
صحافة المصلحة: لماذا يفقد الصحفيون مصداقيتهم في فخ الدعاية؟
واجومانيوز
بقلم: فرانسيس مايكل
القلم سلاح، ونقطة قوته في مصداقيته والمثل بقول “القلم أصدق أنباء من السيف”. لكن السؤال البسيط والمثير في الوقت ذاته هو: عندما القلم يتكسر بالقرش، هل يفضل قيمة له؟
في بلد مثل جنوب السودان، موضوع دعم الصحفيين للحملات الانتخابية أصبح “الشيء العادي”. رغم أن الصحافة مفروض تكون “عين الحقيقة”، “مرآة الشارع”، لكنها تتحول فجأة إلى بوق دعائي، والقصة بتزيد في أوقات الانتخابات، عندما يكون القرش سيد الموقف، و”المادة الإعلامية” تتحول إلى “مادة دفع”.
“المهنية والحيادية، كنقطة القوة الأبدي للصحفي، أصبح “الأخلاق المهنية” مثل القميص المتبدل، والحقيقة هو أن عندما يختار الصحفي دعم طرف معين، فإنه فقد دوره كمراقب، ويتحول إلى “لاعب أساسي” في المباراة، وفي كرة القدم “اللاعب ما بيكتشف أخطاء الفريق الآخر، وهو لابس الفنلة بتاعته”، هكذا يفقد الصحفيون ثقة الناس فيهم، وأي خبر ينشره تشم فيه رائحة الشك، وتبدأ الناس في طرح أسئلة “هل هذا من أجل الحقيقة أم القرش؟”.
انطلاقا من تلك النقطة يكون الصحفي باع القلم ومعه المصداقية الـ “هي شرف المهنة”، وفي بيئة مثل جنوب السودان، حيث تعاني المؤسسات الصحفية والإعلامية من ضعف البنية التحتية وضعف الرواتب يجعل من يمارسون المهنة قدام الإغراءات “الجوع بيكسر الضلع”، وينجرفون وراء “قرش” معين، ويبيع قضية كاملة.
مثل سوداني بيقول “البيحفر لغيرو بيقع فيهو”، بتالي كل صحفي بيحاول يخدم طرفاً معيناً، في نهاية المطاف يقع في حفرة عدم الثقة و”كسر القلم”. وفي نهاية المطاف، “الصحافة” بتتحول من مهنة إلى تجارة، ومن “رسالة” إلى “مصلحة”.
لكن هل كل صحفي “بيبيع قلمو”؟ طبعا لا. وهناك نوعين من الناس في الحتة دي، وهذا موضوع المقال لتوضيح ما يحدث في جنوب السودان استنادا إلى قضية انتخابات الاتحاد العام لكرة القدم.
أولا: الصحفيون المهنيون، هؤلاء يؤمنون أن “حياد القلم” هو الشرف، فيمتنعوا من الدعم المباشر للأحزاب أو الكيانات، وبيلتزموا بالموضوعية. أما المجموعة الثانية هم الصحفيون “التجار” إن صح التعبير: هؤلاء بيعتبروا الصحافة “بزنس”، ويستخدمون “القلم” لرزق اليوم، وليس للغد الطويل في المهنة، هؤلاء عارفون إنو “القرش بيفك الضيق”. هؤلاء هم “الصحفيون” اللي بيخلي مصداقية المهنة كلها في خطر.
لكن في ظل الظروف، فإن النهاية هو أن “القلم” إما يكون سلاحاً للحقيقة، أو “لعبة” في يد من يملك المال. وفي بلادنا، عشان نكون صريحين، “القرش بيعمل كل شيء”. لكن “الصحفي” الحقيقي، بيقول “لا” للقرش، وبيفضل القلم في إيدو. “اللي ما عنده في الدنيا دي شيء، عندو ضمير”.
النقطة الثالثة هو أن الصحافة، كمهنة يجب أن تكون قائمة على المصداقية والمهنية وهذا حقيقة مطلقة، لكن أصبحت في بعض الأحيان ساحة للمصالح الشخصية، وخاصة في أوقات الحملات الانتخابية، فهناك فئة من الصحفيين، أو الذين يطلقون على أنفسهم “صحفيون”، لا يظهرون على الساحة إلا عندما تلوح في الأفق فرصة لتحقيق مكاسب مالية من خلال الحملات الانتخابية.
هؤلاء الأشخاص لا يلتزمون بأخلاقيات المهنة، ولا يهمهم تقديم الحقيقة أو خدمة المجتمع فقط تشويه “المهنة”. هدفهم الوحيد هو الحصول على المال، ويستخدمون “العمل الصحفي” كغطاء لتحقيق ذلك. تجدهم يروجون لمرشحين أو أحزاب معينة، ليس لقناعة سياسية أو إيمان ببرامجهم، بل لأنهم تلقوا أموالا مقابل ذلك، أو يريدون الحصول على المال في نهاية المطاف. وبمجرد انتهاء الحملة الانتخابية، يختفون من المشهد الإعلامي، ليعودوا مجدداً في الانتخابات التالية. هذا السلوك يضر بسمعة الصحافة كمهنة، ويجعل الجمهور يشكك في مصداقية كل ما ينشر، حتى من قبل الصحفيين المحترفين الذين يلتزمون بالحياد والموضوعية، وقد نطلق عليهم بالصحفيين “الكذابين” فقط يستخدمون منصاتهم الصحفية أو وسائل الإعلام لنشر معلومات مضللة، أكاذيب، أو دعاية تخدم مصالح معينة. وبشكل عام، الصحفيون الكذابون ههم اشخاص ينظرون للصحافة كوسيلة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الحقيقة، ويستخدم منصبه لتضليل الجمهور عوضا عن إعلامه.
وأخيرا السؤال يظل مطروحاً، وقد يفيد الجميع في المستقبل، كيف ستنتهي مسرحية القرش والقلم المكسور؟
فرانسيس مايكل قوانق – صحفي وكاتب