ليس لدينا صديق في الإقليم الكل يركض وراء مصلحته
واجوما نيوز
بقلم: بيتر يوانس مقوك “قادقوانديت”
واجوما نيوز
كانت قبل بضعة أيام فقط عندما كنت جالسا مع أصدقاءا و زملاء لي في أحدى الأماكن الذي دائما نجلس فيه نتناقش قضايا متعلقة عن الوضع السياسي و الإقتصادي المتقلب في بلادنا جمهورية جنوب السودان، وأحيانا نتناول الثقافات وأهمية تنوع القبائل والثقافات التي لدينا في دولتنا وكيفية المحافظة عليها وغرسها في عقول الشعب من أجل إحترامهم و تقديرهم. لان فى تنوع خرجت الدولة وفي الإختلاف خرجت تعدد القبائل و الثقافات التي بها كتبت الهوية و الإنتماء.
وفي ذات اليوم في أحدى الجلسات فوجئنا بمن يلقي إلينا تحية باللغة “لوغندا” إحدى اللغات الشائعة في دولة أوغندا الجارة، و عندما ديرنا رؤسنا نحوه بطريقة مستغربة من جلنا ونظرنا إليه، إبتسم الرجل ومن ثم ألقى إلينا تحية مرة أخرى باللغة الإنجليزية وطلب مننا إعطاءه بعض الوقت معنا ،لأنه يريد أن يستفسر عن شئ مننا. فرحبنا برجل وكرمناه بالجلوس معنا في المكان الذي كنا نجلس فيه كالعادة لنا.
وعندما جلس الرجل الأوغندي وأحظى بفرصة الجلوس معنا، بدء بتعريف نفسه إلينا وعن المهنة التي يشكله في بلاده. وبعد هذا المقدمة القصيرة التي أخذنا الرجل عبرها، إكتشفنا بأنه باشمهندس “مهندس” متخصصا في بناء السدود الكهربائية وله عقد تجاري مع إحدى الشركات الصينية التي لها عقد مع الحكومة الأوغندية في بناء سدودها الكهربائية في البلاد.
فبعد المقدمة القصيرة تلك واصل الرجل في حديثه وفي إستفساراته لنا حول السدود في جمهورية جنوب السودان و عن إذا كان هناك خطط من حكومة جمهورية جنوب السودان حول تشييد سداً كهربائياً في الدولة، فأجبته نعم لدى حكومتنا خطة كهذه في تشيد خزان وسداً كهربائي ينتج كهرباء محلي، وقبل أن أكمل حديثي قاطعني الرجل بسؤالاً عما إذا كان هناك لدينا أنهاراً يمكننا بناء تلك السدود منها.
فأجبته مجددا وقلت له: سيدي يبدو أنك لا تدري أي شيء عن جمهورية جنوب السودان وعن الأنهار الذي يوجد فيه، فزكرت له بعض الأنهار و البحيرات التي تنعم جمهورية جنوب السودان بها بما فيها النيل الأبيض الذي يعتبر أطول رافد في حوض النيل والقارة كلها و ثالث أطول رافد في العالم وعن إمكانيات ومقدرات جمهورية جنوب السودان في بناء سدا بل سدودا كهربائية على ضفاف النيل.
ومنه صمت الرجل قليلا و بدا عليه علامات الإحباط في وجهه، وبعد دقيقة من الصمت رد لي قائلا: حسنا، لم أكون أعرف بأن جمهورية جنوب السودان لديها أنهارا وبحيرات ومن ثم واصل في حديثه وذكر مواضيع كثيرة جدا، على أن الموضوع الذي أزعجني وقمت برد إليه سريعا. هو عندما لمح وذكر بأن الحكومة الأوغندية تبني حاليا سداً كهربائياً كبيراً في إقليم “كاروما” بمقدار 2800 ميقاواط، والأن يتم بناءه من شلالات “آيانغو” بين بحيرة “نيؤبا” و بحيرة “ألبرت”. بتكلفة 1,4 بليون دولار امريكي، تحت إخضاع شركة صينية والأن في مشارف الإنتهاء.
وأضاف في قوله: بأن هذا السد مخصوصا فقط لجمهورية جنوب السودان و إنشئت من أجل أن تمد دولة جنوب السودان بكهرباء، ومنه حاول الأوغندي إقناعي بأن هذا المشروع من ضمن مشاريع مجتمع شرق إفريقيا بهدف تزويد الدول التي لست لديها كهرباء بكهرباءا منه بمقابل رسوم سنويا ضئيلة من تلك الدول.
وقبل أن يكمل الرجل حديثه وطريقه شرحه لهذا المشروع، قمت بمقاطعته وقلت له بصريح العبارة بأن جمهورية جنوب السودان لديها تلك المقدرات في بناء أي سد تريده على ضفة النيل وأنها لا تحتاج بأن تستأجر كهرباء من دولة أوغندا أو غيرها من الدول الأخرى، وأن مجتمع شرق أفريقيا ليس له الحق في أن يجبر جمهورية جنوب السودان بأن يستأجر الكهرباء من سد “كاروما” الذي تبنيه الان دولة أوغندا. و إذا أخذت مثلا الإجراءات وأجبرت دولة جنوب السودان بإيجار الكهرباء من هذا السد، فسيكون الإنسحاب من المجتمع الخيار الأنسب لدولة جنوب السودان، لأنها دولة مستقلة ولها كل الحق في أن تبني ما تريد لها وما قد تنفع شعبها.
وبعد هذا التعليق الذي خرج مني بشكل عنيف، تراجع الرجل قليلا من حديثه ومن محاولته في إقناعي حول قبول طرحه في أهمية السد الذي لا أعتبره سوى محاولة للإستدراج دولتنا تحت مقبضتهم و إستغلال أموالها عن طريق هذا السد الخزي، الذي بني من أجل النهب والتحكم بدولتنا من هولاء الأنجاس عديمي الفائدة ومن ذلك المجتمع النجس الذي يسمى بالمجتمع شرق إفريقيا الذي لا تستفيد منه دولتنا ومواطنها منه سوى إهدار الأموال و الموارد فقط.
ومن ذلك الحديث الذي أجريته مع هذا الأوغندي، تيقنت لي بأن ليس لدينا جار شقيق يمكننا الوثوق به. فالكل فقط يركضون وراء مصالحهم فهنا الأوغندا تتمنى أن لا يكون لنا سدا كهربائي من أجل أن نستأجر منهم الكهرباء ويزودوه لنا من خزانهم الجديد و هناك دولا أخرى لا تريدنا أن نبني سدوداً كهربائبة في النيل الذي يمر عبر أرضنا ودولتنا بسبب تضاعف تدفق المياه لديهم.
وخلاصة للمقال، أحبابي أعزائي أود أن أختم بنصيحة قصيرة وأطلب من الأنظمة السياسية الموجودة في البلاد أن يضعوا سيادة الدولة في المقدمة وفوق كل شئ في كل الجلسات الإقليمية كانت أو الفردية، لأن أقل خطأ بسيط فسيدفع الدولة و مواطنها ثمنا باهظا من هذا الخطأ. لذا وجب الوقوف وقف الشهامة أمام النظراء عندما يتعلق اللقاء بمشاريع تمس سيادة الدولة وسيادة السواد الأعظم من الشعب السوداني الجنوبي الآبي. ولابدا لنا أن نبني سداً بل سدوداً كهربائية على ضفاف النيل بأي ثمن كان فعلينا أن نباشر لمثل هذه المشاريع التنموية و بناءها في داخل بلادنا..