تقرير:جنوب السودان أمام القضاء البريطاني: عقود النفط بالدفع المسبق تتحول إلى عبء ثقيل

واجومانيوز

واجومانيوز-باطومي أيول/لندن 

تقرير 

دخلت حكومة جنوب السودان مرحلة جديدة من

 أزماتها النفطية بعد رفع شركة BB Energy، إحدى أكبر شركات تجارة النفط في العالم، دعوى قضائية أمام المحكمة التجارية العليا في لندن تتهم فيها جوبا بالإخلال بعقد توريد نفطي بنظام الدفع المسبق. وتشير وثائق القضية إلى أن الشركة قدمت تمويلًا مقدرًا بنحو 120 مليون دولار مقابل شحنات من خامي دار والنيل الأبيض، كان يفترض تسليمها على أربع دفعات خلال الفترة بين أكتوبر 2024 وأبريل 2025، لكن لم يتم الالتزام بها.

نظام الدفع المسبق: أداة إنقاذ تحولت إلى عبء

اعتمدت جوبا منذ عام 2013 على عقود الدفع المسبق لتأمين تمويل عاجل لتغطية الرواتب والإنفاق العام في ظل تراجع الإنتاج بسبب الحرب الأهلية. بموجب هذا النظام، تقدم الشركات التجارية مبالغ مالية مقدمة مقابل الحصول لاحقًا على شحنات نفطية. غير أن توقف خطوط الأنابيب مرارًا، إضافة إلى سوء التخطيط المالي، جعل الحكومة عاجزة عن الوفاء بجداول التسليم، مما أدى إلى تراكم النزاعات القانونية.

تفاصيل الدعوى

بحسب ملخص الدعوى الذي اطلعت عليه “واجومانيوز”، تؤكد BB Energy أن وزارة النفط “تخلفت عن تسليم ثلاث شحنات متتالية”، رغم استلامها المدفوعات، مشيرة إلى أن قيمة الشحنات المتأخرة تجاوزت 75 مليون دولار حتى مايو 2025. وتظهر إحدى الوثائق أن الشركة طالبت الحكومة، عبر سلسلة مكاتبات رسمية في فبراير ومارس الماضيين، بـ”إعادة جدولة التسليم أو رد التمويل”، دون استجابة. وتضيف الشركة أن “الخيار القانوني أصبح الملاذ الأخير لحماية حقوقها التعاقدية”.

سجل متكرر للنزاعات

ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها جوبا نزاعات قضائية بسبب عقود النفط. فقد رفعت Vitol العام الماضي دعوى مماثلة في لندن قبل التوصل إلى تسوية، بينما ألزمت المحكمة العليا البريطانية الحكومة في مايو 2025 بسداد 657 مليون دولار لبنك Afreximbank بسبب تخلفها عن سداد قروض تجارية. وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن الدين العام لجنوب السودان بلغ 3.7 مليار دولار حتى نهاية 2023، منها 550 مليون دولار مستحقة لشركات تجارية نفطية.

أزمة إنتاج وتحديات مالية

تفاقمت الأزمة بسبب انخفاض الإنتاج النفطي إلى نحو 138 ألف برميل يوميًا بعد توقف خط الأنابيب العابر للسودان لأشهر، مقارنةً بذروة الإنتاج قبل الحرب الأهلية عندما تجاوز 350 ألف برميل يوميًا. ومع اعتماد النفط على تغطية أكثر من 90% من إيرادات الدولة، باتت الحكومة تواجه صعوبة متزايدة في الوفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية.

التداعيات السياسية والاقتصادية

يرى خبراء أن الخسارة المحتملة للقضية قد تعرض أصولًا حكومية في الخارج للحجز، ما يزيد من عجز الحكومة عن تمويل الرواتب والخدمات. سياسيًا، قد تؤدي القضايا المتراكمة إلى تآكل الثقة الدولية في قطاع النفط، وتعميق الانقسامات داخل الحكومة، خاصة مع الاتهامات المستمرة بضعف الشفافية وسوء إدارة الموارد.

غياب الشفافية وإصلاحات مؤجلة

تعالت أصوات منظمات المجتمع المدني المطالبة بمراجعة نظام الدفع المسبق، الذي وصفه أحد الاقتصاديين المحليين بأنه “حل قصير الأمد يغرق البلاد في ديون طويلة الأمد”. وحتى الآن، لم تصدر وزارة النفط أو وزارة المالية أي تعليق رسمي على الدعوى، في حين تواصل BB Energy الإصرار على استرداد حقوقها عبر القضاء.

نقطة تحول محتملة

مع اقتراب جلسات الاستماع في لندن، يتوقع مراقبون أن يشكل الحكم في هذه القضية سابقة قانونية تؤثر على جميع عقود الدفع المسبق الأخرى التي أبرمتها جوبا. وإذا خسرت الحكومة القضية، فقد تجد نفسها أمام سلسلة دعاوى مماثلة من شركات أخرى، ما يهدد استقرار القطاع النفطي ومستقبل المالية العامة في البلاد.

 

Translate »