وكتب باطومي ايول.. “البدله”

واجومانيوز

بقلم : باطومي ايول

قصة قصيرة “البدله

في صباح باكر، وأنا أتأمل شروق الشمس الحزين، تمددت خطوطها عبر مسامات غرفتي المصنوعة من القش، لتضيء الظلام الذي يغلف حياتي وحياة أبنائي. برغم أنني أعيش في مدينة تحتضن كافة سلطات الدولة الرسمية، كانت هذه الخطوط الباهتة هي مصدر نورنا الوحيد.

 

بعدما تأملت هذا الجمال الحزين، أخذت فرشاة أسناني وتوجهت نحو حمامي في زاوية الحوش، لأكتشف أن معجون الأسنان قد فرغ. عدت إلى مطبخي المتواضع، لأجد زوجتي العزيزة أم طفلينا تجلس أمام كانون، حزينة، وغارقة في أفكارها. لاحظت أن كل شيء في المطبخ مبعثر. حاولت مناداتها، ولكنها لم تسمعني، فدخلت للمطبخ لأتفقد البرميل بحثًا عن بعض الماء لغسل وجهي، لكن للأسف وجدته فارغًا أيضًا.

 

حسستها بلطف وهمست في أذنها، سائلاً عن سبب حزنها. ردت بصوت حزين بعيد، “لا شيء”. ثم أضافت: “استيقظت باكرًا لأجهز الشاي لك ولأطفالنا قبل ذهابهم إلى المدرسة، لكنني لم أجد شيئًا. لا ماء، لا فحم، لا حطب، لا سكر، حتى الملح غير موجود”. كانت تفكر في كيف سأقف أمام طلابي في الجامعة وبطني فارغة.

 

حضنتها وقلت لها: “كل شيء سيكون على ما يرام”. بعدها، رأيت طفليّ جالسين بجانبنا، ينظران إلينا بحسرة كبيرة. قالا: “أبي، نحن ذاهبان إلى المدرسة، لا تقلق علينا. لدينا بعض الكيك الذي أهدته لنا عمتي أمس. سنأكله”. ابتسمت زوجتي بحزن، واحتضنت طفليها، قائلة لهما أن يكونا بخير.

 

ذهبت إلى الجامعة رغم أنني لم أستحم، وارتديت قميصي الأزرق وبنطالي الأسود، ووضعت بدلتي، بدوت أنيقًا كوزير. أخذت حقيبتي وهاتفي الصغير، وطلبت مني زوجتي ألا أفكر في شيء حتى أتمكن من التركيز في محاضرتي. ابتسمت وقلت لها حاضر.

 

خرجت إلى الشارع منتظرًا المواصلات، ولكن تذكرت أنني لا أملك فلسًا في جيبي. قررت الذهاب مشيًا رغم بعد المسافة، لكي أصل في الوقت المحدد. في الطريق، حياني البعض بابتسامة، بينما كان العرق يتصبب من جسمي.

 

قبل وصولي إلى بوابة الجامعة، رأيت امرأة عجوز تجلس على قارعة الطريق، بدت في حالة من التعب والإرهاق. كانت تنظر إليّ بأمل كبير، ورأيت أمامها صحناً للتسول. حزنت على حالتها، ودخلت يدي في جيبي بحثًا عن بعض النقود لأعطيها، ولكن لم أجد شيئًا. قلت لها: “آسف، لم أجد شيئًا”. فردت بصوت ملؤه الأمل: “ستجد غدًا يا ابني. أعلم أنك تعمل في هذه الجامعة، ولكم أكثر من سبعة أشهر لم تتلقوا أي راتب، أعلم ذلك لأن ابني يعمل معكم”.

 

تابعت طريقي إلى الجامعة، محملاً بأعباء الواقع، ولكن بعزيمة قوية للاستمرار رغم كل الصعوبات.

——‐————-

(من قصة حقيقية ) يوميات استاذ جامعي (مستلهمة من قصة حقيقية حدث للاستاذ جبرائيل ارنست )

٥ يوليو ٢٠٢٤م

Translate »