جنوب السودان: من انتقالية إلى الانتقالية … قواعد اللعبة الجديدة

واجوما نيوز

 

بقلم: فرانسيس مايكل قوانق

واجوما مرحبا

تدخل جمهورية جنوب السودان في 22 فبراير 2023، في مرحلة انتقالية جديدة “اتفاق خارطة الطريق” وهذا اسم جديد لاتفاقية تسوية النزاع المنشطة التي وقعت عليها الأطراف المتنازعة في 5 سبتمبر 2018 في أديس أبابا.

 

مرت قرابة أربعة أعوام على اتفاقية كانت عمرها الافتراضي 36 شهراً، مع ذلك فإن التحديات لا تزال تلاحق الأطراف في تنفيذ جميع بنود الاتفاقية المكونة من بضعة فصول أهمها فصل الترتيبات الأمنية والعدالة الانتقالية وإن كانت جميع فصول الاتفاقية لها أهمية قصوى في التحول الديمقراطي بالبلاد.

 

في مطلع شهر أغسطس 2022، أعلنت الأطراف على تمديد عمر الاتفاقية بـ 24 شهرا آخر تبدأ يوم 22 فبراير 2923، وتنتهي في 22 فبراير 2025، على أن تسبق نهاية الفترة الانتقالية انتخابات عامة في البلاد في ديسمبر 2024.

قرار تمديد الفترة، بمثابة فرصة “التوبة وطلب الغفران” للأطراف المتنازعة على السلطة في جنوب السودان، لتحقيق رغبة الشعب في السلام والاستقرار، وتاكيد التزام الحكومة بالعهد للمجتمع الإقليمي والدولي “ضامني الاتفاقية”، مع ذلك يطرح العديد من التساؤلات عن جدية الحكومة الانتقالية المنشطة (الحكومة والمعارضة) في تنفيذ جميع بنود الاتفاقية نصا خلال عامين في ظل قضايا التي لا تزال عالقة، وتعرقل العملية السياسية في البلاد.

بند الترتيبات الأمنية:

حتى الآن قامت الحكومة الانتقالية “عبر الآلية الأمنية المشتركة لتنفيذ السلام” بتخريج الدفعة الأولى من القوات “الجيش الموحد” والتي طال انتظارها لثلاث سنوات منذ التوقيع على الاتفاقية، المرحلة الثانية حاليا المنتظر هو تدريب القوات المتبقية في مراكز التجميع وتخريجها ودمجها في غضون الفترة الجديدة وإعلان “جيش قومي” مكون من جميع أطراف الاتفاقية ما عدا المجموعات “غير الموقعة للسلام” والتي في يدها السلاح، لكن المعضلة الحقيقية هنا على الرغم من التزام الأطراف بتخريج القوات “الدفعة الاولى” فإن ليس هناك تأكيدات واضحة عن وجودة “جيش واحد” في البلاد. القوات المُتخرجة لم تتم عملية انتشارها في المدن والمناطق لتأمين ممتلكات المواطنين والدولة نتيجة لأزمة الثقة الغائبة لسنوات عديدة، فقط أجرت الأطراف إعادة تشكيل الهيكل القيادي للأجهزة النظامية كما حدث في عملية تقاسم السلطة في المؤسسات المدنية مع التحفظ في العديد من المؤسسات الأخرى مثل المفوضيات وغيرها.

عليه فإن مرحلة تدريب الدفعة الثانية فيها الغموض حول نجاحها مع عامل الزمن وتراكم القضايا العالقة مقارنة بالفترة المتبقية من الاتفاقية وهذا يعني أن:

أولا: قضية تكوين جيش قومي في جنوب السودان، هي إحدى النقاط المهمة خاصةً أن أراد الأطراف إجراء انتخابات حرة ونزيهة مع نهاية الفترة الانتقالية وعدم العودة إلى مربع الحرب.

ثانيا: يساعد تكوين جيش قومي في عملية نزع السلاح المنتشرة في يد المدنيين، والتي تشكل مهددا أمنيا للاستقرار وسلام دائم.

ثالثا: تكوين جيش قومي، قد تشكل نواة التغيير في البلاد بالرغم من الانتماءات القبلية وولاءات للأفراد بدلا من الدولة، لكن نظريا يمكن أن يخفف من حد التوترات الأمنية في بعض الأحيان التي تفقد الدولة سيادتها.

الحكومات المحلية والاستقرار:

كما ذكرنا فإن غياب “جيش قومي” في البلاد سيكون واحدا من التحديات الفترة الانقالية الجديدة “اتفاق خارطة الطريق”، مما يشكل ثقلا كبيرا على الحكومات المحلية في الولايات والمقاطعات في توفير الأمن للمواطنين. فقد فشلت هذه الحكومات مسبقاً في تأكيد سيطرتها الأمنية وحماية المواطنين، خلال الأحداث القبلية والعشائرية في جونقلي وأعالى النيل والوحدة وإدارية أبيي والبيبور بجانب مناطق أخرى.

على سبيل المثل فقد أعلنت مجموعة شباب “لو نوير” المسلحين سيطرتها على منطقة “قومروك” بعد أن أجبروا قوات الحكومة على الانسحاب، كذلك في مناطق فشودة وأيضا أحداث تونج وأبيي، هذه القضايا فشلت الحكومات المحلية في إظهار سيطرتها الأمنية، وأكدت الفراغ الكبير بين المركز والولايات أمنيا في سيناريوهات القتال القبلي والعشائري التي تزعزع الاستقرار في ولايات البلاد.

المرحلة الانتقالية الجديدة، من ملامحها الأمنية لا يمكنها أن تكون بعيدة عما سبقتها من قبل من التحديات الأمنية والتي تتطلب من الحكومة الانتقالية “جوبا” بذل المزيد من الجهود لتنفيذ جميع بنود الاتفاقية. فقد أكدت تقارير الأمم المتحدة، إن هذا العام شكل زيادة كبيرة في معدلات العنف المحلي في جميع أنحاء البلاد وهذا إنذار مبكر.

الجهاز التشريعي:

إذا افترضنا أن تمت معالجة المشاكل الأمنية “الترتيبات الأمنية” سيكون المهام الأكبر على البرلمان القومي الانتقالي خلال عامين بهدف إجازة مشاريع القوانين التي تقود إلى عملية التحول الديمقراطي عبر صناديق الاقتراح، ومع ذلك فإن عملية صياغة الدستور الدائم لم تبدأ، وقد حددت اللجنة مسبقا وهذا ما أشار إليه أطراف أيضا في أغسطس الماضي أن العملية تحتاج إلى 22 شهراً وبالحساب إذا التزم الأطراف بخارطة الطريق هذا يعني أن سيكون لجنوب السودان دستور دائم “قبل بضعة أيام” فقط من إجراء الانتخابات، وهذا أمر غير منطقي وعملي، ما لم تستعجل الأطراف خطوات صياغة الدستور، ومن وجه النظر في كل العراقيل التي قد تحدث خلال فترة “خارطة الطريق” قد يجد الإجراءات منحنى التنفيذ في حال أن الجماعات المعارضة مطالبها الكبيرة بإجراء العديد من التعديلات الدستورية، تجد المقاومة من الحكومة الانتقالية السابقة (مجموعة سلفاكير).

العدالة الانتقالية

نص الاتفاقية على بند العدالة الانتقالية ومن أبرز المواضيع هي قضية الحقيقة والمصالحة والتعافي، التعويض وإجبار الضرر، محاكمة المتورطين في جرائم انتهاكات حقوق الإنسان هذه القضايا المهمة تشكل واحدا من أهم بنود الاتفاقية مع ذلك ليس هناك تقدما واضحا خاصة جانب المحكمة هجين، والتي تجد رفضا منقطع النظير من قيادات نافذة في الحكومة والمعارضة باعتبارها إن عمليات المحاكمة ستكون له أثر كبير على مستقبلهم السياسي خاصة في الانتخابات المقبل والتي قد تحرم العديد منهم من المشاركة السياسية إذا ما ثبت تورطهم في جرائم ترتقي إلى جرائم الحرب.

تماطل أطراف الاتفاقية في إنشاء محكمة هجين هي ناتج من قناعات شخصية من أجل مصالح العليا للأفراد التي تقود تلك الحركات والأحزاب التي شاركت في الحرب الأهلية وهذا يعني أن نسيان أمر المحكمة في الوقت الحالي مهم جدا مع التركيز على الانتخابات العامة. لكن السؤال المحوري هو حول مدى استعداد تلك الحركات والقيادات لمواجهة القواعد الشعبية في حال بداءت حملاتهم الإنتخابية دون أن تلعب مفوضية الحقيقة والمصالحة والتعافي دورا مهما بين القيادات السياسية والعسكرية لإجراء حوار لتهيئة البيئة الانتخابية مع قواعدهم الشعبية.

الأزمة الاقتصادية وتمويل الاتفاقية:

قضية تمويل الاتفاقية واحد من القضايا المهمة التي يجب معالجتها خلال الفترة الجديدة، حيث أن الحكومة الانتقالية السابقة بقيادة “سلفاكير” والتي تقع على عاتقها المسؤولية الكبيرة لتمويل الاتفاق هي مطالبة بإظهار الجدية، على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية التي تمر به البلاد من عجز الحكومة عن سداد رواتب الخدمة المدنية، لكن يمكن القول إن بقدر استطاع الحكومة تمويل تشييد الطريق من جوبا إلى بحر الغزال أو من جوبا إلى بور، عليه أيضا أن تلتزم بتمويل تنفيذ الاتفاقية، لان أموال المجتمع الدولي لا يمكن ان يكون الضمان الكامل لتنفيذ الاتفاقية في دولة تتمتع بثروات مالية ضخمة.

خلافات الأطراف وقواعد اللعبة:

مع تمديد الفترة الانتقالية في أغسطس العام الماضي، أجلت الأطراف خلافات متراكم إلى إلى ما بعد 22 فبراير 2023، وستعود عجلة الدوران مجددا، لكن هذه المرة بوتير مختلفة وقواعد لعبة ناعمة، اولها هو سباق عامل الزمن، حيث ان خلال أربع سنوات عاشت أطراف اتفاقية تسوية النزاع المنشطة حالة من الدراما والإحباط والتشدد السياسي، والقبلي في بعض الأوقات، في مواجهة تحديات التنفيذ.

ثانيا هي سباق السلطة “الانتخابات” وهذا يشكل عنوان المرحلة الجديدة بين الأطراف، خاصة أن التركيز الأكبر على إجراء انتخابات بدأت ملامحها وهذا ما ذكرنها أن البرلمان القومي سيكون عليه ضغط كبير لإجازة أهم القوانين الانتخابية وأمام الأطراف أيضا القبول بإتاحة الحريات السياسية والمدنية والتي تشتكي منها الحركات المعارضة إنها غير متوفرة وتتعرض قياداتها للمضايقات السياسية والأمنية في العديد من المدن وهذا ردت الحكومة الانتقالية السابق أنها أيضا تعيش نفس الدور في مناطق التي تقع تحت سيطرة الحركات المعارضة.

الخلاصة:

هو أن الفترة الجديدة “خارطة الطريق” شكليا ستشهد تغيير في قواعد اللعبة بين اطراف الاتفاقية سوف تزداد عملية الصغط الدولي والاقليمي على الافراد والحكومة من اجل تنفيذ الاتفاقية، ويمكننا الإشارة إلى أن اهم الادوار المطلوبة من الاطراف هو مراجعة المواقف العصيبة التي تعرقل الاتفاقية، بما أن الدعم والتاييد الدولي والاقليمي لعملية التمديد، محفوف بالحظر تجاههم نسبة “لغياب الإرادة السياسية”، لكن عملية التحولي الديمقراطي في البلاد تقع على عاتقهم في انها فترة انتقالية سلمية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، فما لم تتغيير قواعد اللعبة، والمطالب وتتوفر الإرادة السياسية ومعالجة مشاكل التكتلات القبلية، سوف يمر قطار العامين بسرعة ونقول “عندهَا بَكيتُ” كما مرت أربعة أعوام والحال أعرج.

Translate »