وكتب باطومي أيول..لماذا من الضروري هيكلة الحركة الشعبية الأصل؟

واجومانيوز

بقلم:باطومي أيول

ظلَّت العملية السياسية في جنوب السودان محل انشغال للعديد من المهتمين بالشأن الجنوب سوداني والإقليمي بشكل عام، في إطار المصالح وقضايا الاستقرار المنشودة. فقد أخذ الواقع السياسي في جنوب السودان حيزًا واسعًا من النقاش والاجتهاد حول كيفية تشخيص الأزمات المتتالية التي تمر بها البلاد منذ فك ارتباطها مع الخرطوم قبل 15 عامًا، دون إحراز أي تغيير واضح المعالم على كافة المستويات. هذه بالطبع إحدى القضايا الملحّة التي ينبغي أن يلتفت إليها القائمون بأمر الدولة، أي الفاعلون الأساسيون.

 

لا يمكن فصل أزمة البلاد عن قضايا تفعيل دور القوى البشرية الفاعلة وإنتاجها المتوقع، فالأمران في الحقيقة عمليات مكملة لبعضهما. لذلك، يجب البت في هذه المسألة واستحضارها عند مناقشة أزمات وتحديات تحقيق التقدم.

 

ما أريد الإشارة إليه بشكل واضح هنا هو مفاهيم متعلقة بموضوع التنظيم الداخلي لأي منظومة سياسية تتطلع إلى المشاركة السياسية الفعالة، بحيث يمكنها إنتاج فعل سياسي ذي تأثير قوي يوجه الشارع العام نحو رؤية وأهداف سياسية واضحة، وهي الأهداف التي تأسست المنظومة السياسية لتحقيقها.

 

بالطبع، لست وحدي من يتطرق إلى هذا الأمر؛ فقد سبق وأن كتب بعض الكتّاب المرموقين عن أزمات وتحديات التنظيمات السياسية في جنوب السودان بشكل عام، وذلك في نقد بنّاء تم فيه تشخيص أزمة عدم تحقيق التطور في البلاد كنتاج طردي لما تواجهه التنظيمات والحركات السياسية من أزمات، خاصة في ما يتعلق بالهيكلة والتمثيل.

 

الإشارة هنا تكمن في أن ضعف الكادر السياسي في إمكانياته وتجربته السياسية ينعكس عمليًا على الإنتاج السياسي، وبالتالي يؤدي إلى فقدان الفعل السياسي القوي. فتنظيم العمل وتوزيعه بين أعضاء التنظيم الواحد حسب الإمكانيات يسهل إدارة التنظيم السياسي، وبالتالي يعزز دور الكيان السياسي في توجيه الرأي العام. لذا، فإن تنظيم العمل داخل المنظومة ضرورة لا بد منها.

 

ولكن، إذا أخذنا أيضًا الجانب الغائب من أزمة الهيكلة والتنظيم في الأحزاب السياسية في جنوبالسودان، نجد أن قضايا التشظي السياسي وعطش الزعامة السياسية ظلّت محل اهتمام ورؤية معظم منتسبي التنظيمات السياسية، مما أخذ حيزًا كبيرًا في توجيه التفكير النمطي لمعظم كوادر الأحزاب السياسية الفاعلة في البلاد. إذ نجد أن التاريخ حافل بقضايا الفصل، والانشقاقات، والانتقالات العكسية، التي تدور في حلقة مفرغة عنوانها تحقيق المصالح الشخصية الضيقة المتعلقة بدرجة كبيرة بأمر السلطة، بدلًا من التمسك بمقومات الخدمة العامة.

 

نموذج تنظيم الحركة الشعبية لتحرير السودان – الأصل، الذي يتزعمه الجنرال فاقان أموم، هو أحد الأمثلة الواقعية التي ينبغي أن تُناقش كأحد ظواهر الأزمات وتحديات التنظيمات السياسية في جنوب السودان في هذه المرحلة من تاريخه الحديث.

 

فمن خلال تقديم نقد موضوعي لهذه التجربة، يمكن تغيير منهج إدارة التنظيم السياسي الحالي، حتى تتعظ القيادات السياسية الساعية لتقديم نماذج إصلاح وطني مبنية على منطق عملي. إذ لا يعقل أن ينادي التنظيم السياسي البديل بقضايا الإصلاح وهو يعاني من أزمة التنظيم الداخلي، التي تتعلق أساسًا بقضايا توزيع الأدوار.

 

لذلك، في تقديري فإن نقد تجربة إدارة الجنرال فاقان أموم للحركة الشعبية الأصل هو أمر ضروري الان حتى يلتفت إلى هذا الجانب المهم بنظرة ثاقبة نحو المستقبل.

 

أعني بذلك أن يسعى جاهدًا نحو تحقيق نموذج يُحتذى به في إدارة التنظيم السياسي، من خلال تقديم نقد عملي لكيفية مخاطبة قضايا الإصلاح بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تقديم مشروع تدريبي لكوادر سياسية بديلة تمتلك القدرة على مجاراة قضايا المرحلة وفقًا لمفهوم عملي جدير بالإشادة وذلك عبر تمثيلهم داخل المنظومة بدلا من تجميد إمكانياتهم.

 

كما أيضًا، يجب إقناع الرأي العام بأن حل قضايا أزمات وتحديات التنظيم السياسي هو أمر ضروري لتحقيق التنمية السياسية وانها لابد ان تبدأ من داخل المؤسسات السياسية البديلة . علاوة على ذلك، لا يمكن ضمان الاستقرار السياسي من دون تحقيق تنظيم سياسي متمكن من حيث الهيكلة والأدوار التي يمكن أن يلعبها في إنتاج مشروع إداري وطني قوي يحافظ على استقرار البلاد بشكل أفضل.

 اذ يمكم ان يتحقق ذلك من خلال توجيه طاقات الممثلين السياسيين داخل التنظيمات بما يناسب مقدراتهم وإسهاماتهم.

 

عليه، بناءً على ما سبق، من المهم تذكير القيادة السياسية في المعارضة، وخاصة تنظيم الحركة الشعبية الأصل، بأن هناك ضرورة لتكوين وهيكلة التنظيم. لابد من توزيع العمل والأدوار، وتجميع التفكير الجمعي داخل التنظيم لصناعة فعل سياسي يمكنه توجيه الرأي العام وإحداث تأثير راسخ، بقصد تغيير منهج إدارة جنوب السودان في إطاره العام وتقديم نموذج قوي في طريقة إدارة التنظيمات السياسية.

 

باطومي أيول

صحفي/مؤسس ورئيس تحرير صحيفة واجومانيوز

bathum44@yahoo.com 

8 يناير 2025م – نيروبي

Translate »