هل يمكن ان يصبح د.بول ميل رئيساً ثانٍ ل جنوب السودان؟

واجومانيوز

بقلم: باطومي أيول 

يبدو أن السؤال حول من سيخلف الرئيس سلفاكير ليصبح ثاني رئيس لجمهورية جنوب السودان بعد إعلان استقلالها، قد أصبح الهمَّ الشاغل للشارع السياسي في البلاد، ناهيك عن أصدقاء جنوب السودان الذين أصابتهم حالة من التوجس والتردد في كيفية التعامل مع وضع البلاد. وباتت المسألة حديث الساعة، وكأن خطوات اختيار الخليفة قد بدأت فعلاً، استناداً إلى عوامل غير قوية في مجملها.

في ظل التعقيدات الحالية، والخلط الحاصل في أوراق السياسة بتأثيرات المكونات الاجتماعية، أصبح التفكير محصورًا في دوائر ضيقة، بعيدة عن الخطوات السياسية السوية، التي ينبغي أن تستند إلى الدستور الانتقالي لجمهورية جنوب السودان، بوصفه المرجع الأساسي الذي يجب أن يعلو على كل المفاهيم واتجاهات التفكير، فضلاً عن دستور الحزب الحاكم. وهذه كلها ينبغي أن تُستحضر بمجرد البدء في التفكير الجاد في خطوات الانتقال.

إلى جانب ذلك، هناك خطوات منطقية مطلوبة.

صحيح أن الرئيس سلفاكير، في الفترات الماضية، اتبع خطوات تعكس توجهاته الشخصية كرئيس للجمهورية ورئيس للحزب الحاكم، واتخذ قرارات تشير إلى رغبته في تسليم السلطة إلى شخص يختاره بنفسه.

وهنا، يمكن الاستناد إلى هذا الموضوع من خلال التغييرات الأخيرة التي طالت الأعضاء التاريخيين في قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي سبق أن وصفتها في مقال سابق بـ”الانقلاب الناعم” على أعراف انتقال السلطة داخل الحزب، ومن ثم داخل الدولة حسب الدستور.

وقد اعتبر العديد من المتابعين وأعضاء الحزب أن هذه الخطوات خيانة كبيرة بحق الرفاق التاريخيين. فهي، حسب التراتبية الحزبية، غير مقبولة، لكن هناك عوامل أجبرت الطرف الآخر على قبول هذه القرارات السياسية والمشاريع الأحادية.

فقد لاحظنا أن الدكتور واني إيقا، والجنرال كوال منيانق، والجنرال أوت أكوت، قبلوا هذه القرارات وتعاملوا معها كأمر واقع دون احتجاج أو تردد، وتم استبعادهم من قيادة الحزب والحكومة معاً. وأتى الرئيس كير بقيادة جديدة، ما رسّخ فكرة أن تسليم السلطة يجب أن تسبقه خطوات مرتبة، وأن هذه التغييرات مرتبطة موضوعيًا بإعادة ترتيب البيت الداخلي للحزب. ومع ذلك، يظل عامل الوقت عائقًا أمام عملية الانتقال المنشود، إن صحت النية فعلاً.

غير أن تسليم السلطة ليس بالأمر السهل كما يظنه البعض، فهو أمر مكلف للغاية في مجتمع معقد مثل جنوب السودان، خاصة في ظل مناخ سياسي مشحون بعُقد سياسية، قد لا يسلم منها الشعب إذا انفجرت دون حكمة.

من جانب آخر، نجد أن تأثيرات هذه التغييرات وصلت إلى المجموعات السياسية الأخرى، وأبرزها مجموعة الدكتور رياك مشار، الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، مع تعطيل مجموعته بالكامل، مقابل دعم قيام قيادة جديدة بديلة، على أمل أن تحقق بعض المكاسب السياسية عبر إضعاف الخصم (رياك مشار) أو استبعاده كلياً من المشهد السياسي المرتقب.

وبالفعل، تسير هذه الخطة بخطى مترددة، لكنها حققت بشكل أو بآخر هدف إضعافه.

في تقديري، كانت هناك نصيحة ذات قيمة قدم لرأس الدولة بشأن التفكير في تسليم السلطة إلى شخص آخر، إذا ما اعتبرنا نصوص الدستور الانتقالي لجمهورية جنوب السودان، واتفاقية تسوية النزاع المنشطة.

فالدستور الانتقالي المعدل في المادتين (105) و(106) يتحدث بوضوح عن الخطوات الواجب اتباعها حال شغور منصب رئيس الجمهورية لأي سبب. وتنص هذه المواد على أن النائب الأول يتولى إدارة الدولة لمدة 60 يوماً إلى حين اختيار الرئيس الجديد.

ورغم أن الاتفاقية المنشطة لم توضح بالتفصيل ما يجب فعله في هذا السياق، إلا أنها تنص على أن النائب الأول هو الرجل الثاني بعد الرئيس ويتولى مهامه حال غيابه.

وهنا، تكمن نقطة ضعف داخل الحزب الحاكم، في ما يتعلق بكيفية الاستمرار في الحكم إذا واجهت القيادة ظرفًا طارئًا، وهنا ربما تُفَسّر مواقف الحكومة تجاه الخصوم بأنها تهدف لتعطيلهم أولاً، ثم إنتاج واقع سياسي جديد يتجاوز المرجعيات القانونية.

استمرار الدكتور رياك مشار في الإقامة الجبرية دون اتخاذ خطوات واضحة، يثبت عجز الحكومة عن إدارة هذه القضية، رغم محاولتها إنهاء دوره السياسي. وهذا الوضع يعكس التعقيد القائم: كيف يمكن تعطيل دور زعيم سياسي يمثل شريكاً أساسياً في الحكومة، حسب الاتفاقية المنشطة، دون خطوات مدروسة تقيم التأثيرات الداخلية والخارجية لهذا القرار؟

الموضوع الأساسي في كل ذلك هو “التغيير” وتسليم السلطة إلى شخص موثوق، وهي مسألة في غاية الأهمية لدى عامة الشعب، أملاً في تحقيق إصلاحات حقيقية. لكن يظل السؤال: كيف سيتم ذلك؟ ومتى؟ خاصة مع التكاليف السياسية والأمنية المتوقعة، والتحديات المتعلقة بالعلاقات الخارجية.

في رأيي، لم تعد مسألة تسليم السلطة قراراً شخصياً للرئيس كير، بل أصبحت مرتبطة بعوامل داخلية وخارجية، والأخيرة أكثر حساسية، نظرًا لموقف الدول الصديقة في الإقليم والمجتمع الدولي، إضافة إلى مصالحهم المباشرة في جنوب السودان.

فمثلاً، الدكتور بول ميل، هو شخصية معروفة دوليًا، بل ومن الأسماء التي فُرضت عليه عقوبات اقتصادية، وهو ما يشكل تحدياً آخر لقبوله كخليفة مفترض للرئيس، رغم وصوله إلى رأس الحزب والحكومة. وهذا ايضا ما يصعب التنبؤ بمستقبل البلاد، وسط تدهور الأوضاع المعيشية، وتصاعد مؤشرات التحديات الأمنية، وتعقيدات المشهد السياسي داخل الحزب، والتداخلات الاجتماعية التي أثرت منذ البداية في تشكيل الحكومات وإدارة شؤون الدولة.

إذن، في ظل هذه الظروف، فإن تسليم السلطة بهذا المستوى من التفكير أمر بالغ التعقيد، ولن يكون بهذه السهولة كما يتصور البعض. فهو يتطلب تنسيقاً عالياً وخطوات محسوبة لتقليل حدة التصادمات السياسية والأمنية المحتملة، مع الأخذ في الاعتبار خطورة الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

مسألة الدكتور رياك مشار تحديدًا تبقى هي مصدر قلق بالغ، فهو يحظى بدعم واسع في الداخل والخارج نظرا لتاريخه السياسي، إذ ان الحكومة تنظر اليه كحجر عثرة لخططها في إدارة المرحلة المقبلة، رغم اعترافهم بقدراته السياسية والتي استندوا على فكرة تعطيل دوره السياسي.

وأختم بالإشارة إلى الموقف القانوني، وبشكل أدق إلى دور الاتفاقيات السياسية في هذه المرحلة المقبلة. فكل الخطوات نحو التغيير السياسي مرتبطة بمضامين تلك الاتفاقيات(الاتفاقية المنشطة)، لا سيما أن الحكومة نجحت في تعطيل مشار سياسيًا، لكنها فشلت في إعفائه من منصبه كنائب أول، لأن أي إعفاء له يعني انهيار الاتفاقية نفسها، حسب النصوص التي ذكرت صراحة أن الهيكل الحكومي يتكون من:

الجنرال سلفاكير ميارديت رئيساً،الدكتور رياك مشار نائباً أول ،والجنرال تعبان دينق قاي في الحكومة

وهذا كلها بدورها يعقد فرص إجراء أي تغيير هيكلي داخل الحكومة.

وبرأيي، المخرج الوحيد هو التوصل إلى اتفاقية سياسية جديدة، سواء مع أطراف الاتفاقية المنشطة أو مع المعارضة في الخارج، وأعتقد أن الخيار الأخير هو الأنسب للحكومة لتجاوز تعقيدات المرحلة المقبلة.

خلاف ذلك، فإن جنوب السودان لن تسلم من تداعيات هذه التغييرات داخليًا، فضلاً عن مواقف الإقليم وأصدقاء البلاد في الخارج.

 

للتواصل: bathum44@yahoo.com

 

Translate »