التباينات السياسية بين السودان وجنوب السودان وضرورة تبني استراتيجيات لمعالجة تحديات البناء الوطني
واجومانيوز
بقلم:صموئيل بيتر اوياي
يُعاني السودان من تاريخ سياسي مضطرب جرّاء عقود من الصراعات المسلحة والخلافات الأيديولوجية العميقة التي تركزت بين صراع الأحزاب السياسية في الحكم وفقًا لأيديولوجيات متقاطعة والحركات المقاومة. منذ استقلال السودان في عام 1956، شهد حروبًا أهلية طويلة الأمد، كان من نتائجها استقلال جنوب السودان في عام 2011. هذه الصراعات كانت، إلى حد كبير، صراعًا على السلطة والموارد، مع اختلافات محورية حول الهوية الوطنية والإسلاموية والعرقية.
على الجانب الآخر، يعاني جنوب السودان، منذ استقلاله، من صراعات داخلية تركز على الانقسامات القبلية والتنافس على الموارد. البيئة السياسية في جنوب السودان تتأثر إلى حد كبير بقضايا بناء الدولة الجديدة والتحديات المرتبطة بتأسيس الوحدة الوطنية. ورغم أن الصراع في جنوب السودان أقل أيديولوجية من الصراع في السودان، إلا أنه يتجذر في الانقسامات القبلية والتنافس على السلطة داخل الدولة.
في السودان، تتفاقم إشكاليات الهوية الوطنية بسبب التنوع العرقي والديني، حيث تتبنى غالبية الأحزاب ومجموعات شمالية الخطابات الهوياتية على أساس الدين أو العرق للسيطرة على مركز السلطة، بينما توجد مجموعات غير عربية وغير مسلمة تركز السلطة تقاوم وتناهض. هذا التباين أدى إلى صراعات سياسية واجتماعية مستمرة حول الهوية والتوزيع العادل للسلطة. في المقابل، الهوية الوطنية في جنوب السودان تتمحور حول تجربة النضال من أجل الاستقلال، إلا أن البلاد ما زالت تكافح لبناء هوية وطنية جامعة تتجاوز الهويات القبلية.
الحكم في السودان عبر العقود كان قائمًا على سياسات إقصائية، حيث يسعى النظام السائد إلى تعزيز بقائه من خلال نفي وإزالة المعارضة. هذه السياسات خلقت مناخًا سياسيًا قمعيًا، حيث تُلاحق المعارضة وتُحاصر. في جنوب السودان، تركز السياسات على بناء الدولة وإعادة إعمارها، ولكن التنافس القبلي والتحديات الأمنية شكّلت عقبات أمام تحقيق الاستقرار السياسي. وعلى الرغم من وجود نزاعات وصراعات داخلية، إلا أن هناك أيضًا جهودًا مستمرة لتحقيق التوافق الوطني بين مختلف الفصائل.
يواجه السودان تحديات كبيرة في تحقيق السلام والاستقرار نتيجة للمناخ السياسي القائم على صراع النفي والزوال. هذه السياسات تخلق بيئة من عدم الثقة والعنف المستمر. بينما يواجه جنوب السودان تحديات كبيرة، فإن المناخ السياسي لا يرتكز على إقصاء الآخر بل على محاولة توحيد الجهود لبناء الدولة، رغم وجود انقسامات وصراعات داخلية.
على الرغم من أن كلا الدولتين تواجهان تحديات سياسية واجتماعية كبيرة، إلا أن طبيعة هذه التحديات تختلف. السودان يعاني من صراع أيديولوجي وعرقي مستمر يركز على نفي الآخر، بينما يواجه جنوب السودان تحديات بناء الدولة الجديدة والتغلب على الانقسامات القبلية. التحليل العلمي لهذه الفروق يمكن أن يسهم في فهم أعمق للتباين في المناخ السياسي بين الدولتين ويعزز من قدرة صناع القرار على التعامل مع هذه التحديات بشكل فعال.
في الختام، من الضروري أن نفهم أن الأدوات السياسية والخطابات القائمة على الإقصاء، التي تم تبنيها في السودان، لا يجب بالضرورة أن تكون نموذجًا يُحتذى به في جنوب السودان. طبيعة الصراع في السودان تختلف جذريًا عن تلك الموجودة في جنوب السودان؛ حيث إن صراع السودان يقوم على النفي والإقصاء المتبادل، مما أدى إلى خلق مناخ سياسي يعزز الانقسام والتناحر. في المقابل، يواجه جنوب السودان تحديات مختلفة تتمثل في بناء الدولة الجديدة والتغلب على الانقسامات القبلية والتحديات الأمنية. لذلك، فإن استخدام نفس الأدوات السياسية والخطابات التي تميزت بها التجربة السودانية قد يؤدي إلى تعقيد الأوضاع في جنوب السودان بدلاً من حلها.
من المهم أن يبتكر ناشطو جنوب السودان أدوات وخطابات سياسية ومصطلحات تتناسب مع طبيعة مجتمعهم والصراع الذي يواجهونه، وتعمل على تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين مختلف الفصائل. تبني منهجيات سودانية ومصطلحاتها السياسية والاجتماعية في سياق جنوب السودان يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة ويزيد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد.
الخطابات المناسبة التي يمكن أن يتبناها ناشطو جنوب السودان لتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين مختلف الفصائل يجب أن تكون شاملة، تركز على بناء الهوية الوطنية المشتركة، وتعزز التفاهم والتعايش السلمي بين القبائل والجماعات المختلفة.
تم.