الكتابة والنشر: وسيلة حضارية لإشاعة الثقافة وحفظ ذاكرة الشعوب (٢-٢)

واجوما نيوز

 

بقلم : دينقديت أيوك

واجوما نيوز 

 

ثالثًا- أهمية الكتابة ودورها في المجتمع

الكتابة مهمة لأنها وسيلة رئيسية لحفظ العلوم والمعارف كما في الكتب المدرسية وكتب العلوم بفروعها، والخبرات والتجارب الحياتية، ولذلك نقرأ سير ذاتية لأناس لديهم تجارب في الحياة قاموا بتدوينها، وكتابة الاستنتاجات والآراء (كما في أنواع المقالات) والحكم والأمثال والأقوال والأحداث التاريخية. بالكتابة تتراكم العلوم والمعارف والخبرات عبر الزمن، وبدون كتابة، ستتوقف مسيرة وذاكرة الشعوب، لأن الكتابة أصبحت نبض الإنسانية. لكنها لن تتوقف لارتباطها بوجود الإنسان. وهنا يمكن القول أن الكتابة تمثل الإنسان نفسه (8).

الكتابة وسيلة للتعبير عن مشاعر دفينة للآخرين كمحاولة ومسعى لتقريب المسافات بين المُرْسِلُ والمُرْسَلُ إليه، وللكلمة المكتوبة تأثير هائل ووقع سحري على نفس الإنسانية جمعاء، إذ تتغلغل في أعماق نفس الإنسان وتصنع تأثيراً دائماً فيها.

الكتابة توظف كموهبة في أشياء مثل الكتاية الإبداعية المتمثلة في فن كتابة القصة والرواية والشعر والتأليف المسرحي والسينمائي، التاريخ، وشتى أنواع العلوم. وهي جميعها فنون تساعد في تكوين شخصية الإنسان والنهوض به روحياً ومعرفياً وثقافياً. طوبى للمجتمع الذي يكتب ويطبع ويقرأ.

الكتابة وسيلة ناجعة يتبعها من ينوون المساهمة في إحداث إصلاح حقيقي في بلدانهم ومجتمعاتهم، لأنها من خلالها يبثون الأفكار وتوصيلها إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين والمتفاعلين بتلك الكتابات؟ هل نتفاعل مع ما يكتبه كٌتَّابنا أم نتلقاه بعدم اهتمام؟ لِيُجِيبُ كل مِنَّا على هذا السؤال في قرارة نفسه بصدق.

لا يمكن الحديث عن الكتابة دون القراءة، لأن للقراءة دور فعال وكبير في زيادة معلومات الإنسان، ولها القدرة على جعل الإنسان شخصاً موسوعياً، وخصوصاً حين يتميزون بتعدد مجالات اهتماماتهم. الكتابة أيضاً عمل ووظيفة يحصل الإنسان من خلاله على دخل مادي جيد في المجتمعات التي تقرأ بنهم، من خلال تأليف كتب أو كتابة المقالات، وتجعل الإنسان الذي يكتب شخصاً معروفاً عن طريق وصول كتاباته للناس في محيطه الاجتماعي وفي حدود قطره والعالم ككل، وخصوصاً إذا كان كاتبُ أو كاتبةٌ تتمتع بموهبة الكتابة بأسوب ساحر وجذاب وقلمٌ جميلٌ يَنْسابُ من حبره درر الكلم!

على سبيل المثال، مَنْ مِنَّا لا يعرف جورج أورويل، صاحب رواية مزرعة الحيوان Animal Farm ورواية 1984 (الأخ الكبير)، أو غابرييل غارسيا ماركيز، صاحب رواية (الحب في زمن الكوليرا .. وذاكرة غانياتي الحزينات) وغيرها مِنْ رواياته العالمية، مَنْ مِنَّا لا يعرف الكاتب الأفريقي العظيم نقوغي واثيونغو وروايته I Will Marry When I Want (سأتزوج حينما أشاء) Weep Not Child (لا تبكي يا أيها الطفل). مِن مِنَّا لا يعرف الكاتب العظيم الذي يداعب القارئ في كتاباته، عبد العيزيز بركة ساكن، وروايته جونقو مسامير الأرض، أو مانفستو الديك النوبي أو رواية الرجل الخراب بالإضافة إلى رائعته ساماهاني. مَنْ لا يعرف الدكتور منصور خالد وكتاباته حول التاريخ السياسي السُّوداني، وكم كتب هذا الرَّجُل العظيم عَنَّا في السُّودان الجنوبي (جنوب السُّودان في المخيلة العربية .. تكاثر الزعازع وتناقص الأوتاد .. انفصال جنوب السُّودان: زلزال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) وغيرها من مؤلفاته القيمة. مَنْ مِنَّا لا يعرف الكاتب الأفريقي الكبير شينوا أشيبي وروايته الأشياء تتداعي Things Fall Apart .. مَنْ مِنَّا لم يسمع برواية (طائر الشؤم) لدكتور فرانسيس دينق مجوك ومؤلفاته الأُخرى؟ مَنَّا لا يعرف الدكتور جون قاي يوه ومؤلفاته حول تاريخنا السياسي الحديث (ثورة في جبال الاستوائية / العزلة / الوحدة والانفصال: تأرجح الفكر السياسي في جنوب السودان / جنوب السودان: آفاق والتحديات / تاريخ الفكر السياسي في جنوب السودان / مخاطر بناء الأمة)، الدكتور لام أكول أجاوين والتاريخ السياسي (الثورة الشعبية لتحرير السودان ثورة أفريقيا.. وكتابه الأخير حول حركة الذي تم مناقشته في فيديو لايف) .. فكتور كيري واني ومؤلفاته حول الصحافة والإذاعية في السودان الجنوبي ومؤلفاته الأخير حول الفلكلور لدي قبيلة وكتاب آخر حول طقوس الموت والدفن.

الكتابة تنمي قدرات الإنسان العقلية وتساهم في تنمية علاقاته الاجتماعية، إذ يجعل رصيده الاجتماعي يرتفع وتكسبه أصدقاءً يحبون الإبداع، إلى جانب كونها وسيلة مِن وسائل النجاح في الحياة، وقضاء الاحتياجات المختلفة في الحياة. وفوق كل هذه، الكتابة موهبة. هناك مفاهيم خاطئة الكتابة في المجتمع عن الكتابة وعن من يجب أن يكون كاتباً، إذ يربطون الكتابة بالمؤهلات الأكاديمية الكبيرة كشرط يجب أن يتوفر في الكاتب، وهذا خطأ. هناك أناس لم يتحصلوا علم شهادات أكاديمية عليا، لكنهم كُتَّاب. مثلاً في الوطن، هناك عباس محمود العقاد الذي لم يتجاوز مستوى تعليمه الثانوية العامة، لكنه كاتب عظيم، لأنه كان موهوباً ومثقفاً وله ملكة التعبير ومعرفة اللغة وإتقانها. لكن كلامي هذا لا يعني أن الشهادات الأكاديمية العليا ليست مهمة. بالطبع مهمة.

رابعًا- بعض وظائف الكتابة:

للكتابة وظائف كثيرة، وتدخل في كثيرٍ من تفاصيل الحياة. كتابة الأخبار في وسائل الإعلام المختلفة، وكتابة الحكايات في الصحف والقضايا في المحاكم. الحفاظ على اللغة وإزدهارها وكتابة قواميسها وإضافة المفردات من اللغات الأُخرى إليها وحفظ المعلومات عبر الأزمنة والأمكنة. استخدامها في بناء وحفظ الحسابات المصرفية في البنوك والمؤسسات التجارية مثل الشركات الكبرى حتى المشاريع التجارية الصغيرة. حفظ سجلات المصالح السياسية والدينية والعلمية، بالإضافة إلى استخدامها لأغراض شخصية مثل كتابة اليوميات وتسجيل ملاحظات أو تدوين مداولات الاجتماعات أو كتابة الرسائل النصية في الهواتف الذكية في الماسنجر أو الواتساب والوسائط الأُخرى.

خامسًا- الكتابة والنشر:

النشر عملية إنتاج ونشر المعلومات بأشكال مختلفة، وتشير كلمة (النشر/ publishing) في معناها إلى (توزيع) الأعمال التي تم انجازها من الكتب والصحف والمجلات أو موسيقى أو خطب مسجلة وغيرها للمتلقين. ومع ظهور التكنولوجيا الرقمية في عالم اليوم، ونظم المعلومات والإنترنت، توسعت النشر ليشمل الموارد الإلكترونية، مثل النسخ الإلكترونية من الكتب (الـPDF مثالاً) والمواقع الإلكترونية المختلفة. ومع ظهور الواتساب؛ بامكانك تحويل كتاب كامل من خلاله إلى شخص بعيد بآلاف الكليومترات في لحظة كغمضة العين، بدلاً عن الطريقة القديمة، إرسال الكتب عبر الطرود البريدية.

وهناك أنواع كثيرة من النشر. نذكر منها النشر الأدبي (كتب أدبية)، النشر العلمي (تأليف كتب علمية ونشر أبحاث ومقالات علمية في دوريات علمية لإشاعة وتعميم كل ما هو علمي)، النشر الطبي (إصدار دوريات طبية)، النشر الإعلامي (الأخبار وتطورات يومية كسلطة رابعة)، النشر القانوني (لحدوث حالات تحتاج إلى قانوني للحكم وغالباً ما تكون تلك الحالات غير مذكورة في مواد قانونية) وغيرها (9).

هنالك علاقة وصلة ثقية وقوية بين الكتابة والنشر، وفكرة تأسيس وإنشاء دور النشر مثل دار رفيقي للطباعة والنشر أو ويلوز هاوس للطباعة والنشر وغيرها من مؤسسات النشر من حولنا، وفي أنحاء المعمورة، هي فكرة ولدتها الكتابة، وهذا يعني أن الكتابة سابقة للنشر وهي أُم النشر بمعنى آخر. تلعب الكتابة والنشر دوراً حضارياً في إشاعة الثقافة وحفظ ذاكرة الشعــوب.

وتمثل مؤسسات النشر بيوتات لنشر الإبداع والمعرفة التي يسجلها الكُتَّاب في كتابات وتقديمها للمجتمع والعالم. وتعمل على نشر الكتب وفق شروط ومعايير النشر متعارف عليها عالمياً، أمهمها أن يكون الكاتب موضوعي في تناوله ودون أن يسئي لجماعة دينية أو عرقية أن تكون الأفكار التي ينوي نشرها غير منشورة من قبل.

تلعب دور النشر دوراً في ترويج الكتب وتسويقها بشتى الوسائل المتاحة اليوم مثل السوشيال ميديا، وحينما تقدم أعمال الكُتَّاب للجمهور من القراء، قدمت لهم أيضاً هؤلاء الكُتَّاب. دور النشر محطات لتوزيع المعرفة والثقافة والإبداع للمجتمع وللإنسانية جمعاء. وبإيجاز، يمكن تلخيص علاقة دور النشر والكُتَّاب في هذه الكلمات: لا يمكن معرفة الكُتَّاب بلا دار النشر، ولا يمكن معرفة دور النشر بلا كُتَّاب. إنها علاقةٌ وجودية تدعمها وجود الآخر مثل العلاقة الزوجية!

سادسًا- التوصيات

في ختام هذه الجلسة، أود أن أتقدم بما يلي من التوصيات:

1. لا معنى أن نقدم ورقة عن الكتابة والنشر ونحن نكتب بلغات غير لغاتنا الأصلية، ينبغي تعديل هذا المسار، ونكتب بلغاتنا الأصلية. منذ مؤتمر رجاف في 1928م حتى الآن، وهي فترة شارفت المئة عام، لم تشهد لغاتنا أي تطور. مدارسنا تدرسنا العلوم بلغات غير لغاتنا الأصلية .. متى سنترك التماهي في حضارات غيرنا؟

2. لا كُتَّاب بلا دور نشر ولا دور نشر بلا كُتَّاب والقُرَّاء، ولا خير في وجود كُتَّاب ودور النشر بلا قُرَّاء. ليتواجد الكاتب ومؤسسات النشر والقُرَّاء، حتى تتسارع عجلات قطار الثقافة والمعرفة في كل أنحاء بلادنا ويعرف العالم أن هناك شعب في السُّـــودان الجنوبي مبدع.

3. الكتابة فن رائع وله أخلاقياته. ليلتزم كل كاتب وكاتبة بجميع الأسس والقوانين التي تحكم الكتابة.

4. لنكن قُرَّاء قبل أن نكونوا كُتَّاب وكاتبات، فالقراءة طعام يغذي جسد الكتابة.

5. لنترك نزعة النقد من أجل تحطيم أُناس محددين على حساب أناس آخرين أو بغرض تحطيمهم، لأنهم لا يعجبوننا أو لأنهم ليسوا أصدقائنا من ثلتنا الثقافية. لنمارس النقد من أجل توضيح مواطن القبح وتشجيع مواطن الجمال في أعمال الكُتَّاب.

6. تشجيع مواهب الكتابة الصاعدة وتنميتها عبر ورش عمل وصقلها بالبحث والكتابة المستمرة والتقييم والتصويب.

الإعــداد والتقــديـم:

دينقديت أيوك / كاتب وصحفي وشاعـر

معرض دار رفيقي للطباعة والنشــر

الثلاثاء الموافق 12 يوليو 2022م / المعــادي – القاهــرة

قائمة المراجع:

1. موقع موضوع الإلكتروني (مفهوم الكتابة)

2. الموسوعة الإلكترونية الحرة – ويكيبيديا (الكتاب)

3. موقع www.omniglot.com الإلكترونية

4. مصر القديمة: التاريخ، السلاليات، الديانة والكتابة Ancient Engypt: History, dynasties, religion and writing/www.livescience.com

5. مصر القديمة والكتابة Ancient Egypt and writing/www.worldhistory.org

6. أبيل ألير: جنوب السودان التمادي في نقض المواثيق والعهود

7. صحيفة التحرير الإلكترونية: رحلة اللغة العربية في جنوب السودان www.alttahrer.com

8. موقع موضوع الإلكتروني: أهمية الكتابة ووظائفها ..

9. موقع المنارة للاستشارات: النشر www.manaraa.com

 

 

Translate »