لابد ان نشكل “الكُتلة الحَرِجة” التي ستقود التغيير الاجتماعي والسياسي في جنوب السّودان: دروس في سياسة التغيير [1]

واجوما نيوز

 

بقلم : بيتر آدوك نيابا 

ترجمة: يدجوك آقويت

واجوما نيوز 

ملاحظات تمهيدية:

من يتجاهلون الواقع يتسببون ببساطة في تدمير انفسهم، وكل من يصّر على إدعاء البراءة في اوقات الشدة، يتحول لوحش مع مرور الوقت”.
جيمس بالدوين “غريب في القرية”.

يتسم السياق الاجتماعي والسياسي في جنوب السودان بالتعقيد لدرجة تصعب معها فهم وتقديم تحليل عقلاني للراهن. فهذا النظام الديكتاتوري الشمولي، بجهاز أمنه المتوحش، أنتج واقع اقل ما يوصف انه مقفر، وحشي، و يحكمه الفقر و الموت. فالواقع الحالي نتيجة منطقية للتشويه الذي حال دون تحول الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان من أن تصبح حركة تحرير وطني حقيقي، مما انتج الثقافة السياسة في جنوب سودان ما بعد الحرب حيث توظف السياسية الإثنية، الاجسام المجتمعية ومجالس الاعيان القبلية كجماعات ضغط وأدوات سياسية في النظام الحالي، السلوك الذي آدى لهيمنة [الدينكا والنوير]، على الدولة بحكم الوزن الديموغرافي لكل منهما. مدفوعين بمواقف اجتماعية و سياسية رجعية، بدأ مجلس اعيان الدينكا السيطرة و هندسة سياسات الحركة الشعبية لتحرير السودان و الدولة بشكل لا يمكن تصوره منذ عام 2013 في محاولة لإقصاء النوير بصفتهم منافسين لهم في إدارة الدولة، وهي السياسات التي ادخلت الدولة في دوامات و عجلت بالحرب الأهلية في ديسمبر 2013.

وغني عن القول إن السياسات أو التوجهات السياسية التي تتعارض مع تيارات التاريخ، نادرا ما تدوم، ان لم تصبح قوة تدميرية في حد ذاتها. إنها تهزم التفكير العقلاني الذي نأمل في بنائه في جنوب السودان، الدولة التي تقطنها أربع وستون إثنية في مستويات مختلفة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بينما تهيمن عليها إثنية واحدة. فقد فشل مشروعي الثمانية وعشرون والاثنان وثلاثون ولاية التي هندسهما مجلس اعيان الدينكا بهدف تعزيز هيمنتهم على البلاد سياسياً و اقتصادياً وانتهى المشروع في مزبلة التاريخ. كما فشل ما يسمى بالحوار الوطني الذي رعاه النظام في إذعان الشعب، بل على العكس، أكدت الهمهمات الشائعة منذ عام 2012 بشأن إنحراف قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان عن رؤيتها وخيانتهم للشعب. وكان أن حمّل مخرجات الحوار مسؤولية الفشل على سلفاكير و ريك مشار فقط. وقد خلصت قيادة الحوار الوطني إلى أبعد من ذلك بمطالبتهم كلا من سلفاكير و مشار بالتنحي طوعاً عن السلطة. وعلى الرغم من أن القائدين يمثلان الوجهين القبيحين للقبلية والتعصب الإثني في البلاد، إلا أن تنحيهما وحدهما دون تغيير جذري في النظام القبلي الفاسد الذي أُسس منذ عام 2005 لن يحدث أي فرق.

إن توصية الحوار الوطني بضرورة تنحي كل من سلفاكير و مشار والخطوة الأخيرة لما يعرف ب “الائتلاف الشعبي للعمل المدني” وإعلان العصيان المدني من أفراد كانوا مقربين من النظام حتى الفترة الاخيرة، مؤشر على أن النظام على وشك السقوط و تحاول هندسة مخرج من فشله واخفاقه السياسي المستمر.

محاولات التغيير الفاشلة في جنوب سودان ما بعد الحرب:

ظلت جمهورية جنوب السّودان في حالة تخبط وعدم استقرار سياسي لفترة طويلة كإنعكاس للخلل الوظيفي في الحركة الشعبية لتحرير السّودان. دفع هذا الوضع لعدة محاولات من مختلف فصائل المعارضة لإحداث إصلاحات أو تحقيق تحول جذري. وقادت هذه المحاولات، التي ضمت الحركة /الجيش الشعبي لتحرير السودان – في المعارضة، لحرب أهلية. كما لم تدم جماعات المعارضة المسلحة والسياسية التي انتشرت بعد يوليو 2016، و اختفت حركتي ” الكرت الاحمر” Red Card Movement و”حركة الإنتقال الجيلي”، Generational Exit Movement اللتان ظهرتا على المسرح السياسي فجأة و دون اي تاثير يذكر. ويبدو ان “الائتلاف الشعبي للعمل المدني” People’s Coalition for Civil Action’ قد فشل في كسب التأييد ايضاً، وبالتالي فقد زخمه.

والسؤال الذي يفرض نفسه ويحتاج إلى إجابة ملحة، هو لماذا فشلت هذه المحاولات أو الحركات في كسب التأييد الشعبي؟ قد يبدو أن هذه الدعوات محاولة لملء الفراغ الاجتماعي والسياسي الناتج عن غياب الحركة الجماهيرية، لكنها في الحقيقة، تعكس إحباط عناصر النظام الذين يشعرون بخيبة أمل من إصرار رفاقهم على عدم الاعتراف بإلاخفاقات. يعرف الشعب حقيقتهم، وبالتالي رفضوا الدفع بهم لتنفيذ أجندة غيرهم. لا يمكن حدوث الحراك الثوري الجماعي الذي أطاح بنظام الانقاذ في الخرطوم عام 2019 بمدينة جوبا، وذلك لأن عملية سلام الإيغاد ساومت وضمت داخل النظام ومؤسساته، القوى الاجتماعية والسياسية: من منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية المعارضة، والنقابات العمالية، والروابط المهنية والحركة الطلابية، اي الاجسام التي تشكل الحركة الجماهيرية، ليتخلوا عن دورهم التاريخي والمُتمثل في النضال من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي. في الواقع، لا توجد اي معارضة سياسية للنظام حتى الآن.
وغني عن القول أنه لم يكن لمنظمات المجتمع المدني، المجموعات النسوية والمنظمات الدينية والأحزاب السياسية خارج حكومة جمهورية جنوب السودان، وكذلك المعرفين (بالمعتقلين السابقين)، أي صلة مباشرة بالحرب الاخيرة. ما كان ينبغي أن يصروا على إشراكهم في مفاوضات السلام بين الأطراف المتحاربة برعاية الايغاد، أي حكومة جمهورية جنوب السودان والحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان – في المعارضة.” كان ينبغي لهم إنتظار تسوية النزاع والضغط على الاطراف للإلتزم بالاتفاقية ووقف الأعمال العدائية، حتى يحين دورهم ومشاركتهم الفعال كمواطنين في سياق عملية وضع الدستور الدائم. فقد ادت مشاركتهم في عملية السلام لتعقيد التنفيذ كما حدده المبعوث الخاص والوسطاء والضامنون.

هناك عاملين أساسيين يثبطان إنطلاق الحركة الجماهيرية جنوب السودان: أولهم، مستوى الجهل والتخلف الثقافي لشعبنا و دورها في إعاقة ظهور ثقافة التنظيم والعمل السياسي. لا توجد ثقافة سياسية مماثلة لتلك التي تراكمت على مدى عقود في السودان لتنجح أخيراً في أسقاط نظام الإنقاذ. اما العامل الثاني، هو وضع للحركة الشعبية لتحرير السودان وتاريخها النضالي و زعمها أنها تمثل الجماهير، بينما في جوهرها، تخدم المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للطبقة الرأسمالية الطفيلية عبر استغلال الجهل، وتشتيت وقمع جماهير شعبنا. فالتاريخ الملتبس هذا، يترجم في الدعم السياسي المستمر الذي يتمتع به قادتها و تغمر وعي الشعب وتدفعتهم عن غير قصد إلى تحمل المصاعب الاجتماعية والاقتصادية والقمع السياسي الذي لا يطاق. على الرغم ان الوضع الحالي يحتم الكفاح من أجل تغييره، فإن التغيير لن يحدث تلقائياً حتى وان توفرت الظروف الموضوعية للثورة، فلابُّد لعملية التغيير أن تُهندس، اجتماعياً وسياسياً.

الكُتلة الحرجة:

تاريخيا، كان من السهل تحريض وتعبئة وتنظيم الجنوبيين للحرب – العمل العسكري، لدعم مطلب سياسي مثل الحكم الذاتي أو الانفصال. كانت هذه هي الوسيلة والأداة الوحيدة المتاحة للنضال. ومن ناحية أخرى، لم يكن من السهل تنظيم إضراب أو مواكب و مظاهرات في الشوارع لدعم مطلب اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي مماثل. فالتعبئة والتنظيم والعمل الجماهيري الحاسم تتطلب مستوى من الصحوة والوعي السياسي الجماهيري، الذي يعتمد بدوره على مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشعب المُعني.
في دولة مثل جنوب السودان، حيث لا بوادر للتنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ قوى وعلاقات الإنتاج متخلفة وبدائية كما تنعكس في المستويات المتدنية من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومع انخفاض أو غياب الوعي السياسي، فإن التعبئة للحرب أسهل من الدعوة لعمل سياسي سلمي. كان على شعبنا أن يشن حربين للتحرير قبل تحقيق الاستقلال والسيادة، لتتشكل نتيجة لهما ثقافة الحرب التي انتجت طبقة نخبوية عسكرية و سياسية تتعارض مصالحها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع تطلعات الشعب. إن تجربة جنوب السودان منذ عام 2005 تشهد على هذه الحقيقة، مما يعني أن التغيير الاجتماعي والسياسي الحقيقي لن يكون إلا نتيجة لنضال دؤوب ضد الواقع القمعي والاستغلالي الذي يعيشه شعبنا على الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وبالتالي، فإن الحركات المذكورة أعلاها – إذا كان يمكن تصنيفهم كحركات اجتماعية – هدفوا للتغيير الادائي (الشخوص) و ليس الهيكلي (النظام)، وقد يبرر هذا فشلهم في كسب التأييد. لم تحرك رسالتهم الشعب لاي حراك لان ‘الكُتلة الحَرِجة’، العامل المهم والحاسم، غائبة تماماً في المعادلة. فوجود كُتلةٍ حَرِجة، أي عدد مقدر من الشعب بوعي اجتماعي وسياسي، وقدرة على تعبئة وتنظيم الجماهير بدرجة عالية من الانضباط، واستعداد للعمل السياسي، ليس حاسما فقط، بل شرط أساسي لنجاح اي عملية تغيير اجتماعي وسياسي. كانت (حركة الكرت الأحمر)، و(حركة الإنتقال الجيلي) و(الائتلاف الشعبي للعمل المدني) معنيين في المقام الأول بالسلطة ومن يمارسها، أكثر من إهتمامهم بالأزمة الاجتماعية والاقتصادية العويصة التي تعاني منها الشعب. وعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية التي تستخدمها هذه الحركات وسيلة فعالة للتحريض والتعبئة، فقد فشلوا في تحريض الجماهير على التغيير لأن رسالتهم لم تخاطب مخاوف الشارع.
التغيير في جنوب السودان أمر لا مفر منه. سيأتي عاجلا وليس آجلا، خصوصاً وان الأيديولوجيات الإثنية التي أربكت و شوشت شعبنا؛ في طريقها للزوال. بدأ بعض الناس و المثقفين الأميين سياسياً إدراك جوهر الطبقة الرأسمالية الطفيلية التي استولت على الحركة الشعبية لتحرير السودان والدولة. وهذا من شأنه أن يضع حداً للاستغلال الاقتصادي ونهب الموارد الطبيعية الهائلة في البلاد. لقد بدأوا يدركون طبيعة القمع السياسي ايضاً، لا سيما مع سجن حتى اولئك الذين يدعمون النظام. مهما يكن، فإن هذا التغيير سيأتي بعد كفاح مرير لا هوادة فيه وقد يتطلب التضحية بالنفس والتفاني والالتزام.

التنوير الذاتي، والتربية المدنية والسياسية – يحدث التغيير الاجتماعي نتيجة لعملية التعلم المستمرة والتخلي عن المفاهيم الرجعية في نفس الوقت وبغرض اكتساب المعرفة الصحيحة أو الفهم العلمي للواقع القمعي ووسائل تحويله. وهذه المعرفة المتراكمة (النظرية) والممارسة (العمل) هي التي تخلق “الكتلة الحرجة” و التي ستقود العمل الحاسم لوضع حد لظروف القمع وبداية التغيير الاجتماعي.
المجتمع مدرسة و معلم للتغيير الاجتماعي. وذلك لأن الناس في سعيهم اليومي للحصول على ضرورات الحياة، ينخرطون ويتفاعلون مع بعضهم البعض، وبالتالي يفهمون واقعهم بشكل جيّد. ما يبنغي ان يركز عليه هو تنظيمهم إما في اماكن عملهم، والنوادي الاجتماعية، والأحياء السكنية أو عرضا، ليشاركوا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في التنوير، والتربية المدنية وكذلك السياسية. ففي هذه الجماعات، التي تتبنى أفكار وقيم اجتماعية، يكتسب كل فرد الوعي الذاتي، وتقدير الذات، والثقة بالنفس، والقدرة على التعبير عن قضاياه بوضوح.

تسمى هذه العملية بالتنوير؛ وهي عملية تهدف لتراكم معرفة، دراية و وعي بالبيئة الاجتماعية والسياسية للفرد. وعادة ما تقع مسىؤلية التثقيف المدني والسياسي على عاتق مجموعات رسمية ذات توجه وغرض أيديولوجيين واضحين. وسواء كان ذلك في مكان العمل أو النوادي الاجتماعية أو الأحياء السكنية، يتعلم الفرد الأفكار والمفاهيم والمبادئ التوجيهية واللوائح والحقوق من المجموعة، أو الالتزامات تجاهها أو تجاه المجتمع ككل كأساس للتفاعل والعلاقات الاجتماعية؛ ومن هذا المفهوم تنبع قضايا الحقوق و الالتزامات تجاه الدولة كأساس للمواطنة. ليست من الضرورة أن يتعلم المرء تحليل آليات الاستغلال وإعادة إنتاج رأس المال، ولكن من الصعب الخوض في النضال من أجل التغيير دون حد أدنى من الثقافة السياسية والفهم الإيديولوجي للواقع الموضوعي.

التنظيم والانضباط – التنظيم هو المفهوم والممارسة الأكثر جوهرية في اي عملية تغيير اجتماعي أو سياسي. والتنظيم، في معناه البسيط، يعني قدرة أفرادا مختلفين على العمل والاندماج في الكل المركب. لذلك، فالتنظيم هو مجموعة افراد مختلفون عن بعضهم، رغم ان كل عنصر يعتمد على الكل او العكس. اما في حالة ارتباط أي حركة ثورية من أجل التغيير بزعيم أو مجموعة من القادة، لدرجة أن اعتقالهم من قبل السلطات أو وفاتهم تضع حد للحركة، لابُّد ان نعترف حينها أن الجسم المُعني لم يصل قط لمرحلة ان يوصف بالتنظيم. ولا يمكن أبدا أن يكون هناك عمل سياسي، أيا كان هدفه، بدون تنظيم سياسي. فمن خلال التنظيم، نعتمد دستورا وقواعد لضمان التماسك والاصطفاف خلف برنامج واضح.

إن أحد أكبر تحديات اللعبة السياسة في جنوب السودان، هو رفض ممارستها وفقا للمعايير الراسخة. إعتدنا أن يبدأ فرد ما فكرة تكوين جسم سياسي وتسمية نفسه كقائد، ثم يطلب من الآخرين الاصطفاف خلفه. وهو أسوأ ما في التنظيمات ذات الأجنحة العسكرية كما هو الحال في حركة التحرير، حيث يجمع الزعيم بين القيادة السياسية والعسكرية، ويصبح من الصعب الفصل بين الاثنان. تكون النتيجة، خنق والتضحية بالديمراطية عن غير قصد؛ لتعاني الحركة من الانقسامات والتشرذم، وعندما تستولي على السلطة في نهاية المطاف، ينتهي بها الأمر إلى إقامة نظام استبدادي وشمولي مفارق تماما لمُثل الحرية والعدالة والإخاء، وكل ما نادى بها أثناء النضال.

تنظم، لا تناضل! Orginze, don’t agonize كان شعار الحركة الأفروعمومية. وهي حقيقة يستشهد بها للتأكيد على أهمية التنظيم في النضال من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي. ففهم “ان الكل يختلف عن الاجزاء المكونة لها” يعني معرفة جوهر التنظيم و يسهل وحدة الشعب في النضال الجمعي، بما في ذلك من أجل التغيير. فالتنظيمات و الحركات الاجتماعية عُرضة للتناقضات، ولا سيما في سياق مناقشة أو بناء توافق في الآراء بشأن مسائل اجتماعية أو سياسية أو غيرها ويمكن أن تولد المناقشات بشأن المبادئ، تناقض خطير قد يؤدي إلى انقسامات إن لم يمتثل الأعضاء بالمبادئ التنظيمية والديمقراطية. ففي الكثير من الحالات، تتشرذم الحركات الاجتماعية والسياسية أو الأحزاب السياسية بسبب ضعف او انعدام التنظيم، وليس لخلافات أيديولوجية.

يمكن تحقيق الهدف من خلال التنظيم والالتزام بالمبادئ التنظيمية و القواعد والإجراءات التي تفرض الانضباط والاحترام. فالتنظيم يعزز التماسك والانسجام بين الأعضاء، وبالتالي يقوي تضامنهم واحترامهم لبعضهم البعض. ومن ناحية أخرى، يؤدي عدم التنظيم إلى غياب الانضباط ويهدد الوحدة العضوية للتنظيم او الحراك.

كيف و لماذا نناضل من أجل التغيير الاجتماعي / السياسي؟:

هذا سؤال مهم. ومن الضروري فضح الكذبة التي أصبحت أساس وجودنا. ان شعبنا لم يكافح لستة عقود من القرن الماضي من أجل استبدال النظام الشمالي الذي يهيمن عليه العرب، بنظام القمع السياسي والإقصاء والتهميش والإهمال، والتمييز الاجتماعي الذي يهيمن عليه الدينكا. لقد سلب نظام الحركة الشعبية لتحرير السودان مبادئ الحرية والعدالة والإخاء والازدهار وكل ما كافحنا لتحقيقه. وهذا ما يعكسه تشتت أكثر من أربعة ملايين من شعبنا ما بين مخيمات اللاجئين في كينيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وإثيوبيا أو في معسكرات حماية المدنيين تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان في جوبا و واو وملكال. كل هذا والاقتصاد القومي في حالة يرثى لها وأكثر من تسعين في المائة من شعبنا يعيشون تحت خط الفقر، مع انعدام الأمن في المناطق الريفية وعدم قدرة المواطنين على العودة لديارهم للإنتاج والزرعة.

إن الظروف التي يعيشها الكثيرون منا، أسوأ مما كانت عليه في ظل نظامي نميري والانقاذ، ومع ذلك كافح شعبنا ونال إستقلاله. حدث التراجع لأن قادتنا انخرطوا في سياسة فرق تسد طمعاً في السلطة والثروة بدلاً عن نشر الديمقراطية والحرية والعدالة التي تعزز الوحدة والوئام الاجتماعي. فأي نظام يحرم مواطنيها حرية التعبير والتنظيم، بينما يشجع التجمعات الاثنية، ليس أفضل من الاستعمار الذي يقسم الشعب من أجل ترسيخ حكمه واستخراج ونهب موارده. وعلى غرار مقاومة الاستعمار، يجب على شعب جنوب السودان بكل اثنياتهم ان يتحدوا لمقاومة وإسقاط هذا النظام. سيكون هذا هو اساس المقاومة، فهو نضال نبيل و عادل لاستعادة حرية التنظيم والتعبير عن الرأي دون خوف من الاعتقالات أو المضايقات من قبل الأمن القومي.

ملاحظات ختامية:

دروس في سياسة التغيير سلسلة من الملاحظات التي ستنشر دوريا على الصحافة و المنصات الإلكترونية. والهدف من هذه الملاحظات هو إبتدار خطاب سياسي حول القضايا الملحة و رفع الوعي السياسي الذي يمكن الشعب في بناء جسور التضامن المتجاوزة للخطوط الإثنية أو المناطقية و بين مختلف الأجيال. فالوضع الحالي مزري بدرجة تتطلب مخاطبتها.

Translate »