الكنائس (الطوائف) ودورها في المجتمع السوداني الجنوبي

واجوما نيوز

 

بقلم: رمضان أجاك أيانق

واجوما نيوز 

تعد الكنيسة مؤسسة دينية للتعليم والإرشاد والعبادة. وهناك تعريفات عدة حسب إتفاق وإجماع الطوائف أو المذاهب الدينيّة. فمثلاً الكنيسة هي جماعة المؤمنين، وهي كذلك المظلّة التى يجتمع فيها المؤمنون الذين يتنقعون ديانة موحدة “طائفة” أو جمهور من المسيحيين الذين يشتركون في العقائد. وتعود كلمة (الكنيسة) إلى الترجمة اليونانية “إكليسيا” وتترجم بحيث تعطي معاني: المجمع أو الجامع أو الاجتماع أو جماعة مدعوة. ومن أقدم الطوائف الدينيّة في السودان الجنوبي، الكاثوليك والبرتستانت “الانجيليين”.

علاقة الكنائس مع المجتمع.

تاريخياً، يعتبر علاقة الكنيسة مع المجتمع علاقة تاريخيّة أزلية؛ لأن الكنيسة جزء أصيل من المجتمع، وعنصراً حيوياً يُمَارِسُ نشاطه داخل المجتمع.

وإضافة لذلك، علينا ألا ننسى بأن التبشير مهمة دائمة للكنيسة، وعلاقته بالثقافة تشكل إحدى الرهانات الأساسية لهذا الحضور الكنسي في المجتمع. والابتعاد عن ذلك يعني فقدان الصلة مع ما يربط البشر اليوم مع بعضهم، ويفهمون من خلاله وجودهم المشترك. فالإيمان يصبح تجريداً خطيراً إن لم يكن مندمجاً في الثقافة حيث عليه أن يتجسد ليكون له معنى.

من داخل هذه الثقافات، يستطيع المؤمن أن يُبيّن آنية التقليد الحي للكنيسة وحضور الإيمان في قلب العالم. إن حضور الكنيسة في المجتمع العصري له نتائج على المجتمع نفسه. فمقابل التساؤلات الأخلاقية التي تترك كل من الباحثين والأطباء وأرباب العمل عراة وبدون سلاح، تقدم الكنيسة تقليدها، خبرتها في الفكر الأخلاقي، تمييزها المستند على قيمها واهتمامها بالإنسان.

الكنائس ودور رجال الدين في العمل الكنسي

الكنائس في دولتنا منتشرة بصورة واسعة ويكاد يكون انتشارها ركيزةً ومدخلاً لبناء مجتمعاً معافى من التشرذم والعصبيات بمختلف أنواعها ومخاطرها، لكن عدم انسجامها وتعاملها في موكب ديني صرف، بعيداً عن الصراعات؛ وتدخلها في شأنٍ لا يهمها من المعضلات مثل الصراعات السياسية والطائفيّة والعشائرية.

لا يحق للكنيسة فعل ذلك لأنها مؤسسة دينية للعبادة الجامعة وتساهم في توحيد الشعوب والأمم، عكس الكنائس في دولتنا وتحركاتها التي تجعلك تشعر بأن الفكرة وراء إنشاء الكنيسة تهدف إلى تحقيق أجندة معينة أو غايات ربحية صرفة؛ والسبب الذي يجعلني أقول هذا، هو إنتشار انماط وطرق ملتوية لدى كثيرٌ من قيادات الكنائس أو رجال الدين، والمتمثلة في استخدامهم لأساليب الغش والاحتيال. وتحويل الكنائس إلى معارض لترويج أفكار رجعية لا تمد بالصلة الغايات المنشودة. حتماً، إن غياب الوعي والمعرفة عند المؤمنين، هو الذي جعل رجال الدين يفعلون كما يُريدون.

إذا رأيت حالة الكنائس في فترة حرب التحرير وحالتها اليوم، فستجد بأن هناك إختلاف بعد الإستقلال من خلال انتشارها ودخول بعضها في مشاكل ومنافسات غير متماشية مع رسالتها.

إننا نجد اليوم رجال الدين يكرهون ويحاربون بعضهم. هذه ظاهرة ناتجة عن الكراهية وثقافة الأفضلية “الشوفنية” بين المصلين ووسم بعض الكنائس بأنها كنائساً ليس بها الروح القدس، وبالتالي، لا تستطيع تحرير المؤمنين لأنها “ضعيفة” كأنهم من يوزعون الروح القدس على الكنائس! وتحويل منابر الكنائس إلى منابر لخطاب يرمي إلى الحشد القبلي والعشائري والسياسيّ، بدلاً عن بقائها كملجأ لتصحيح الأفعال غير الأخلاقية وتحرير النفوس من الضلال والبهتان وقبضة الشيطان.

إن كلمتي الصادقة، أيها الاخوة والأخوات، هي أن الغرض من وجود الكنائس ليس تضليل الشعب، وهي كذلك ليس مكاناً للتسول باسم الله ولكسب الرزق من خلالها مثل الشركات والمصانع التجارية؛ إن واقعنا يتطلب ضرورة تكثيف حملات التنوير والتثقيف والتوعية، لإنقاذ الناس من قبضة الثقافات الدخيلة التي تجعل المواطن يقفد الثقة في الكهنة ورجال الدين، ويراهم مثل التجار، وليس كحاملي الرسالة أو من يريدون غرس القيم والأخلاق في محيطنا الإنساني الاجتماعي.

الممارسات السلبية لرجال الدين في المجتمع السوداني الجنوبي

إن ممارسات رجال الدين لدينا تختلف تماماً عن تلك التي في الكتاب، والتي تتعلّق بتفسير النصوص الدينية وتبشير المؤمنين بالرسالة الصادقة، لكن هذا ليس هو الواقع، إذ أننا نجد رجل الدين اليوم أكبر مساهم في تفاقم الأوضاع الاجتماعية، ويُشارك في موضوعات تشوه صورته ومكانته الإجتماعية. وهذا في رأي الشخصي، ناتج عن غياب الوعي عند بعضهم وعدم معرفتهم للدور المنوط بهم تجاه الشعب، وغياب إهتماماتهم بطبيعة قضاياهم، لدرجة أنك تجد بعضهم يغوصون في صراعاتٍ غير مجدية وإنصرافية للغاية.

وهناك ظاهرة أُخرى وهي ظاهرة ظهور الأنبياء “بلا نبوءة”، والرسل “بلا رسالة”، وهؤلاء بلا شك هم الأنبياء الدجالين بالأكثرية الكاسحة. وقد شاهدناهم كثيراً في الأونة الأخيرة وهم يخدعون الشعب باستخدام أساليب “فضفاضة” حتى أنهم باتوا يدخلون في قضايا سياسية، مع العلم بأن الكنيسة مؤسسة دينية تعمل في الإطار الإجتماعي وتقدم المساعدة للمحتاجين ودعم الفقراء والبؤساء في المجتمع وخلق المشروعات التنموية والاجتماعية.

لكن واقعهم الحالي – واقع الكنائس ورجال الدين – بات مخيفاً ومخجلاً؛ لأن الأغلبية منهم الآن تقول إنهم أنبياء ورسل وواعظين ورجال الدين وصانعي المعجزات، لكن الواقع المعاش يعكس شيئاً آخر، بعيداً تماماً عن الازدهار الروحي والتحول الأخلاقي والسمو والفضيلة في المجتمع وخدمات حاجات الإنسان المعرفية وحاجاته الأساسية في الحياة.

هذه معضلة حقيقية، والطريقة الوحيدة لإنقاذ المجتمع من هذه المعضلة هي توعية المجتمع وتشجيع روح البحث والتحقق من المعرفة من مصادرها لفحص تحركات وأعمال هؤلاء بشكل دقيق بما يتماشى مع تعليم الكنيسة وعقيدتها.

دور الكنيسة تجاه المجتمع

يأتي دور الكنيسة المنوط بها تجاه المجتمع في عدة إتجاهات وأصعدة مختلفة، وتتمور في المحيط الاجتماعي من خلال إنشاء المدارس التعليمية والمعرفية والمهنية، وبناء المستشفيات والملاجي ودور الرعاية الاجتماعية، سواء كان للأطفال والمسنين، إلى جانب بناء المؤسسات الخيرية الطوعية التكافلية لخدمة المجتمع من خلال إستقطاب دعم مادي من جهات داعمة ذات صلة بهذه الأعمال الإنسانية المقدسة والملهمة التي ربما قد تجلب عائدات السعادة بالنسبة للإنسان المحتاج الذي في الحوجة للمساعدات في كافة المجالات الحياتية.

تقوم بعض الطوائف عكس أغلبيّة الكنائس في المجتمع السودان الجنوبي، ومن عيوبها، إنها لا تساهم في تنمية القدرات الشبابية كركيزة حيوية، وأفراد بمختلف فئاتهم العمريّة لتطلق مشروعات حضارية متمدنة في كافة المجالات التعليمية والتنموية للتطوير، وتحويل الكنيسة من مؤسسة دينية تعتمد على العبادة فقط إلى مؤسسة تعمل على رفع قدرات الإنسان، بدلاً عن ركوده من ناحية النمو المعرفي وازدياد الوعي والثقافة، معتمداً على طرق تقليدية رجعيّة وإنعدام ثقافة الحوار بين رجال الدين أنفسهم، ويعتبر تجدد خطاب العنف في أروقة الكنائس، معضلة وأزمة حقيقية تشوه مكانة الكنيسة وتشكّك في رسالتها؛ لأننا نجدهم يستخدمون الأساليب الهجومية العنيفة، ولا يطرحون مشاريع تنموية للنهوض بالكنائس وتحويلها من مؤسسات متسولة وإعتمادية، إلى مؤسسة نشطة عبر مشاريع محليّة تساهم في الإعتماد على الذات وفتح مؤسسات تعليمية، ومنظمات حيويّة تطوعية تجلب الدعم لرعاية فعالياته وأنشطته والاستفادة من خبرات المؤمنين المؤهلين والارتقاء بالمجتمع من كل النواحي.

مشروعنا مشروع التنوير المعرفي. والتنوير مستمر إلى حين تحقيق التحول والتغيير المنشود في المجتمع السوداني الجنوبي.

ولنا لقاء.
ramadanajakayang27@gmail. com.

Translate »