عامان منذ توقيع إتفاقية السلام فى جنوب السودان: جرد حساب

واجواما نيوز: بقلم: د. لام أكول

12 سبتمبر 2020

قبل عامين من هذا اليوم تم التوقيع على الاتفاق المنشط بشأن حل الصراع في جمهورية جنوب السودان في أديس أبابا، إثيوبيا. لقد كان الجنوب سودانيين الذين اُرهقهم الحرب اللعينة يعلقون الكثير من الآمال على تنفيذ هذا الاتفاق. كان من المأمول أن يسود السلام وأن تتم السيطرة على إنفراط حبل الأمن حتى يتمكن المواطن  من المضى قُدماً فى ممارسة حياتهم العادية دونما قلق.

لقد خاطب الاتفاق العلة في النظام السياسي لجنوب السودان، وحاول طرح برنامج من شأنه، إذا ما نُفذ بأمانة وصدق، أن يمهد الطريق لإجراء إصلاحات وإفصاح المجال للتنافس السياسي. والواقع أن البرنامج هو برنامج حد أدنى مشترك لإدارة البلاد لمدة ثلاث سنوات من مرحلة انتقالية أخرى. بعد مضى عامين ماذا  حقق إتفاق السلام؟

بادئ ذى بدء، تستحق أطراف الاتفاق الإشادة  لتقيدها بوقف إطلاق النار الدائم في جميع أنحاء المناطق التي تسيطر عليها. وبصرف النظر عن المناوشات هنا وهناك، فإن وقف إطلاق النار عموما قائم . ولم نجد علاقة مباشرة بين القتال النشط والمستمر الذي يدور  في الوقت الراهن بأطراف الاتفاق. يُعزى هذا القتال إما إلى الاشتباكات بين قوات جبهة الإنقاذ الوطني الرافضة لإتفاق السلام والقوات الحكومية في ولاية الاستوائية الوسطى، أو نتيجة للاقتتال الداخلي وبين المجتمعات المحلية بين المواطنين المسلحين، ومعظمهم فيما بينهم وأحياناً مع القوات الحكومية. معظم هذه المعارك تدور في قوقريال ورمبيك وتونج  وولاية جونقلي، وقبل بضعة أيام بين تويج في ولاية واراب وبُول فى ولاية الوحدة. بيد أن الأمن غير قابل للتجزئة، ولذلك يجب على الأطراف أن تعمل على مدار الساعة لضمان أن تصمت المدافع  في جميع أنحاء البلاد.

ولكن يبدو أن ذلك بمثابة الإنجاز الوحيد الذي يمكن أن يفخر به الأطراف في تنفيذ الاتفاق. ولو كان التنفيذ قد مضى وفقا للجدول الزمني، لكنا الآن في خضم عملية وضع الدستور الدائم ولم يتبق سوى ثلاثة أشهر لتقديم مشروع  الدستور الدائم إلى الهيئة التشريعية القومية الانتقالية المعاد تشكيلها لاعتماده. كما أننا كنا وقد تبقى عشرة أشهر فقط لحل نفس البرلمان وبدء الحملة الانتخابية. إلا أن الحال يختلف تماماً.  اليوم، ليس لدينا حتى مجلس تشريعي وطني انتقالي أعيد تشكيلها وتم توسيعها ومجلس ولايات أعيد تشكيله، وكلاهما يشكلان الهيئة التشريعية القومية الانتقالية. كما أنه ليس لدينا دستور يتضمن اتفاق السلام كما يطالب به الإتفاق . وبعبارة أخرى، كانت الأشهر الستة الأخيرة أو نحو ذلك من الفترة الانتقالية تدار وفقا للدستور الانتقالي لجمهورية جنوب السودان لعام 2011 المعدلة قبل إبرام اتفاق السلام. وهذا انحراف أساسي عن نص وروح إتفاق السلام. ولا عجب أن المجلس الوطنى التشريعى الإنتقالى الحالى يصر على البقاء على الرغم من قرارات الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) المتكررة التي تطالب بحلها. الدستور هو القانون الأعلى للبلاد ويوجه عمل جميع مؤسسات الدولة. ومن ثم، يجب أن يكون الصك الأول للاتفاق الذي يوضع قبل أي شيء آخر. وإلا، ماذا ستكون المرجعية في حالة تضارب السلطات بين مستويات الحكم الثلاثة (الحكومة القومية وحكومات الولايات والحكم المحلى) أو بين الأذرع الثلاثة للحكومة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)؟

ويشكل  قطاع الأمن أهم مجال من مجالات الاهتمام بعد الدستور. إن أى اتفاق سلام بعد حرب أهلية يعتمد نجاحه على نجاح الترتيبات الأمنية التي تشكل جزءاً منه. ولهذا السبب كان هناك إصراراً خلال محادثات السلام على الدخول في الفترة الانتقالية بجيش موحد واحد وقوات أخرى موحدة. لأن هذا هو الضمان الوحيد لتحقيق سلام حقيقي مستدام. واستند اختيار ثمانية أشهر لفترة ما قبل الفترة الانتقالية إلى حساب تقني دقيق أفضى إلى أن هذا هو الوقت اللازم لإدماج قوات المعارضة والقوات الحكومية في قوات موحدة جديدة تكسب ثقة جميع المواطنين في البلاد. وكان واضحا منذ البداية أن الحكومة القائمة هي التي تتكفل بدفع فاتورة جميع الأنشطة التي كانت تجري خلال الفترة ما قبل الانتقالية والتي كانت تُعنى بصورة أساسية بتنفيذ الخطوات والإجراءات الضرورية من أجل تشكيل قوات موحدة يتم نشرها قبل بدء الفترة الانتقالية. بيد ان الحكومة الحالية لم تكن على مستوى التوقعات . ولم تُستَغَل أموال كافية لآليات التنفيذ للاضطلاع بمهامها، مما أدى إلى تمديد الفترة ما قبل الانتقالية مرتين، بحيث إنتهت إلى 17 شهراً و10 أيام بدلاً من 8 أشهر كما كان مقرراً في الأصل. في نهاية تلك الفترة الطويلة، برز إندفاع وتعجل وتقرر أن تنتقل القوات إلى مراكز التدريب مباشرة دون المرور بالأنشطة التي كان من المقرر أن تجري في مواقع التجميع (التسجيل، والفرز، ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وما إلى ذلك) التي يتعين القيام بها هناك. وقد سمح هذا القرار للأفراد غير المؤهلين للالتحاق بالتدريب، بمن فيهم مجندون جدد، والنساء الحوامل والمرضعات. وهكذا، فإن الغرض الأصلي من استهداف الجنود الذين كانوا من المحاربين قد هُزم. أضف إلى ذلك نقص حصص الإعاشة والأدوية الذى أجبر الكثيرين على الفرار من مراكز التدريب. لذلك، حتى لو لم تتدهور الأمور من حيث هي الآن، فمن الصعب تصور أن المنتج النهائي من مراكز التدريب هذه سيكون أي شيء قريب من الفكرة السامية للقوات الموحدة الضرورية.

وعلى الصعيد السياسي، كان التنفيذ بطيئا. ولا يزال هناك عجز في الثقة بين أطراف الاتفاق. إن الحركة الشعبية لتحرير السودان –فى الحكومة عازمة على الحصول على هيمنة أكبر مما حصلت عليها في الاتفاق، وبالتالي فقد اعتمدت سياسة إغراء بعض جماعات المعارضة وإقصاء تلك التي لا تدور فى فلكها. وما يثير القلق حقاً هو مد تلك الممارسات إلى المجموعات المسلحة. لماذا التجنيد من وسط عناصر المعارضة المسلحة في حين أنهم في نهاية المطاف سيكونوا فى جيش واحد بغض النظر عن الجهة التى ينتمون إليها في الوقت الراهن؟

واليوم، بعد مرور ما يقرب من سبعة (7) أشهر على الفترة الانتقالية، لا تزال الأطراف تتفاوض بشأن تشكيل حكومات الولايات! واستغرق الاتفاق على توزيع حكام الولايات على الأحزاب أربعة (4) أشهر (من 20 فبراير إلى 17 يونيو) وسُلب أحد الأطراف، وهو الأحزاب السياسية الأخرى، من حصته لترشيح حاكم ولاية. والمفاوضات الجارية حاليا بشأن توزيع المناصب فى حكومات الولايات مستمرة ومرابطة منذ أكثر من شهرين. وفي الوقت الذي تجري فيه هذه المفاوضات بشأن المناصب، فإن الأنشطة التي كان ينبغي تنفيذها خلال الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية قد عُلِقت. وتشمل هذه إصلاحات مؤسسات الحكومة، والأنشطة الاقتصادية، والمحكمة المختلطة لجنوب السودان، وعملية وضع الدستور الدائم والعمل الإنساني. وكما أشار هذا الكاتب في رسالته إلى الأطراف في 17 أغسطس، فإن هذه التأخيرات ستتسبب بالتأكيد في دفع الأنشطة اللاحقة إلى ما هو أبعد من مواعيدها المقررة، ولا سيما إجراء الانتخابات العامة في موعدها.

إن التنفيذ الفعلي لأحكام الاتفاق يعوزه الإلتزام بنصوصه. فعلى سبيل المثال، كانت تعيينات قيادة بنك جنوب السودان ووكيلي وزارة النفط ووزارة الصحة خرق واضح لمنطوق إتفاق السلام المنشط. وكذلك كان تعيين مجلس إدارة شركة النيل للبترول ومدير مؤسسة الاتصالات السلكية واللاسلكية قبل أن تجلس الأطراف لكى تتفق على مشاركة المؤسسات على النحو المنصوص عليه في اتفاق السلام. وعلاوة على ذلك، فإن عدم تعيين حاكم ولاية أعالي النيل مثال آخر واضح على أن كل طرف يقرأ الإتفاق على هواه.  لا بد للأطراف أن تتقيد بالنصوص وتلتزم بالاتفاق.

في الآونة الأخيرة، نشرت شبكة المجتمع المدني النتائج التي توصلت إليها فى إستطلاع بشأن تصور المواطنين فيما يتعلق بتنفيذ إتفاق السلام. لم يكن لديهم إعجاب بالتقدم المحرز. وينبغي أن يكون ذلك بمثابة نداء إيقاظ لنا جميعاً نحن المشاركين في تنفيذ الاتفاق.

بعد عامين من توقيع إتفاق السلام لم يتحقق سوى القليل جدا في عملية التنفيذ. إنه سجل كئيب. ومع ذلك، ينبغي على مواطنى جنوب السودان مواصلة حث قادتهم على عمل أكثر مما تم. يجب أن نصر على أن يتم تنفيذ إتفاق السلام نصاً (نتحاشى إضافة “وروحاً” لأن البعض يسيئ إستخدامها ليعني التغاضي عن النص!). وإذا ما تم تنفيذه بأمانة وصدق، فإنه يوفر أساساً متيناً  لتوطيد السلام، وإصلاح مؤسسات الحكم، وبدء حقبة ديمقراطية يمنح مواطنى  جنوب السودان أول فرصة منذ الاستقلال لإنتخاب قادتهم.

Translate »