الحركة الشعبية جناح مشار والانحدار نحو الذات (1)
واجوما نيوز
بقلم : شوكير ياد
واجوما نيوز
مقدمة
مرت الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة جناح نائب الرئيس ريك مشار بالعديد من الفترات الحرجة (سياسيا- عسكريا) والتي كادت ان تكتب لها فصول النهاية في كثير من الاحيان، ولكن في كل مرة ، تنجح في الخروج من أزماتها تلك بشكل او بآخر، ومن ثم مواصلة مسيرتها. بيد أن هذه المرة قد إختلفت عن كل المرات السابقة، من حيث حجم الضغوطات الداخلية والخارجية التي تجابهها الحركة، خاصة في ظل عدم إبداء قائدها ورئيسها مشار لأي رد فعل حيال ما يحدث في معسكره . فعلى المستوى السياسي الداخلي، كانت للتقلبات السياسية والخلافات الداخلية في معسكر مشار ، القدح المعلى في أن تميل موازين القوة لصالح الحركة الشعبية جناح الرئيس كير. فضلا عن الإنسجام الواضح لدول الاقليم وتوافق مصالحها ، وتوجهات الحكومة جناح كير، مع تجاهل المجتمع الدولي لأزمة جنوب السودان في الوقت الراهن لأسباب عديدة لا يسع المجال لسردها. اما عسكريا ، فقد أدت الخلافات العميقة بين مشار و القيادات العسكرية الموالية له، الى العديد من الإنشقاقات في صفوف الحركة، ومن ثم إنضمام بعض من قيادات مشار العسكرية الى المعسكر الحكومي. وقد كانت لتلك الخلافات الأثر المباشر في ما آلت اليه الأمور في داخل منظومة الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة تحت قيادة نائب رئيس البلاد في الحكومة الإنتقالية ، د/ مشار.
وتمر الحركة الشعبية جناح مشار في الوقت الراهن ، بأصعب وأضعف فتراتها؛ خاصة بعد إعلان ” كيت قوانق” الأخير، والذي تقوده القيادات العسكرية والميدانية لمشار، والتي أعلنت مؤخرا من خلال إعلان “كيت قوانق” عن عزل مشار، ومن ثم إعتلاء قيادة الحركة الشعبية في المعارضة.
وعلى ضوء التطورات والتحولات المتسارعة في الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة ، تُطل الكثير من التساؤلات الحائرة في الأفق، حول مدى قدرة مشار، والذي يشغل منصب نائب الرئيس كير في الحكومة الانتقالية بموجب الاتفاقية المنشطة في العام 2018م، على الصمود في وجه هذه العاصفة السياسية، والتي قد تطيح بمستقبله السياسي في ظل التحولات الرهيبة في المشهد السياسي الجنوبي في الوقت الراهن.
ولكي تتضح الصورة بشكل أكثر دقة وموضوعية، سيتم تناول، الأبعاد السياسية وأثرها على منظومة الحركة الشعبية جناح مشار، وانعكاسها على مستقبل مشار السياسي.
بمعنى آخر، تأثير السياسات والقرارات التي إتخذها مشار منذ حكومة الوحدة الوطنية التي انهارت في حرب يوليو تموز 2016 والتي أدت الى إبعاده عن المشهد السياسي ، ومن ثم عودته مرة اخرى الى الساحة السياسية من خلال الإتفاقية المنشطة في 2018، وتلك التي أدت الى إعلان كيت قوانق الإخير والذي قضى بإبعاده عن قيادة الحركة الشعبية في المعارضة، ومدى تأثير ذلك على مستقبله السياسي.
الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة و (اتفاقية 2015 مالحكومة الانتقالية الثانية، يُقصد بها حكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها بموجب اتفاقية أغسطس 2015، والتي جاءت كتسوية سياسية للحرب التي اندلعت في ديسمبر 2013، والتي عُرفت بإتفاقية حل النزاع في جنوب السودان. وقد مرت تلك الإتفاقية بالعديد من المطبات السياسية من جانب شريكي الحكم (كير/ مشار)، لسنا بصدد ذكرها في هذا السياق، ولكن نذكر على سبيل التذكير، مثل عدم رغبة الطرفين في تنفيذ الاتفاقية ، بسبب التحفظات التي ابداها كل طرف. الأمر الذي إنعكس على التطبيق الفعلي لبنود الاتفاقية على الأرض لاحقا.
فقد تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بين كير ومشار، ولكن الممارسة على الارض ، أظهرت عدم التجانس بين القطبين، الإ ان انفجرت الاوضاع في العاصمة جوبا، والتي أدت الى اندلاع حرب الأربعة ايام في يوليو2016.
إنهيار المعارضة المسلحة بعد حرب يوليو2016 كشفت حرب الأربعة ايام في يوليو2016 عن حقيقة الخلافات الداخلية التي كانت تنهش في جسم منظومة الحركة الشعبية جناح مشار. وقد تجلى ذلك الأمر، حول الإستقطاب السياسي السريع لمعظم قيادات مشار من قبل الرئيس كير، بعد إختفاء مشار في ظروف غامضة، ومن ثم تحويل مسار الاتفاقية برمتها.
فقد إنقلب رئيس وفد المقدمة آنذاك، ووزير المعادن في حكومة الوحدة الوطنية ، الجنرال تعبان دينق قاي، على مشار. حيث تم تنصيبه بديلا لمشار في ظروف سياسية غامضة توافقت عليها الحكومة والاقليم والمجتمع الدولي.
ومن هنا جاء إنقسام الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة، والتي انقسمت الى جناح السلام تحت قيادة الجنرال تعبان دينق، والمعارضة المسلحة تحت قيادة مشار. ومن المفارقات الجديرة بالذكر هنا، قيام المعارضة المسلحة جناح الجنرال تعبان دينق بمواجهات عسكرية ضد قوات مشار لصالح الحكومة جناح كير في ذلك الوقت، حيث قامت بإجتياح مقر القيادة العسكرية لمشار في بلدة “فاقاك” الحدودية. وتُعد تلك المرحلة من أصعب الفترات التي عاشتها الحركة الشعبية جناح مشارفي ذلك الوقت.
بيد ان مشار إستعاد وجوده السياسي مرة أخرى؛ وذلك بعد إستمرار تدهور الأوضاع في جنوب السودان، وظهور حركات تمرد جديدة، بالإضافة الى إستمرار قواته العسكرية في أحداث أثر على الأرض في مناطق أعالي النيل وغيرها، بالإضافة الى تحالفه مع فصيل “أقوليك” بقيادة الجنرال جونسون الونج. وهو الأمر أرجع الامور الى سيرتها الاولى ومن ثم تم فتح ملف التفاوض مع مرة أخرى. الامر الذي تُوج بإتفاق السلام المنشط في 2018 بالعاصمة السودانية الخرطوم.
الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة و (اتفاقية2018)الإتفاقية المنشطة في 2018، تم فيها إعادة التسوية السياسية لحل الأزمة في جنوب السودان، مع إجراء بعض التغييرات، والتي كان أبرزها، إستحداث منصب (5) نواب لرئيس الجمهورية. حيث ظفرت الحركة الشعبية في المعارضة جناح مشار، بمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية.
وقد دبت الخلافات في معسكر الحركة الشعبية في المعارضة منذ الوهلة بعد التوقيع على الإتفاق المنشط، والشروع في تقسيم المناصب السياسية بين منتسبيها. ومع إنطلاق أعمال لجنة ما قبل الفترة الانتقالية ، والتي تم تكوينها بموجب الاتفاق المنشط، للتمهيد في تنفيذ الاتفاقية، أعلنت بعض القيادات العسكرية الموالية لمشار الانسلاخ والانضمام الى الطرف الحكومي.
وقد وصلت الخلافات الى أعلى مراحلها، عقب إعلان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث ظهرت وجوه جديدة لأول مرة مع إختفاء بعض الأسماء الكبيرة في الحركة. هنا وقد بدأ الأمر وكأنه إقصاء متعمد من مشار لتلك القيادات. وهذا التشكيل بطبيعة الحال لم يلامس تطلعات الكثيرين( قيادات الصف الأول/ المؤيدين/ المتعاطفين). ومن هنا إنفجرت الأوضاع بصورة غير مسبوقة. بعدها حدثت إنسلاخات وإنضمامات بالجملة للحكومة تحت قيادة الرئيس كير.
فقد إنضمت قيادات سياسية ، تتمتع بثقلها السياسي والاجتماعي وسط مجتمعاتهم المحلية، بسبب تلك الإقصاءات التي مورست بحقهم في عدم التمثيل في حكومة الوحدة الوطنية .