محكمة شرق أفريقيا تحدد جلسة في قضية مليار دولار ضد حكومة جنوب السودان: اتهامات بخرق اتفاق وتساؤلات حول مستقبل الالتزامات المالية

واجومانيوز

واجومانيوز-ج سايمون/اروشا

حددت محكمة شرق أفريقيا موعدًا لعقد جلسة استماع في واحدة من أبرز القضايا الاقتصادية والسياسية التي تواجه حكومة جنوب السودان، حيث تتهمها شركة طيران محلية بعدم الالتزام بسداد ديون تتجاوز قيمتها مليار دولار أمريكي، في خرق واضح لاتفاق تسوية ملزم. ومن المقرر أن تُعقد الجلسة يوم 30 أكتوبر الجاري بمقر المحكمة في مدينة أروشا التنزانية، أمام هيئة مكونة من خمسة قضاة.

وتأتي هذه القضية في وقت حساس تمر فيه الدولة الوليدة بأزمة اقتصادية خانقة، وسط تزايد الشكاوى من تراجع الالتزام بالاتفاقيات المالية، وارتفاع وتيرة الدعاوى القانونية الدولية ضدها.


تفاصيل الدعوى: اتفاق لم يُنفّذ ومطالبة ضخمة بالسداد

تم تسجيل الدعوى تحت الرقم Reference No. 16 of 2025، من قبل شركة “ساوث سودان سوبريم إيرلاينز”، المملوكة لرجل الأعمال المعروف أييي دواينغ أييي، بالتعاون مع مكتب المحاماة “بان أفريكان لو تشامبرز LLP”، وتتهم فيها حكومة جنوب السودان، ممثلة بوزارة المالية والتخطيط، بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها المالية الناشئة عن اتفاق تسوية تم توقيعه في 13 فبراير 2025.

ووفقًا لوثائق المحكمة، فإن الاتفاق ينص على اعتراف الحكومة بدين قدره 1,053,936,749.85 دولارًا أمريكيًا لصالح شركة الطيران، مقابل خدمات سابقة يُعتقد أنها قُدمت لصالح القوات المسلحة في البلاد. وينص الاتفاق على سداد المبلغ عبر 24 دفعة شهرية متساوية، تبلغ قيمة كل دفعة نحو 4.4 مليون دولار أمريكي، تبدأ في 28 فبراير 2025. كما يتضمن الاتفاق بندًا خاصًا يُلزم الحكومة بدفع 10% من قيمة المبلغ كمصاريف قانونية لمكتب المحاماة الممثل للشركة.

ورغم مرور أكثر من سبعة أشهر على توقيع الاتفاق، تؤكد الشركة أنها لم تتلق أي دفعة من الحكومة حتى الآن، مشيرة إلى أنها وجهت عدة مطالبات رسمية بالسداد دون جدوى.


خرق قانوني ومعايير الحكم الرشيد

تستند الدعوى إلى خرق أحكام معاهدة تأسيس مجموعة شرق أفريقيا، وخاصة المبادئ المتعلقة بـ سيادة القانون والحكم الرشيد واحترام الالتزامات التعاقدية. ويشير محامو المدّعين إلى أن إخلال الحكومة بالتزاماتها لا يمثل فقط خرقًا تعاقديًا، بل يُعد مخالفة صريحة لأسس التعاون الإقليمي داخل المجموعة.

وقال المستشار واني سانتينو جادا، كبير محامي الشركة، في تصريح لوسائل الإعلام:

“نخوض هذه المعركة القضائية من أجل ضمان احترام الاتفاقيات، ليس فقط لصالح موكلي، بل لصالح بيئة قانونية وتجارية مستقرة في المنطقة. نحن مستعدون تمامًا للجلسة القادمة، وسنتخذ الخطوات القانونية المناسبة عقب صدور الحكم.”


غياب حكومي عن مجريات القضية

بحسب وثائق القضية، فإن وزارة العدل في جنوب السودان استلمت أوراق الدعوى في أبريل الماضي، لكنها لم تقدم أي رد رسمي خلال المهلة القانونية البالغة 45 يومًا، مما يفتح الباب أمام إصدار حكم غيابي في حال تخلف ممثلو الحكومة عن حضور جلسة 30 أكتوبر.

وأفاد مسجل المحكمة بالنيابة في إشعار رسمي أن المحكمة “ستعقد الجلسة في موعدها المحدد، وفي حال غياب الطرف المدعى عليه، ستتخذ المحكمة الإجراءات اللازمة وتصدر الأوامر المناسبة استنادًا إلى الأدلة المقدمة من المدّعين”.


الطابع العسكري للدين وتكتم حكومي

أحد الجوانب الغامضة في هذه القضية هو طبيعة الخدمات التي قدمتها الشركة للحكومة. فقد كشف مصدر مطلع لإذاعة “تمازُج” أن الدين المتراكم ناتج عن خدمات جوية وعسكرية قدمتها الشركة للقوات المسلحة في جنوب السودان، لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل. هذا الغموض يزيد من حساسية القضية، خاصة إذا تبين أن الخدمات تم تنفيذها خلال فترات النزاع الداخلي أو في سياقات قد تُثير جدلًا قانونيًا دوليًا.


خلفية اقتصادية: من الاستقلال إلى الانهيار المالي

عند استقلالها في عام 2011، كانت جنوب السودان خالية من الديون الخارجية تقريبًا. إلا أن سنوات الحرب الأهلية، والفساد، وسوء إدارة الموارد – خاصة النفط – دفعت البلاد إلى عقود من صفقات النفط الممولة مسبقًا، ما أدى إلى تراكم ديون ضخمة، كثير منها غير معلن.

ووفق تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، فإن جنوب السودان توقفت فعليًا عن سداد قروضها منذ عام 2018، مع تزايد شكاوى البنوك الدولية وشركات التجارة العالمية من تخلف الدولة عن الوفاء بالتزاماتها، سواء في قطاع النفط أو البنية التحتية.


تداعيات إقليمية محتملة

تكتسب هذه القضية أهمية خاصة على المستوى الإقليمي، إذ تعتبر سابقة قانونية داخل منظومة محكمة شرق أفريقيا، وقد تؤثر على العلاقات الاقتصادية والسياسية بين جنوب السودان ودول الجوار، خاصة إذا صدر حكم ضد الحكومة.

وإذا ما حكمت المحكمة لصالح المدّعين، فقد يتم اللجوء إلى تنفيذ الحكم عبر الحجز على أصول حكومية في الخارج، أو المطالبة بتعويضات إضافية بسبب الإخلال بالاتفاق. كما قد يُدرج اسم الدولة في قائمة الدول غير المتعاونة ماليًا، ما سيُعقّد فرصها في الحصول على تمويلات مستقبلية أو دعم تنموي.


ختامًا

مع اقتراب موعد جلسة 30 أكتوبر، تتجه الأنظار إلى محكمة شرق أفريقيا لمتابعة واحدة من أبرز القضايا القانونية والمالية التي تواجه حكومة جنوب السودان في الوقت الراهن. وبينما تستعد الشركة المدعية لدفع القضية حتى نهايتها، يظل الصمت الحكومي يثير تساؤلات حول قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، ومصير التعاون الإقليمي في ظل هذه التجاذبات القانونية.


 

Translate »