أن الحكومة ستقوم بمراجعة عمل لجنة ماقبل الفترة الانتقالية، والتي يترأسها السيد توت قلواك. الامر الذي فتح باب التكهنات مرة اخرى حول مسألة اقالة توت قلواك من منصبه. على الرغم من عدم اشارة الرئيس للامر بشكل صريح ومباشر..
وقد يظل أمر اقالة السيد توت قلواك طي التكهنات حتى هذه اللحظة، ولكن في نفس الوقت تدور بعض التساؤلات الحائرة حول توقيت ودلالات هذه التسريبات، والى مدى يمكن ان تصيب كبد الحقيقة.
ولماذا كان قرار تعيينه من الاساس كرئيس للجنة ماقبل الفترة الانتقالية..؟
وهل كان للامرعلاقة بالاعتبارات التي تتعلق بعلاقة الرجل الاجتماعية والخاصة بالرئيس البشير ، والذي كان الراعي الاول لاتفاقية السلام المنشطة..؟ ام أن تعيينه جاء لاعتبارات إثنية بحتة..؟
ولكن على الرغم من هذه التساؤلات الحائرة، الا انه يمكن القول بأن الرجل قد بات مستهدفا في الآونة الاخيرة من قبل جهات عديدة في الدولة ؛ ربما بسبب الملفات الهامة والتي اسندت اليه، وحجم الادوار التي قام بها في الآونة الاخيرة والتي سلطت عليه الاضواء بشكل لافت ومثير..
فقد تعالت بعض الاصوات التي تنادي باقالة توت قلواك من رئاسة فترة ما قبل الانتقالية عقب سقوط نظام البشير، وذلك بحجة ان مهمته قد انتهت بزوال نظام البشير ، وانه لا يصلح لهذا المنصب الهام والحساس، بسبب تواضع قدراته وامكاناته الفكرية. وهناك فئة اخرى ترى بأنه تجاوز حدود الصلاحيات الممنوحة له، وإصراره على لعب ادوار تقع في دائرة اختصاص مؤسسات حكومية اخرى، وهو ما اثار حفيظة المسؤولين في تلك المؤسسات الحكومية..
وايا ما كان حقيقة اقالة المستشار توت قلوات من رئاسة لجنة ما قبل الفترة الانتقالية، الا انه يظل رجل كير القوي في الوقت الحالي؛ وذلك لطبيعة الادوار الهامة التي ظل يقوم بها منذ ما بعد أحداث 2013 الكارثية والى يومنا هذا. ويمكن الحديث بأن تلك الادوار كان لها بالغ الأثر في تشكيل الواقع السياسي الذي تمر به جنوب السودان. فهو يستحق ان يطلق عليه لقب المستشار الزئبقي بكل جدارة ، لطبيعة الادوار المختلفة والمتعددة التي تتراوح ما بين المساعي الحميدة لحلحلة النزاعات والمشكلات العشائرية، الاستقطاب السياسي لبعض القيادات في المعارضة ، تشبيك العلاقات ما بين حكومة البشير في المسائل الاقتصادية والسياسية والامنية ، الآن المجلس العسكري، قيادة وفد الحكومة في قمة الاتحاد الافريقي الطارئة في مصر حول الاوضاع السياسية في السودان. الى جانب رئاسة الفترة ما قبل الانتقالية والتي اتاحت له فرصة الاحتكاك الخارجي مع مسؤولين كبار في منظومة الايغاد وغيرهم من الفاعلين الاقليميين والدوليين. ويقال في مجالس المدينة ، بأنه دائما ما توكل اليه المهام التي تستعصى الحل على الجميع.. ما يعني بأنه رجل المهام الصعبة. وقد تلمست هذا النفوذ الطاغي للرجل خلال زيارتيه الاخيرتين لمصر، فقد احاط الرجل نفسه بهالة من الشخصيات الدستورية وغير الدستورية، الذين يأتمرون لأوامره ، والذين يهرولون سعيا لخدمته ، ومن المفارقات اللافتة ان كل الاضواء كانت تسلط عليه، في وجود شخصيات كان لها وزنها السياسي في يوم من الايام، امثال ، دينق الور ، فاقان اموم وغيرهم. وللحقيقة فقد بات وكأن الجميع اصبح مسلماً بأنه صار الآمر والناهي في كل صغيرة وكبيرة، واستحضر في هذا السياق حديث نائب وزير الخارجية ، والذي ذكر في احدى زياراته لمقر بعثة جنوب السودان بمصر، بان المشاكل والتحديات التي تواجه سفارة جنوب السودان بمصر سوف ينقلها للمستشار توت قلواك ليقدمها بدوره لرئيس الجمهورية. وهذا بكل تاكيد يبرهن ان الرجل يتمتع بنفوذ كبير في اوساط القيادات السياسية في الدولة .
فقد اضحى الرجل ظاهرة في علم السياسة الحديث ، يجب الوقوف عندها، حتى نستبن الخيط الابيض من الاسود، فكيف له ان يدير كل هذه الامور في آن واحد ، وبهذا النجاح منقطع النظير..؟!1
ولكن بعيدا عن القدرات الخارقة للمستشار الزئبقي ، يقفزالى ذهن القاريء هذا السؤال الجوهري والهام.. عن اسباب الاقالة المحتملة للسيد توت قلواك، هل لها علاقة بفشله في إدارة الفترة ما قبل الانتقالية والتي تم تمديدها الى 6 اشهرأخرى، أم تتعلق بالاستجابة للاصوات النافذة التي طالبت بتغييره، ام يتعلق الأمر بالأساس بالمزايا والامتيازات التي تتعلق بالمنصب نفسه..؟!1
اخيرا نتساءل في خواتيم هذا المقال، هل من الممكن ان يخرج السيد توت قلواك من المشهد السياسي القادم بعد تنفيذ اتفاقية السلام المنشطة..؟ ام سوف يظل الرجل الزئبقي الورقة الرابحة (الجوكر) لكل الازمان والمواقف..؟!1
الايام وحدة كفيلة بالاجابة على هذا السؤال..