
وكتب محمود اكوت .. بين التسويف والمماطلة والضعف: هل تتجه جنوب السودان نحو تأجيل جديد في 2026؟
واجومانيوز
بقلم:محمود اكوت
في الوقت الذي كان شعب جنوب السودان يأمل أن يكون عام 2024 نقطة تحول نحو إنهاء الفترة الانتقالية،
جاء قرار تمديد الانتخابات إلى ديسمبر 2026 كضربة أخرى لطموحات الجنوبيين في ممارسة حقهم
الديمقراطي. بعد مرور أشهر على التمديد، لا تزال الأطراف الموقعة على اتفاقية السلام تراوغ وتتلاعب
بالوقت، دون اتخاذ خطوات فعلية لتنفيذ ما تبقى من بنود الاتفاق.
ما يزيد المخاوف هو أن هذا التمديد لم تصاحبه خارطة طريق واضحة، ولم يتم وضع جدول زمني ملزم،
مما يعزز الشكوك حول نية الحكومة والمعارضة على حد سواء. ومع استمرار هذا النهج، يبدو أن البلاد
تتجه نحو تأجيل جديد في 2026، حيث ستتكرر نفس الذرائع حول "عدم الجاهزية"، و"غياب التمويل"،
و"الأوضاع الأمنية غير المستقرة"، بينما يدفع المواطن الثمن الأكبر.
المعارضة: بين التسويف وانعدام الرؤية السياسية
لطالما ادعت الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة أنها تسعى لتحقيق العدالة والحرية
والديمقراطية، لكن أدائها خلال الأشهر الماضية يعكس نهجًا مختلفًا، يقوم على التسويف والتلاعب بالملفات
العالقة. فقد أظهرت الحركة، بقيادة الدكتور رياك مشار، ترددًا في الدفع باتجاه تنفيذ الترتيبات الأمنية ودمج
القوات في جيش موحد، وهو أحد أعمدة الاتفاقية الأساسية لضمان استقرار البلاد.
الأحداث الأخيرة في فبراير 2025، حين اندلعت اشتباكات في ولايتي غرب الاستوائية وغرب بحر الغزال،
جاءت نتيجة مباشرة لهذا التسويف. فقد كان من الممكن تجنب هذه الصراعات لو تعاملت الحركة بجدية مع
ملف إزالة نقاط التفتيش وتنفيذ اتفاقية الترتيبات الأمنية بدلًا من تبادل الاتهامات مع الحكومة.
من الواضح أن المعارضة أصبحت تراهن على عامل الوقت، ربما لضمان موطئ قدم أقوى في المستقبل
السياسي، أو على أمل تحقيق مكاسب تفاوضية جديدة. لكن هذا السلوك لا يخدم مصلحة الشعب، بل يعرقل
عملية السلام، ويطيل من معاناة المواطنين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة وانعدام الخدمات
الأساسية.
الحكومة: المماطلة كاستراتيجية للبقاء في السلطة
أما الحكومة، بقيادة الرئيس سلفا كير، فهي تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا المشهد السياسي المتأزم، إذ إنها
الطرف الأكثر تحكمًا في تنفيذ الاتفاقية. ومع ذلك، فإن سجلها منذ 2018 يعكس سياسة ممنهجة للمماطلة،
حيث لم يتم حتى الآن تحقيق تقدم ملموس في البنود الأساسية، مثل:
توحيد الجيش، وهو الضمان الأساسي لعدم عودة العنف.
صياغة الدستور الدائم، الذي يُفترض أن يكون الأساس القانوني للانتخابات المقبلة.
التعداد السكاني، وهو خطوة ضرورية لضمان شفافية الانتخابات وتوزيع المقاعد بعدالة.
تحسين المناخ السياسي، حيث لا تزال الحريات الصحفية والعمل السياسي المعارض يواجهان قيودًا صارمة.
تبرير الحكومة لهذا التأخير بحجة "غياب التمويل" لم يعد مقنعًا، خاصة أن جنوب السودان تلقى دعمًا ماليًا
دوليًا منذ توقيع الاتفاقية. لكن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، واستخدام المناصب لتحقيق مكاسب
شخصية، أدى إلى تبديد هذه الموارد، بينما لا يزال المواطن الجنوبي ينتظر تحسين الخدمات الأساسية، ودفع
رواتب العاملين في القطاع العام، وإنهاء الأزمات المعيشية المتكررة.
تحالف المعارضة: ضعف وهشاشة سياسية في مواجهة السلطة
لم يكن تحالف أحزاب المعارضة استثناءً من هذا المشهد الكارثي. فقد فشل التحالف في تقديم موقف سياسي
موحد، وتحولت أولوياته من الضغط لتنفيذ بنود الاتفاقية إلى الصراعات الداخلية حول المناصب. بدلًا من أن
يشكل جبهة قوية تجبر الحكومة على الالتزام بالإصلاحات، انشغل أعضاؤه بالعراك حول كرسي نائب
الرئيس والمكاسب السياسية الفردية.
لم نرَ أي من أحزاب المعارضة تدين الحكومة بسبب تأخر تنفيذ اتفاق السلام، أو تهاجم فسادها الذي أدى إلى
انهيار الاقتصاد وتأخير دفع مستحقات الموظفين المدنيين. ولكن عندما يتم إعفاء أحد ممثليهم من منصبه،
نجدهم يخرجون ببيانات غاضبة، ويهددون بالانسحاب من الحكومة. هذا يؤكد أن هدفهم الرئيسي لم يكن
تحقيق الإصلاحات، بل ضمان استمرار المحاصصة السياسية والاستفادة من الامتيازات التي توفرها لهم
المناصب الدستورية.
هذا السلوك كشف عن هشاشة المعارضة، حيث باتت أكثر انشغالًا بالحفاظ على مكاسبها السياسية، بدلًا من
العمل على تحسين أوضاع المواطنين. لقد فقد التحالف أهم أدواته، وهي القدرة على حشد الشارع والضغط
الشعبي، تاركًا الساحة فارغة أمام الحكومة لتنفرد باتخاذ القرارات المصيرية دون أي مقاومة سياسية جادة.
هل نحن أمام تأجيل جديد في 2026؟
عند النظر إلى المشهد الحالي، لا نجد أي مؤشرات تدل على أن جنوب السودان سيكون جاهزًا لإجراء
انتخابات في 2026. فلا تزال الإصلاحات الأمنية والسياسية متوقفة، ولا يوجد جدول زمني واضح لإنجاز
ما تبقى من الاتفاقية. ومع استمرار الحكومة في المماطلة، والمعارضة في التسويف، وتحالف الأحزاب في
الغرق في خلافاته الداخلية، يبدو أن سيناريو التمديد مرة أخرى هو الاحتمال الأكثر واقعية.
إذا لم يتحرك الشعب والقوى الوطنية الآن، فإن تأجيل الانتخابات مجددًا لن يكون مفاجئًا. فالحكومة ستستمر
في اختلاق الأعذار، والمعارضة ستواصل التفاوض من أجل المناصب، والتحالفات السياسية ستظل ضعيفة،
بينما سيظل المواطن الجنوبي محرومًا من حقه في اختيار قيادته عبر انتخابات حرة ونزيهة.
خاتمة: آن الأوان لإنهاء العبث السياسي
لقد حان الوقت لوقف هذا العبث السياسي، والكف عن استخدام اتفاقية السلام كذريعة لتأجيل الديمقراطية. لا
يمكن الاستمرار في هذه الحلقة المفرغة من التمديدات والتبريرات، بينما يعاني الشعب من الفقر، وانعدام
الخدمات، وانهيار الاقتصاد.
إذا كانت الحكومة والمعارضة غير قادرتين على تحمل مسؤوليتهما وتنفيذ التزاماتهما، فعلى الشعب أن يرفع
صوته عاليًا، ويطالب بحقوقه الدستورية، ويرفض أي تأجيل آخر قد يعيد البلاد إلى مربع الفوضى وعدم
الاستقرار.
جنوب السودان يستحق قيادة مسؤولة، لا طبقة سياسية تتصارع على السلطة بينما ينهار كل شيء من حولها.
والمستقبل لن يُكتب إلا بأيدي من يؤمنون بالديمقراطية، لا من يعرقلونها.
محمود اكوت
ناشط سياسي جنوب سوداني مدافع عن الديمقراطية
باريس، فرنسا