صحيفة (الإستقلال) وتجربة الصحافة ما بعد الإستقلال – جنوب السودان (1-3)

واجوما نيوز

 

بقلم: موسس اجانق

Ajangmoses4@gmail.com

واجوما نيوز

الصحافة مابعد الإستقلال:

بدءاً، وقبل الإدلاء برأينا حول قصة وتجربة صحيفة (الإستقلال)، دعني أذكرُ القراء والمتابعين بأننا حين نستخدم لفظة (الصحافة ما بعد الإستقلال) لانعني حرفياُ الصحف التي صدرت بعد إستقلال البلاد في التاسع من يوليو 2011م. فصحف المصير والإستقلال اليوميتين صدرتا قبل ذلك التاريخ تتالياً، لذا يجئ  تصنيف (مابعد الإستقلال) كإصطلاح وتعبيرية تُقصد بها الصحف التي صدرت عملياً (ما بعد الإستفتاء) أي بعد إعلان نتائج إستفتاء إقليم جنوب السودان في 9 يناير 2011م، وبالتالي هي نفسها فيما معناها تاريخ الإستقلال الفعلي، إلى أن إنقضت الفترة الإنتقالية (ست شهور) التي وضعتها إتفاقية السلام الشامل  كمدة ومرحلة تتم بها الإنتقال والتجهيز لقرار ونتيجة الإستفتاء،عليه نهيب لنختم بالقول بأن الصحافة مابعد الإستقلال هي نفسها الصحافة الناشئة أي الصحف التي صدرت مابعد الاستفتاء وهذ مالزم التنويه إليه.

 فكان ياما كان في قديم الزمان تحديداً بعد شهرين إثنين من إختيار المواطنيين الجنوبيين خيارهم المتوقع (الإنفصال) صدرت في جوبا نشرة يومية حملت تلكم الاشواق والآمال  بإسم (الإستقلال) بل أكثر، حيث وُضعت لها شعار براق بـ (من هنا اشرقت شمس الحرية) بكل ما تحمله هذا الجملة من تعبير ومعنى. وقد كانت جوبا العاصمة هي الموضع والمكان التي رأت بها النور، فبحسب جاتيكا اموجا أحد مؤسسي الصحيفة فأن فكرة الصحيفة تعود إلى مطلع العام 2011م، بعدها  تواصلت الإجتماعات من وقت لآخر إلى أن صدرت بشكل رسمي في مارس من نفس العام، وتعتبر (الإستقلال) ثان صحيفة ناطقة بالعربية (في الفترة مابعد الإستقلال) وتحديداً بعد صحيفة المصير التي صدرت في فبراير أي قبلها بأقل من شهر فقط، وهي كما يقول مييك أول صحيفة ناطقة بالعربية تكمل إجراءات تسجيلها بوزارة الإعلام.

ولكن ما الدافع من الدخول في مجال معقد وغير مربح بالمرة، يقول مييك ( أتتني فكرة دخول المجال الإعلامي وتأسيس صحيفة كرجل أعمال نابعة من وجودي في محيط  به العديد من الأصدقاء الصحافيين وعلى رأسهم الأستاذ قمر دلمان (جاتيكا اموجا دلمان)) فمنهم ألهممت نفسي ولم أفكر يوما في الخسارة المعروفة عن الإستثمار في المجال الإعلامي لكون أن غرضي منها كانت خدمية أكثر منها ربحية. فالفكرة في مجملها محاولة مني لتقديم شئ مميز لدولتي من معية الإعلام والصحافة.

ثنائية مييك و دلمان:

هي ثنائية مهنية شكلت نفسها عن ثقة ورفقة  دامت لأكثر من ثلاث عقود من الزمان على إختلاف الأمكنة بلاشك، يقول مييك عن ذلك (علاقتي بدلمان قديمة جداً يعود بعضها إلى رحاب مدينة تلودي/جنوب كردفان بغربي السودان، إذ نتجت عن زمالة دراسية، توطدت بعدها أكثر إبان تدشين العمل السياسي بقطاع الشمال للحركة الشعبية- الأمانة العامة- بالخرطوم، ثم مراراً بإتحاد تجار السودان الجديد، فمجمع نيفاشا الشهير بالسوق العربي بالخرطوم (الأفرنجي) الذي كان يشكل حينها تجمع سياسي مصغر لمؤيدي الحركة الشعبية وعضويتها من صغار التجار وقتها.

فعبد الله مييك كولانق الوجه الأول في هذه الحلف وبحسبما يروي قصته عن نفسه  رجل أعمال معروف من مواليد 1967م منطقة عطار العرديب قرية فاشود مديرية أعالي النيل سابقا (ولاية جونقلى حالياً)، نشط كثيراً في قطاع الشمال للحركة الشعبية وفي الخلايا السرية لها لوقت طويل، هذا بجانب عمله في التجارة والأعمال. حيث يقول عن ذلك (بدأت كتاجر متجول تم تطورت تجارتي فأسست مراكز تجارية باسماء (نيفاشا 1، نيفاشا 2 ومركز أعالي النيل للتسوق) جميعهم بمدينة الخرطوم،  وقد كان يعمل به مالايقل عن الـ150 عامل)، ثم بذلنا جهود كبيرة في شأن تأسيس الغرفة التجارية لجنوب السودان في العام 2005م ترأسها السيد نقور ايويل، ولاحقاً إتحاد أصحاب العمل. بعدها-مواصلاً- أتتني فكرة تأسيس صحيفة (الإستقلال) كمنصة أخرى اٌقدم من خلالها خدمة فريدة ومختلفة لشعب جنوب السودان.

أما جاتيكا اموجا دلمان والمعروف سابقاً بـ(قمر دلمان) وجه (الإستقلال) الآخر، فهو إعلامي معروف وصحفي متمرس عمل في العديد من الوسائط الإعلامية في السودان منها صحيفة أجراس الحرية طيبة الذكر. حيث كان وقته مسئولاُ عن صفحة (أجراس الهامش). ثوري مجتهد، عمل تقريباً في كل المؤسسات الإعلامية، والهياكل التنظيمية التابعة للحركة الشعبية لتحرير السودان الأم، ولاحقاً بقطاع الشمال والمناطق المحررة بحاضرتها كاودا حيث يرأس لجنة الإعلام والمعلومات بمجلس التحرير القومي.

بدت شراكة الرجلين ذكية إلى حد ما من ناحية التعاون، إذ تمت فيها المزج بين  خبرة الأعمال التجارية ،الممارسة الأعلامية لمييك واموجا على التوالي، لتنتج هذه الخواص عن ميلاد مؤسسة إعلامية بٌذل فيها الرجلين ما إستطاعا للبقاء مقروءة بين جمهورها المعين بجوبا.

الفكرة والمشروع:

 كما أسلفنا عالياً فالفكرة وليدة شراكة ذكية  بين رأس المال العامل والخبرة الإعلامية، فالـ (الإستقلال) كإسم وكذا شعار الصحيفة (من هنا اشرقت شمس الحرية) هما بنتا شفة الإستاذ قمر دلمان حسب قوله، وافق عليه الأستاذ عبدالله مييك وكامل مجلس الإدارة وإلتفوا حول الفكرة بتثنية الإسم والشعار المقترحان.  يقول دلمان (كنا نرى بأن هذا الإنفصال أتى كنتيجة حتمية للتضحيات الجسام التي قدمه شعب جنوب السودان، خاصة وأن كامل الشعب السوداني لم يتفق بعد أو لم يكن لقادتها الرغبة في الإتفاق على صيغة عقد إجتماعي مقبول لجميع السودانيين عقب خروج المستعمر، فالحكومات الوطنية المتعاقبة على الحكم فشلت –بعضها عن قصد- في كسب ثقة كامل أطراف السودان بطريقة جعل من خيار (الإنفصال) رهان واقعي ومهد إحتفاء وإحتفال ومطلب وطني لكامل الإقليم الجنوبي، أما مييك عبدالله فيقول (إخترنا هذا الإسم بحكم أن الإستقلال رمز للوطن، الحرية والنضال الطويل، و(من هنا أشرقت شمس الحرية) لانها الحياة والمبدأ وهذه هو دلالة (الإستقلال) الكاملة  كما يقول.

لم يبدد الإدارة بعدها وقت، إذ أكملت كافة إجراءات التسجيل الفعلية مبكراً بوزارة الإعلام والبث بـ(حكومة جنوب السودان) وقتها كان يقودها  د. برنابا مريال بنجامين الذي بدوره وبحسب العرف أرسل خطاباً لنيظيرتها بالحكومة المركزية  د. كمال عبيد وزيرالإعلام الإتحادي آنذاك مفاده التفضل بالموافقة والتصديق لطبع صحيفة (الإستقلال)، وقتها لم يكن بكامل تراب الإقليم مطبعة حديثة عاملة، وللأمانة كانت صحيفة (الإستقلال)- بحسب مييك- أول إصدارة ناطقة بالعربية تكمل إجراءات التسجيل والمزاولة وكل أزونات النشر والطباعة بجوبا والخرطوم معا، ولكنها لم توفق لمعوقات داخلية في معانقة القراء إلا بعد صدور صحيفة المصير التي سبقتها إلى الأسواق والمكتبات، إلى أن إستطاعت (شركة الإستقلال الإعلامية) المؤسسة المالكة والناشرة للصحيفة  وبالإتفاق مع (مطبعة الكاظمية) بالخرطوم إنجاز كافة المهام الموكلة إليها، بينما تكفلت (شركة القماري) بعقد فرعي شملت عملية الترحيل والتخليص إلى جوبا. إما التصميم والاخراج الفني فقد كان من نصيب الازهري و محمد عبدالرحيم، وقام مصمم صحيفة الأيام السودانية عندئذ بتبسيط (الماكيت ومجسم التصميم) النهائي.

يتبع..

 

Translate »