التيار الخرطومي في جنوب السودان: بين استنساخ الخرطوم وبحث عن الهوية المفقودة
واجومانيوز
بقلم: صموئيل بيتر
يعيش جنوب السودان مرحلة انتقالية هامة تبحث فيها البلاد عن هويتها الخاصة والمستقلة بعد سنوات من الصراع والاستقلال السياسي عن السودان. في هذا السياق، نشأ ما يُعرف بالتيار الخرطومي، وهو تيار معرفي وثقافي يستوحي أفكاره وأساليبه من الثقافة السودانية الشمالية. هذه الظاهرة تعكس استمرارية تأثير ثقافة الخرطوم على المثقفين الجنوبيين، الذين يعيدون إنتاج نفس الأفكار والنماذج الثقافية الشمالية.
يتغذى هذا التيار من الأدب والفكر والسياسة السودانية الشمالية، مما يعزز مفهوم استنساخ الخرطوم بدلاً من بناء نموذج ثقافي جنوبي مستقل. يُلاحظ هذا في الأعمال الأدبية والمسرحية والشعرية والسياسية التي تبدو كأنها نسخ من نظيراتها في الشمال، مما يعكس نقصاً في الأصالة والابتكار.
تكمن المشكلة في أن هذا التيار يتبنى نماذج وأفكاراً قد لا تكون ملائمة لمرحلة ما بعد الاستقلال في جنوب السودان. بدلاً من التركيز على التحرر الفكري والمعرفي، يستمر هذا التيار في تناول قضايا التحرر السياسي الوطني التي أصبحت غير ذات صلة في المرحلة الراهنة. هناك حاجة ملحة لتطوير مشروع معرفي جديد يُبنى على فهم عميق لاحتياجات المجتمع الجنوبي وتطلعاته.
لذلك، يجب على المثقفين في جنوب السودان تجاوز تقليد النماذج الشمالية والعمل على بناء هوية ثقافية وفكرية مستقلة تعبر عن خصوصية الجنوب. يتطلب هذا المشروع التحرر من التبعية الفكرية والثقافية للخرطوم والسعي نحو نهضة معرفية حقيقية. يمكن تحقيق ذلك من خلال فهم المجتمع الجنوبي، وتلبية احتياجاته، والسعي نحو التكامل الإقليمي مع المجتمعات الأخرى في شرق أفريقيا.
إن بناء مستقبل مشرق لجنوب السودان يتطلب تحرير العقول بنفس القدر من الأهمية الذي يتطلبه تحرير الأرض. فقط من خلال التحرر الفكري يمكن للمجتمع الجنوبي تجاوز تحديات الماضي وبناء أمة قوية ومستقلة في فكرها ومعرفتها، مما يعزز فرص التقدم والازدهار.
تم