مؤتمر أعالى النيل: عندما تعلق “أطراف السلام” فشلهم على حائط
واجوما نيوز
بقلم : فرانسيس مايكل
واجوما نيوز
يبدو أن الرأي المؤيد والمعارض لقيام مؤتمر مجتمعات أعالى النيل المزمع انعقاده في جوبا في الفترة المقبلة ورغم تأجيلها الى وقت لاحق ، تصحبها العديد من التكهنات في ظل الواقع “السياسي والإجتماعي” الذي عجز فيه قادة المعارضة والحكومة في إيجاد أرضية مشتركة لحل الأزمة ، ولا سيما أزمة الصراع نفسها ما بين من يعتقد في نفسه قائداً إلى الأبد ومن يؤمن بأكاذيب تاريخية.
قبل فترة عندما تعقدت أمر أعالى النيل واعلن الرئيس سلفاكير ، بصورة واضح أنه لن يقوم بتعين مرشح المعارضة في منصب الحاكم لأسباب “أمنية تحت غطاء القبيلة” ، محججا بان المرشح سيقوم بإشعال الحرب في الولاية ، كان في المقابل حسابات الرفض وإصرار المعارضة على المرشح لها أبعاد سياسية بدرجة قليلة من أبعاده القبلية بالإمتياز.
فالرئيس سلفاكير ، لا يُفرِض أو يتجاهل خطر من يهدد استمراره في السلطة ، كما أن مجتمع افدانق يمثل ذلك بنسبة لسلفاكير “حليف سنوات الحرب” ، واما المعارضة فقد فشلت في تمرير أجنداته وتحقيق طموحات “حليفه” ايضاً ، وتشتعل حسابات المضاربة السياسية “السلطة” مقابل “الأرض” الكل رابح وخاسر ، ف”مشار” يعيش حالة من الضعف داخل صندوق المعارضة بعد فقدانه العديد من أنصاره بسبب السلطة في الأونة الأخيرة،بل واصبح يخاف أكثر من فقدان حليفه الأقوى والأشرس في أعالي النيل مجموعة “أقويليك”.
فيما يتضح من فكرة قيام مؤتمر أعالى النيل وجود تقارب كبير بين الإثنين ، يتعلق بتقاسم السلطة وتجنب العودة إلى الحرب ، وترميم تحالف ما قبل الحرب في العام 2013، “كير رئيسا ومشار نائباً” وقد نشهد تحالفات جديدة وخير المثال فشل المعارضة في مؤتمرها الأخير في إقناع شعب جنوب السودان بطرح أفكار جديدة ربما للمرحلة المقبلة لنعيش مرحلة الحركة الشعبية كما سبق.
قد يتساءل البعض لماذا مؤتمر اعالى النيل الأن ؟ ، ونقطة الخلاف “قضية سياسية”، وهذا ما يجعلنا ايضا نتطرق إلى الراهن السياسي المتعلق بتنفيذ اتفاق السلام والذي خرج تماما عن ما هو منصوص عليه ، وأصبح ينفذ السلام على حسب ما يوافق مُزاج “كير، مشار”، او ما تحقق مصالحهم الشخصية ، ف” رياك” يخاف الحرب مجددا لأن هذا سيكون حرب خاسر، وكير يخاف تهديدات الإقليم والعالم.
ما ينقص الراعي العام في جنوب السودان هو شكلية الإتفاق السري بين “كير ومشار” وهي همسه شفوية غير مكتوب اقرب الى همهمة، بشأن تنفيذ السلام ، فقد ذكر لى أحد المقربين من المعارضة يوما ان رئيس الحركةالشعبيةفي المعارضة الدكتور “مشار” وصل الى قناعة تام بعدم خوض الحرب ، واختار العمل مع كير على حساب قياداته وجنرالاته في الجيش ، الذين أصبحوا يوما بعد يوم ينشقون وينضمون الى معسكر “كير” بسبب فقدان الثقة ، بجانب اتهامات بسيطرة زوجته على زمام الأمور في الحركة.
ظهر مؤتمر أعالى النيل ، من حيث لا يدري الجميع وأن كان الاتفاق نص على المصالحة عبر جسم يتم تكوينها ، ليقوم بمهام اعادة رتق النسيج الإجتماعي الذي دمرتها الحرب فما هو حسابات هذا المؤتمر من الجانب الذي لايشبه مجتمعات اعالى النيل في قيامه قبل نهايته التي تنذر بعواقب ، اذ كان من الافضل حل القضية ودياً وسياسياً بدلا من زج “مجتمعات” في حلقة حلزونيه بلا مخرج له بسبب النسيج الإجتماعي المتباعد ،وخير المثال توالي الأحداث في ملكال من جرائم القتل تحتاج للعدالة من ثم المصالحة والشفاء وإجبار الضرر ، ولكن لماذا نسبق الأحداث بسبب طموحات البقاء في السلطة؟..
ينظر مشار ، كطرف الاول في صراع أعالى النيل ، أن المؤتمر قد يخرجه من مأزق “أقويليك” بحنك سياسي يستند على مُخرجات المؤتمر ، أن كانت إيجابية أو سلبية ، فمشار يدق على وترين ، “سلبية وإيجابية نتائج الاجتماع” ، عكس “كير” الذي يدق على “سلبية” نتائج المؤتمر للحفاظ على مجتمع “أفدانق ” وإجبار مشار ، على تغيير مرشح المعارضة.
على أي حال فان سلبية نتائج المؤتمر أمر متوقع وليس بخبر جديد لكل من يتابع الأحداث ، وهذا برفض تعيين أولونج ، وبتالي يكون انعكاسه شق صف المعارضة، أما مجموعة سلفاكير ، ستعيد تشكيل أوراقها شمالاً وغرباً لبناء تحالفات جديدة ترمي بالكرة في ملعب أقويليك.
كل هذه السيناريوهات سيكون لها تقلبات سياسية وعسكرية في صفوف المعارضة عكس مجموعة كير ، الذي سيكون هو الرابح الأكبر من نتائج المؤتمر ، “التوصية بتغيير مرشح المعارضة كما هو الحال “، وينتهي المؤتمر بقانون النهائيات المعقدة ووضع المعادلة تحت الجبر الضرر.
أما السيناريو الثاني وهو أمر مستبعد في نظري نسبة ، أن المشاركين في المؤتمر يمثلون “المعارضة والحكومة” وليس بسكان اعالى النيل الأبرياء ، وهذا ظهر في بيان رياك مشار ، والذي أعلن فيه عن المشاركين في المؤتمر ، دون سند واضح تشير الى مشاورة مجتمعات أعالى النيل لتمثيل أنفسهم ، ولم يطرح الرئيس كير ونائبه مشار ” سوالاً او الإجابة عليه .. من هم سكان أعالي النيل؟.
ما نريد قوله هنا ، قد يتفق البعض او يختلف في الرأي ، وهو أن أزمة أعالى النيل “سياسية” في مقام الاول وتم تحريف الأمر إلى صراع قبلي ، ونجاح فيه “مشار وكير” ، وطالما الازمة سياسية ليس هناك مُخرج إلا حل سياسي، فقرار تعيين اولونج اوغيره في المنصب من “النوير او الشلك او الدينكا” لا يغير شئياً على أرض الواقع ، في وقت لا يزال “الأطراف المتحارب تستخدم نفس العقلية في حل الازمة”.
ختاماً: قضية المصالحة في أعالى النيل ، أمر يخص قبائلها وهم قدوة وقادرين على تحقيقها اليوم اوغدا ، لكن عندما يختلط حابل السياسة بنابل المجتمع حتماً امره الفشل ، وهذه رسالة يجب أن تصل للأطراف، بتعليق فشلهم على مجتمعات غير متصالحة و متعايشة مع بعض في الوقت الحالي وهذا لا يحقق نتائج إيجابية وقد يتعقد الامور أكثر من ما هو متوقع.