قبلنة الامتيازات /الامتيازات القبيلية.
واجوما نيوز
بقلم :أديسون جوزيف
واجوما نيوز
(المشكلة مع الايبو هي أنهم يريدون أن يسيطروا على كل شيئ في هذا البلد. لماذا لايمكثون في شرقهم؟ أنهم يمتلكون كل المحال؛ يسيطرون على الخدمة المدنية حتي البوليس. إذا تم القبض عليك لأية جريمة طالما تقدرين أن تقولي كيدا “عبارة تعني كيف حالك” سوف يطلقون سراحك). هكذا تحدث أحد المنزعجين من الامتيازات القبلية في دولة مابعد الاستعمار نيجيريا إيلي أولانا في رواية نصف شمس صفراء للكاتبة النيجيرية تشيماندا نجوزي .
مصدر الانزعاج يأتي من رصد لظاهرة وهي تمتع فئة اجتماعية بميزات تفاضلية وتفضيلية عن المجموعات الأخرى وتعرف بالمفهوم الامتياز كمفهوم توضيحي لغياب العدالة بين الفئات الاجتماعية.
أغلب الكتابات التي تتناول مسألة الامتيازات يغلب عليها الطابع السردي والشكوي من مظاهر الامتياز مثل رصد حجم تمثيل المنتمين لقبيلة الدينكا في مؤسسات الدولة؛ عسكرية ومدنية بشكل كبير. الفرص غير المتساوية في الحصول على الوظائف والمحاباة في تعامل القوات النظامية (نقاط التفتيش ومراكز الشرطة).
وبالرغم من أهمية التعرض بأمثلة من الواقع لأشكال عدم المساواة التي تتناول بهذه الطريقة قد تكون قاصرة وسطحية في أحيان كثيرة لأنها لا تعطي صورة كاملة لتفسير ظاهرة الامتيازات.
يشير مفهوم الامتياز إلى تحيزات تفاضلية للفئة المستفيدة من بنية أو نظام اجتماعي سياسي غير عادل. تحتل الفئة موقعاً اجتماعياً سياسياً مختلفاً مقارنة بالفئات الاجتماعية الأخرى بسبب الغياب المنهجي للعدالة. ويتجسد في أشكال مختلفة اقتصادياً قانونية ثقافية وغيرها، يرتبط مفهوم الامتياز بالسلة بمعنى أي تحيزات تفاضلية ليست ناتجة عن السلطة لايمكن ان نطلق عليها امتياز. والتطبيق العملي للمفهوم يوضح قصور الخطاب الذي يختزل الامتياز في الانتماء العرقي القبلي الجغرافي للفئة صاحبة الامتياز، نجد في مثال السودان شمالاً وجنوباً، إن الامتياز للمناطق الشمالية ووسط السودان كانت لانعدام التنمية المتوازنة بسبب سياسات الاستعمار “فرق تسد” وتصميم هيكل اقتصادي على منتج واحد مما أدى إلى تمركز التنمية في شمال ووسط السودان، كان من الطبيعي أن تمتلك تلك المناطق امتيازات على حساب الجنوب، فعامل أن الشمالين استعلائيين وسيئين ليس عاملاً محدداً في خلق هذا التفاوت، لأن الظاهرة لم تكن مقتصرة على السودان فقط، ففي كينيا على سبيل المثال ترك الاستعمار السلطة والثروة لنخبة محددة من قبيلة الكيكيو ليس لأنها قبيلة سيئة وإنما استفادت من مزايا نظام سياسي على حساب الآخرين. و أيضاً نيجيريا ليست استثناءً من القاعدة حيث ورث الاقليم الجنوبي ميزات تفاضلية عن الأقاليم الأخرى، فالتعالي والاستعلاء نتيجة لعلاقات عدم التساوي مما يجعلها الفئة صاحبة الامتياز، ولذلك يستخدم كسلاح للتحقير من شأن الفئات الأخرى.
إن واقع الامتياز في جنوب السودان مرتبط أيضاً بالسلطة فالفئة المسيطرة على الجنوب اقتصاديا وسياسيا تمثل مركز قوة رئيسي داخل الحركة الشعبية أو ما يعرف بدينكا بحر الغزال، المعروف أن الحشود القبلية لعبت دوراً كبيراً في تكوين الجيش الشعبي، ولذلك تأسست مراكز قوى داخل الحركة والجيش الشعبي على أساس قبلي، وعندما استلمت السلطة في جنوب السودان بعد اتفاقية نيفاشا كان لمركز قوة دينكا بحر الغزال نصيب الأسد في السلطة، ولجأ هذا المركز إلى استخدام وسائل مادية ومعنوية لتكريس هيمنته على السلطة عبر خلق قاعدة اجتماعية من الأقارب لأفراد العشيرة والقبيلة من خلال توظيفهم في مؤسسات الدولة الأمر الذي خلق وضعاً تفضيليا للقاعدة الاجتماعية (الافراد من الدينكا الذين لديهم علاقة مع أصحاب السلطة) على الآخرين. أطلق الجمهور عدة تسميات لوصف القواعد الاجتماعية المختلفة لاصحاب السلطة مثل باب العزيزية وغيرها. وهذه الظاهرة أيضا منتشرة في دول أخرى وليست مقتصرة على الدينكا، فقد تقلدت حركات الكفاح المسلح السلطة مثل يوغندا وماحدث في حركة المقاومة الوطنية حيث يتمتع الاقليم الغربي بالتحديد قبيلة الانكولي (قبيلة الرئيس موسفيني) بمزايا تفاضلية عن الآخرين نتيجة لمراكز القوة داخل حركة المقاومة الوطنية حيث يمثل الانكولي والغربيين الثقل الأكبر في الحركة. بالإضافة لرواندا فلديها مثال مشابه مع تولي الجبهة الوطنية السلطة حيث تشكل قبيلة التوتسي القاعدة الاجتماعية للحركة مما ساعدها في الاستفادة السلطة بالتمتع بالامتيازات.
من خلال هذه الوقائع نجد أشكالا مختلفة للامتيازات للاقارب واهل اصحاب مراكز القوة والسيطرة مثل التوظيف في الخدمة المدنية والحصول على المنح الدارسية الخارجية، ونهب الأراضي والانحياز لصالح مجتمعات محددة في الصراع حول ندرة الموارد بين المجتمعات المحلية. ولكن يرتبط الحصول على كل تلك الامتيازات بعامل أساسي ورئيسي هو العلاقة مع أصحاب السلطة، أما عامل الانتماء القبلي فهو ثانوي ويؤكد ذلك أن هنالك مجموعات من قبائل أخرى لديها تحالف مع اصحاب السلطة ويتمتع أقاربهم بتلك الامتيازات كالمكافأة على الولاء للسلطة، وفي بعض الأحيان يكون هذا على حساب قبيلة الدينكا، ويظهر هذا في مثال واضح وهو صراع مجتمع دينكا في ولاية أوريغون روينق السابقة مع تعبان دينق في امتلاك الأراضي حيث انحازت السلطة هنا لصالح تعبان دينق.
في مقارنة حول مدى تمتع أغلبية الفئات المستفيدة من الامتيازات نجد أن الامتيازات في شمال السودان بالرغم من التباين الطبقي إلا أن مجموعات كبيرة من المواطنين مواطنين استفادت الامتيازات التنموية بالحصول على الخدمات مثل التعليم والكهرباء والطرق إلخ. بينما في الجنوب فالاستفادة من الامتيازات محصورة وسط الدائرة الضيقة للمسؤول حيث تعيش مناطق الدينكا في انعدام لأبسط الخدمات بالرغم من تمتع أفرادها في السلطة بالثروات.
نستنتج من كل ذلك أن الامتيازات في جنوب السودان هي مزايا وامتيازات سلطوية محدودة، وسط اصحاب السلطة والدائرة المحيطة بها ولكن تم إعطائها أبعاداً قبلية، نطلق عليها قبلنة الامتيازات اي جعل الامتيازات تأخذ شكلاً قبائلياً. قبلنة الامتيازات هي ابن شرعي لسلالة مفاهيم تسييس العرق، ولايمكن ان نطلق عليها امتيازات قبائلية لأن القبيلة عامل ثانوي ومتغير للحصول عليه قد تكون الصداقة والانتماء الحزبي للحركة الشعبية والولاء للسلطة وتشكل كلها عوامل مصاحبة للحصول على الامتيازات. مسالة الامتيازات قضية مرتبطة بالغياب العدالة الاجتماعية داخل سياق علاقات القوة والسيطرة التي تحدد الفئة المستفيدة من الامتياز وفقا مصالح النظام في تكريس الهيمنة واعادة انتاج الاجتماعي للسلطة