6 أبريل موكب البسالة والتحدي
واجوما نيوز
واجوما نيوز- الخرطوم
بقلم : حاتم درديري
٧ ابريل ٢٠٢٠م
انطلقت ثورة ديسمبر حاملة معها فجر الخلاص من فترة عاشتها بلادنا الحبيبة عشنا في فيها انتكاسات وطنية وتفتح معها باب الأمل لإشراقات وطنية تودع فيها عهد الضياع والفشل.
بادر الرائد تجمع المهنيين ومعه قوى الحرية والتغيير بتولي زمام المبادرة في حمل مشعل ثورة وقيادتها اقتلاع المؤتمر الوطني أقتلاعا وظلت الدعوات في الخروج إلى المواكب باستمرار طيلة 4 أشهر وفي وتيرة متسارعة للإحداث، وكان النظام البائد بقيادة رئيسه المخلوع يرتجف في قصره يوما بعد يوم الذي بات يخشى على مصيره ومصير نظامه بجانب ثرواتهم التي سرقوها.
كان الناس يسألونني متى سيزول البشير ونظامه؟ مع طول أمد الحراك ومتى سنحسم المعركة؟ كانت إجابتي بأن معركتنا مع النظام ستكون طويلة والأفضل أن تكون طويلة لانه عند تحقيق النصر المؤزر سنعرف ما معنى قيمة التضحيات وبأهمية الوعي بالتغيير الجذري على عكس النصر السريع الذي سيبطرنا ولا نعرف قيمة التضحيات مثل ما حدث في ثورات أخرى والتحلي بالصبر والنفس الطويل ضرورة لأهميته عند البناء.
الرمزية التاريخية
قبل يوم من حلول ذكرى 6 أبريل 1985 الذي حكى لنا من عاصروه عن عظمة تلك الثورة التي أطاحت بجعفر نميري كان ينتابني الحماس الشديد خلال الاعوام الحالكة السواد وفي عز الإحباط وفقدان الأمل متى يا ترى سنشهد مثل هذا اللحظة التاريخية؟ لدرجة انه في احد منشوراتي على حسابي بموقع فيسبوك في 6 أبريل 2017 كتبت منشور (6 أبريل حتما ستعود)، قبل ثورة ديسمبر 2018 بعام ونصف وحسبت عمري في 6 أبريل 1985 الذي كان وقتها 6 شهور وثلاثة أيام وأصابتني الحسرة على عمر ضاع ومعي أجيال ولو كنا استغلينا الفرص التي كانت تأتي ألينا لما وصلنا لهذا الحال وكنت دائما انتقد ساستنا لأنهم يضيعون الفرص ومعها تضيع التضحيات واعمار الشعب السوداني.
لقد كنت رضيعا في تلك اللحظة التاريخية التي مر بها الشعب السوداني أما اليوم فلقد أصبحت رجلاً في نهاية عمر الشباب فهل سيكون في ذلك اليوم النصر وفتح الباب لعهد جديد أما سننتظر أياماً أخرى للحسم؟.
للأمانة والتاريخ لقد كان تجمع المهنيين السودانيين وقوى الحرية والتغيير موفقين في استغلال هذه المناسبة الوطنية التاريخية في تحديد يوم 6 أبريل تخليدا لذكرى سقوط نميري وارسال رسالة للديكتاتور عمر البشير أنك ساقط لا محالة واعتبرته تكريماً وعرفاناً ووفاء لتضحيات ونضالات ذلك الجيل الذي شارك في هذه الانتفاضة والتي شارك فيها كل السودانيين حتى ابناء جنوب السودان قبل استقلاله عام 2011.
المشهد الأول
في هذا اليوم ودون الأيام حضرت مبكراً عند الساعة 9 صباحا لمقر عملي السابق في صحيفة الجريدة لأراقب المشهد وأقيم الوضع على الأرض ولا اخفي عليكم لقد أصبت بإحباط شديد في البداية لماذا؟ لأن الخرطوم يوم السبت تكون في العادة ليست مزدحمة مثل الايام العادية ولكنها تشهد حركة غير عادية، وكانت الشوارع في وسط الخرطوم خالية مع بعض عربات الكجر القليلة، ولكن اللافت هو انتشار الكنداكات والشابات في كل مكان.
ووصلت للمكتب كان التوتر على أشده وسط ترقب حول ما الذي سيحمله لنا هذا اليوم كنت أراقب الشوارع من الطابق الخامس والخرطوم هادئة على غير عادتها.
جلست أتصفح الانترنت وأرصد اَخر الأخبار لهذا الموكب وأستمع لنقاشات الزملاء وكنت اشاركهم وأعلق وأقدم لهم توقعاتي وعند الساعة الحادية عشرة والنصف أحسست ان هذا اليوم مثل المباراة النهائية لفريق كرة القدم الذي اشجعه عندها زادت معدلات التوتر لدي وعند الساعة 12 ظهراً خرجت من الشرفة أو (البلكونة) وكأن اليوم ستحكي لنا الخرطوم حكاية أو رواوية جديدة عن بطولات تاريخية سنرويها للاجيال القادمة وأنها تحبس انفاسها استعدادا لحدث كبير ورغم خلو شوارع الخرطوم شعرت بلحظة النصر أنها باتت قريبة لأول مرة منذ اندلاع الثورة ولا أدري من أين جاء هذا الشعور؟
بداية الموكب
وعند الساعة 12 والربع بدأ الناشطون وأصدقاء الجريدة يتوافدون على مقرها إيذاناً لإعلان ضربة البداية والخروج وكما نقول بالسوداني (نفسي اتقطع خلاص الساعة واحدة متين هتجي).
وعند الساعة الواحدة الا عشر دقائق ظهراً خرجنا من الطابق الخامس عبر السلم وذلك نظراً لتعطل المصعد الكهربائي وعند وصولنا الطابق الأرضي وجهنا حارس العمارة بالعودة لأن هنالك أمنجية وكجر بجوار المبنى وبالفعل نما لعلمنا اعتقال الزميلة سارة ضيف الله وبعض الزملاء وأن الزملاء بشبكة الصحفيين تم تفريق موكبهم وأصيبت الزميلة عازة أبوعوف بعلبة بمبان في قدمها ولبنى عبدالله بضيقٍ في التنفس ورأينا عربة لجهاز الامن اعتقلت مجموعة من الكنداكات.
موكب التقاطع
رجعت لأراقب الوضع من الطابق الخامس مرة أخرى ورأيت من على البعد موكباً يتحرك في شارع المك نمر مع تقاطع شارع السيد عبد الرحمن قادماً من اتجاه مستشفى الخرطوم وكان معي الزميلان سيد أحمد إبراهيم ومنصور أحمد عثمان قلت لهم بالعامية نراقب مقاومة الموكب للبمبان والقمع قلت لهم ( والله يا جماعة ان ما نزلنا سندنا الناس ديل يبقى ما فينا فايدة وما رجال) فنزلنا مرة اخرى وعند النزول كان في شارع أبوسن الزميل عيسى جديد بصحيفة اَخر لحظة يهتف تسقط بس فهتفت حناجرنا ذلك الشعار المحبب وكانت محلية الخرطوم حفرت حفرة عميقة على ما اعتقد لصرف صحي في شارع 21 أكتوبر ( يعني وقفنا في شارع ثورة برضو شوفوا بالله) المهم الحفرة كانت عميقة يعني (ترس ظريف لو الكجر جا بيقع فيهو) ووقفنا بجوار صحيفة الأخبار والتحق بنا الزميل وتلميذي ادريس جيلي رفقة زملائي سيد أحمد ومنصور بجانب عيسى جديد ووجدنا أستاذنا عبد الناصر الحاج يقف أمام الصحيفة يلوح بعلامة النصر ومعه الزميلة أم زين اَدم ومشاعر دراج وناهد الحاج بصحيفة الأخبار وزغردن بصوتٍ ثوري وهتفنا (الليلة تسقط بس و(سقطت سقطت يا كيزان) (سقطت سقطت علي عثمان) وقمت أنا باستلام الهتاف بصرخة عالية فرغت فيها غبن وغضب السنين وانكسارات وخيبات 30 عام من الهزائم والتراجع وهتفت ( نافع ما نافع وعلي عثمان عاملين كيزان كيزان على مين يا مجرمين).
كنا حوالي أكثر من 10 اشخاص في شارع 21 أكتوبر نهتف لوحدنا قرابة النصف ساعة وعندما نظرت خلفي تفاجأت بقدوم حشود ضخمة قادمة من شارع القصر عبر شارع 21 أكتوبر نحونا واندهشت من أين أتى هولاء أليست الخرطوم اليوم خالية؟ وقفزت إلى أعلى وكدت أموت من الفرح وقمنا بتتريس الشوارع ولحق بنا مدير تحرير صحيفة الجريدة ماجد القوني وأشرف على هذه المهمة بنفسه وقام بها على أكمل وجه بعد أن أمنا المداخل والمخارج نحو موقعنا القديم توجهنا إلى شارع السيد عبد الرحمن وجدنا الاَف قد وصلوا ليلتحموا مع الموكب.
الكر والفر
وصلنا ووجدنا كتائب الظل والكجر والشرطة على عادتها تستخدم القمع المفرط واستعملنا تكتيك الكر والفر في مواجهتها بين الازقة وكان زقاق مستشفى الزيتونة أحد الاماكن التي نختبئ ونخرج منها من جديد واجهتنا بالبمبان والرصاص الحي لإرهابنا ولكن عزيمة وإصرار الثوار وتحديهم للموت والرصاص أجبرهم على التراجع وتمكنا من فك الحصار على موكب المك نمر مع تقاطع شارع السيد عبد الرحمن.
الأراجيف الرخيصة
واجهت القوات الأمنية من شرطة وأمن طلابي وشعبي وأمن ومخابرات الموكب بعنف وأطلقت علينا وابلاً من الرصاص والبمبان ولكن صمود الثوار وبسالتهم وشجاعتهم في مواجهة الصلف والقمع أجبرها على التراجع والانكسار أمام عزيمة الثوار ولم يستطيعوا كسرهم وأروي هذا لأن إعلام النظام البائد وأشباه الصحفيين الذين صنعهم جهاز الأمن والمخابرات الوطني دأبوا على زرع الخزعبلات وتضليل وتبخيس الثورة بأن المجرم السفاح صلاح قوش شريك في التغيير وفتح الشوارع المؤدية إلى القيادة العامة للثوار ونقول لهم لقد هربت قواتكم البائسة التي انهكها الثوار وهزمتهم واندحرت مهزومة معنوياً وسياسياً في كل المواكب منهم وحاولوا بكل ما أوتيوا من قوة منع وصول الثوار لشارع القيادة ولكن إرادة الشعوب لا تهزم أيها البائسون المأجورون يا مدوفوعي القيمة.
الدخول للقيادة
وفي الفصل الأخير من معركتنا قامت القوى الأمنية بإطلاق أعيرة نارية في الهواء واستلقينا على الأرض وبعدها قامت قوات الجيش التي كان عند مدخل التقاطع الشرطة بالابتعاد عنه باعتباره أحد مناطق الجيش وقامت القوات بإزالة السلك الشائك وفتح الطريق أمام الثوار وقالوا لنا (خشوا) عندها لم اصدق عيني هل أنا في حلم؟ أم نحن نعيش واقعاً قام الثوار بعناق بعضهم البعض وهتفوا (حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب سقطت سقطت يا كيزان) وعندما قررنا التقدم صادفت الصديق عمار عوض وتعانقنا غير مصدقين ورأيت الزميل المصور إبراهيم نقد الله يهتف سقطت سقطت يا كيزان قمت حملته على كتفي وركضنا وكانت الدموع تنهمر من عينيه فتوجهنا إلى القيادة العامة ويلتحم بنا موكب اَخر من شارع المك نمر قادم من اتجاه الجسر وفي تلك اللحظة تذكرت عبارة حميد (واصلين الما بيتأجل اليوم الشمسو قوية) وفعلا كانت أشعة الشمس قوية في ذلك اليوم.
عند وصولنا الساعة الثالثة ظهرا على ما أّذكر وجدنا الحشود الموجودة ضعف حشدنا بكثير بعدها جاء حشد بري والخرطوم بحري.
جنون الكجر
فقررت أن أعود للمكتب لأحضر هاتفي النقال لأوثق ولو جزء بسيط من هذا الحدث التاريخي، فعدت في نفس الشارع وكانت الحشود تتوالى على القيادة العامة عبر شارع السيد عبد الرحمن كالسيل المنهمر، وصلت وحملت هاتفي لأعود وفجأة أعيد الانتشار الأمني والطوق الامني من جديد وكان الامنجية بكافة تشكيلاتهم غير مصدقين لما حدث فكانوا يضربون كل من يفكر الذهاب إلى القيادة حتى من لا يريد ومن شدة الارتباك والجنون الذي أصابهم الذي في الشارع عدت لبضع دقائق للمكتب لأرى ان مكتب الأمن الاقتصادي الذي هو بالقرب منا أصبح مركز اعتقال وكان الزميل أيمن مستور بطريقة ذكية كعادته أيام المواكب يوثق من شرفة الطابق الخامس كل تلك الانتهاكات وامتلأ الحوش بالمعتقلين شفاتة وكنداكات ورغم ذلك لم يمنع عزيمة من في الخارج التوجه إلى القيادة ونزلت من المكتب واخترت الأزقة السرية للوصول للقيادة مرة أخرى وسط حركةٍ حذرة وعندما وصلت ارتكاز الجيش في شارع السيد عبد الرحمن اطمأن قلبي ووصلت لشارع القيادة عند الساعة 5 مساء.
التوثيق للحظة
بدأت أوثق بالفيديو والصور والمشاهد وابداع الثوار في أبتكار هتافات جديدة وظهر هتاف لأول مرة (أحن الجيل الراكب رأس ما بيحكمنا رئيس رقاص) وكان الكنداكات يهتقن بـ(وداد أم جضوم الليلة ما بتنوم)و(شفاتة جو بوليس جرى) وأثناء توثيقي للمشهد نادى علي أحد الاشخاص فعندما التفت كانت الزميلة ميعاد مبارك والتي كنت أعمل معها في تغطية انشطة القصر الجمهوري ومجلس الوزراء ووزارة الخارجية فضحكت وقلت لها (مش نحن كنا أول أمس سوا في القصر بخصوص زيارة الرئيس التشادي ديبي ليه ما وريتني انك طالعة انا ما كنت متخيلك هتطلعي) فالتقطنا صورة سيلفي تذكارية لهذا الحدث التاريخي تناقشنا حول تداعيات نجاح موكب اليوم على جبهة النظام الداخلية.
شائعة التنحي
عند الساعة السادسة مساء فجأة سرت شائعة مفادها ان المخلوع المحكوم عليه بالإصلاحية قرر التنحي عن السلطة وركض بعض الثوار نحو بوابات القيادة العامة مصدقين للنبأ ولكنني لم أصدقه لقناعتي التامة ان هذا الرجل المريض لن يرحل بسهولة ولكن أعلنها الشعب بصورة قاطعة أما السقوط والعيش بكرامة وأما الموت في هذا اليوم وظللت استمع للأنباء المتواترة التي كان معظمها غير صحيح قبل وبعد الوصول للقيادة العامة.
إقتراب النصر
شعرت لأول مرة أن ميعاد النصر أقترب وأننا سنودع حقبة من تاريخ وطننا العزيز حققبة ساد فيها التكفير والتجارة بالدين والهوس الديني وعرف فيه السودان جرائم الإبادة الجماعية في دارفور والقصف بالانتنوف في جبال النوبة والنيل الأزرق واشاعة الفتن القبلية بين السودانيين في أي رقعة جغرافية حقبة شهدت تدهوراً في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دمار في في كل شئ وضياع للسيادة الوطنية ستظل أسوأ ما كان في هذه الحقبة السوداء هو التطور الخطير والفظيع لقضية الحرب في جنوب السودان التي كانت قضية سياسية منذ إستقلال السودان عام 1956 ولأنه كان لديهم مشروع حضاري يتمثل في اقامة خلافة إسلامية يجب ان يركعوا المواطنين السودانيين في كل مكان وكانوا يعتبرون جنوب السودان العقبة الكؤودة في ذلك الوقت، وتحت راية دولتهم الدينية قسراً قاموا بصبغة الحرب الأهلية ثوب الجهاد والعروبة والعرق ومارسوا أبشع انواع التفرقة القبلية في جنوب السودان والتي إلى اليوم يعاني منها، وخدعوا فيها الشباب بالشهادة والحور العين سقط في عهدهم خلال هذه الحرب 2 مليون في حرب عبثية وليتهم اكتفوا بهذا فلقد انفصل جزء عزيز من بلادنا بقرار عبر الإرادة الشعبية الحرة لشعب جنوب السودان الذي قرر الانفصال عن السودان وأصبح دولة ذات سيادة وأؤكد في العهد الجديد احترامي لقرار هذا الشعب لأن من يطالب بالديمقراطية يجب ان يحترمها ويقبل نتائجها حتى لو كانت مرة.
هجوم الشرطة
مع حلول الغروب ورفع أذان صلاة المغرب عادت الشرطة لتهاجمنا من جديد وقذفت بالبمبان من على البعد وشعرنا بالاختناق وتوجهنا لنحتمي بأسوار القيادة (الدرابزين) واشتد القذف وجاءت الشرطة وحاصرتنا حصاراً مطبقاً ولأول مرة نتلقى هذا العدد من البمبان وكان أسوأ ما فيه انه يطير بصورة لولبية وعنقودية في الهواء ويتساقط ومعه رائحة قاتلة سقط خلال هذا الهجوم الكثير من الثوار على الأرض وفي تلك اللحظات لم اتمالك نفسي وسقطت على الدرابزين ثم وجاءت إحدى الكنداكات رشت الفانتا على وجهي وتحسنت قليلا وجاء رفيقها ليضع النيم على وجهي وعيني وبدأت حالتي في التحسن بعدها قامت قوة من ضباط الصف الجيش بالتحرك بالدوشكا والبنادق وطردت قوات الشرطة من محيط القيادة.
رغم بعض التعب توجهت شرقا والتقيت شقيقي الاكبر حسن العطار رفقة زملاء دراسته راشد خلف الله وطارق مطر وحسبو الذي احب أن اناديه (العم حسبو) وأبا شندي زملاء دراسته في جامعة الخرطوم بمجمع شمبات الزراعي وهم اصدقاء الأسرة كذلك وكان الملفت للنظر في القيادة كثرة الموسيقين الذي جاءوا ومعهم الالات الموسيقية الكمان والمكنجة والمزمار ويعزفون الالحان الوطنية والنشيد الوطني.
العودة الشائكة
مع حلول الساعة السابعة والنصف كان قسمي الاخبار والسياسي بصحيفة الجريدة ينتظر مشاهداتنا لأننا قررنا في اجتماع التحرير الصباحي كتابة عدد خاص عن هذا الموكب وكلفتنا بتغطية هذا الموكب رغم محاذير حالة الطوارئ التي فرضها المخلوع لوأد وإخماد الثورة التي أثبتت عمليا أنها كانت محاولة يائسة منه بيد أن المخارج كانت مغلقة تماما من جميع الاتجاهات من قبل الامنجية وفي جميع المداخل للقيادة وكان الثوار يستفزونهم بهتاف ( تعالوا تعالوا الحل في شنو.. الحل في البل) ووجدت شارع التيجاني الماحي من القيادة لا يوجد به أي ارتكاز فخرجت وامشي الخطوة بحذر شديد لأن الخرطوم شرق كانت ملغمة بكاملها من الامنجية والكجر ولحسن الحظ لم يكن يوجد بالشارع أي إنارة فرصدت من على البعد حركة للامنجية فعرجت نحو أحد الازقة الداخلية وعبره وصلت شارع علي دينار وعدت لشارع 21 اكتوبر الذي انطلق منه موكبنا الذي يقود لمكاتب الصحفية وتذكرت وجود مبنى الأمن الاقتصادي وغيرت الطريق نحو شارع مصطفى الامين وبحمد الله وصلت عمارة الحديد والصلب وتفاجأنا بأن إدارة التحرير تم إخطارها بأنه سيتم مراجعة العدد قبل الصدور عندها تأكدت أننا لن نصدر في اليوم التالي، وعدت إلى المنزل متأخراً وعند فجر السابع من أبريل سمعنا بأنه تم الهجوم على المعتصمين وسقط حوالي 5 شهداء منهم المصور الشهيد ماَب حنفي وان كتائب الظل والامن الشعبي هي من هجمتم عليهم وتذكرت لحظة الهجوم علينا من قبل الشرطة بالمبان عند اذان صلاة المغرب وسألت نفسي ماذا ولو من كان هجم علينا كتائب الظل في تلك اللحظة وليس الشرطة؟ بالتأكيد ربما لكنا الاَن في عداد الاموات بدم بارد من عصابة مجرمة لا تعرف قيمة للانسان.
المجد والخلود لشهداء الوطن منذ العام 1989
المجد والخلود لشهداء ثورة ديسمبر
المجد والخلود لشهداء مجزرة القيادة العامة