وكتب باطومي ايول..حين يصبح النقد سلّماً للمناصب.. حالة أتينج نموذجاً

واجومانيوز

بقلم: باطومي إيول

كنتُ من المعجبين بكتابات أتينج ويك أتينج، وزير الإعلام والبث، منذ أن كان صحفياً بارعاً يمارس الكتابة الساخرة عبر عموده الراتب في صحيفة السيتزن الإنجليزية. كان يومها من أشد المنتقدين لسياسات الحكومة، يطرح مشاريع للإصلاح السياسي، ويخوض في قضايا شائكة بجرأة نادرة. كنا، في نقاشاتنا الخاصة في مجالسنا كصحفيين نتناول موضوعاته ، نخشى عليه، متعاطفين معه، خوفاً من أن يتعرض لأي أذى بسبب مواقفه الصريحة تجاه الحكومة. فقد كان صوتاً مهماً آنذاك، إلى جانب زميله الصحفي الفذ نيال دينق الذي ظل أيضاً يدق طبول الإصلاح والتغيير عبر كتاباته الجريئة وصوته العالي في مختلف المنابر ،حتى تراجع عطاءه بعد انضمامه للمجال السيلسي. لقد قدّما إسهامات مهمة لا ينكرها أحد في مسيرة العمل الإعلامي .

ولكن، بعد تعيين الأستاذ أتينج ويك أتينج سكرتيراً صحفياً بمكتب الرئيس سلفا كير في نوفمبر ٢٠١٣، صمت صمت الحجر، وأصبح أبكم لا يتحدث إلا بما تقتضيه مهمته الرسمية. التزم خطاً حكومياً صارماً في موقعه الحساس، وكان هذا مفهوماً فمن الطبيعي أن يختلف دور الصحفي المستقل عن دور المسؤول المقيّد بخط رسمي. فالخروج عن هذا الإطار كان سيُفسَّر تمرداً، وله تبعاته على مستواه الشخصي وموقعه كمسؤول حكومي.

غير أن المدهش أنه ما إن أُعفي من منصبه كسكرتير صحفي في 5 أغسطس ٢٠٢٢، وعاد خارج الصندوق الحكومي، حتى رجع مباشرة إلى بركة الانتقاد اللاذع، وكأنه يريد تذكير القيادة بأنه ما زال موجوداً، وأن وجوده خارج السلطة قد يشكل مصدر إزعاج جديد لها. في تقديري، هذا منهج وبكل تاكيد يستحق الدراسة، إذ بات يشبه سلوك “فروض الضرورة” لتسلّق السلطة، ويبدو أنه يمارسه لتعزيز مكانته، لا من باب الالتزام بالمشروع الإصلاحي القائم على مساءلة السلطة.

ومن الملاحظ أن وزير الإعلام الحالي في حكومة جنوب السودان كان قبل تعيينه من أبرز المنتقدين في الأسابيع الأخيرة لمسيرة الدكتور بول ميل قبل إعفائه من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية. ظل أتينج يتحدث بجرأة وانتقاد سلبي يطالب بإبعاد د. ميل من دائرة السلطة في الفترات الاخيرة ، كما فعل آخرون قبله، مثل الأستاذ كيم قاي، الذي رفض تماماً تعيين د. ميل نائباً للرئيس لقطاع الاقتصادي . وللأسف، بدا إعفاء أتينج لاحقاً كأنه استجابة حكومية لمطالبه.

ثم جاء تعيينه وزيراً للإعلام وهو منصب كان حلماً يطارده منذ زمن طويل ليُنظر إليه من قبل الكثيرين على أنه “تعويض” مباشر على مواقفه السابقة. وهذا، برأيي، منهج غير عادل في اختيار شاغلي المناصب. فالتعيين ينبغي أن يُبنى على الكفاءة والقدرة، لا على “تعويض الذات” أو مكافأة المواقف. مثل هذا النهج قد ينعكس سلباً على أداء الشخص المكلف، لأنه يأتي على حساب آخرين وبناءً على حسابات سياسية لا مهنية.

ومع ذلك، يبقى التكليف أمراً واقعاً، وعلى الوزير المكلف أن يقدم شيئاً للبلاد. وأقول هذا لأن السيد أتينج ويك، وزير الإعلام، يدرك تماماً قدر التحديات التي تواجه قطاع الإعلام والصحفيين في البلاد. يعلم أن التحديات كبيرة مقارنة بما هو متوقع منه، ولذلك هناك تطلعات واسعة لأن يقدم مشروع إصلاح حقيقي في قطاع الإعلام، يتيح قدراً أكبر من الحريات للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، انسجاماً مع مكانة كتاباته الساخرة والناقدة التي عرف بها.

لكن وكما هو معروف السمكة في بركة الماء ليست كما تكون في بيئتها الطبيعية.

تم.

Translate »