
وكتب د.عبدالله ميرغني..المشروع الوطنى،الفريضة الغائبة فى السودان (١)
واجومانيو
بقلم:د.عبدالله ميرغني
مدخل :
كلمة الفريضة تفيد معنى التقدير والتأكيد ، التقدير من جهة الحدود والمعالم ، فالشيء المفروض هو الشيء الذى حدوده ومعالمه واضحة وبينة ، والتأكيد من جهة التقيد الإلزام ، فالشيء المفروض إنما يتعلق بأمر واضح وبين يفترض أو يجب فيه التقيد والإلزام وبالتالى فهو نقيض الغياب والتغيب ، ولاتغيب الفريضة ولا تكون غائبة الا بسبب خلل وهذا هو واقع الحال في السودان .
يرى كثير من السياسيين والمفكرين والأكاديميين أن السبب وراء عملية التراجع والانحدار وتتابع الأزمات وكثرة الحروب فى السودان يعود لغياب مشروع وطنى يؤسس لدولة وطنية وأن النخب فشلت فى تطوير الدولة الامة لتعبر عن التنوع الثقافى والاثنى والدينى ، و في دمج هذا التنوع دون تمييز أو استبعاد ، فضلاً عن مخاطبة إحتياجات التنمية و البناء الاقتصادي وتأمين الحقوق السياسية لكل السودانيين على قدم المساواة وتعبر الحرب الدائرة الان والاسواء فى تاريخ السودان عن هذا الفشل.
إن الحضارات والدول التى تلاشت كانت بسبب أنها لم تتمكن من تنظيم حياتها بالتوافق فسقطت في دوامة الصراع ،والفوضى المؤديان إلى الضعف أو التفكك، ثم الزول والذوبان في المجتمعات الأخرى المجاورة أو المنافسة ، مما يدعوننا للقول أن المشروع الوطني يحافظ على وجودنا وتطورنا وبالمقابل فإن خلو حياتنا من المشروع الوطني يؤدي إلى حتمية زوال هذا الوجود إن لم يكن اليوم فغداً.
مؤخراً كثرت المشروعات السياسية وهى فى واقعها مشروعات متنازعة ومتعارضة حيث يدعى كل طرف أن مايقدمه هو مشروع وطنى يعالج الأزمة السودانية ، ويشير الواقع إلى فشلها فى تحقيق التوافق وبالتالى حل المشاكل الخلافية حول طبيعة الدولة السودانية وطريقة هيكلتها ومبادئها الأساسية ، مما يدفعنا إلى البحث عن مشروع وطنى متكامل وماهو التعريف الجامع المانع لهذا المصطلح ( المعرف ) ؟ الذى وصفه البعض بإنها ورفيقتها (المؤتمر الدستورى) أسطورة السياسة السودانية ، بإعتبار أن غيابهما يمثل تأجيلاً لمناقشة القضايا الكبرى في انتظار الوصفة السحرية ، و غاب عنهم أن ذلك يمكن أن يتشكل من العمل الفكرى والتنظيمي وتظهر معالمها عبر التفاعل والأطروحات الفكرية الجادة والممارسات التنظيمية المحترمة .
المقال محاولة لصنع إطار فكرى عام شامل يمكن أن يجتمع حوله السودانيون ويؤسس لحوار يمكن أن ينتج توافقاً حول المشروع الوطنى السودانى ، ويترك المقال للقارئ مساحة للإضافة ، و التقرب بعيداً عن التبعية والأيديولوجية الحزبية والجهوية والقبلية وقريباً من الوطن السودان .
حقيقة المشروع الوطنى :
يعتقد البعض أن المشروع الوطنى أو القومى هو مشروعاً معرفاً و متصوراً و لا أعتقد الأمر كذلك ، أعتقد أنه لا يمكن لشخص أو مجموعة سياسية أو مؤسسة علمية مهما إدعت من القدرة أن تنفرد بتصوره وأن تضع تصوراً وشكلاً كاملًا وجامعاً ودقيقاً لهذا المشروع المعقد مهما كان إلتزامه الوطنى أو إهتمامه بالشأن العام وتكوينه الثقافي والأكاديمي والسياسى ،فإن الحاجة قائمة لإطار فكرى شامل يجتمع حوله السودانيون نحو التوافق لماهية هذا المشروع خصائصه وأركانه ؟ ومحدداته ؟وأهدافه ؟ وكيفية صياغته ؟ وقوته وحجيته ؟ وشروط تنفيذه ؟ وتتصور تحدياته وكيفية مواجهتها ؟ وغير ذلك من الاسئلة المنهجية التى تساعد على الحوار بالشكل الذى ينتج مشروعًا متوافقًا عليه .
عرّف دكتور محمد عبدالقادر محمد (جيلاني ) أمين دائرة الفكر والدراسات بالإتحاد العام للادباء السودانيين المشروع الوطنى بأنه (خلاصة الخطاب الذى يضع تصورات لنظم الحياة فى السودان من قانون ومعاملات وتعليم واقتصاد وأمن مجتمع ، مستخلصات بواسطة عقول سودانية مكتملة تسقط منها التأثيرات التاريخية المتعلقة بالاستعمار الاستشراق والاستغراب ) .
ويذهب دكتور محجوب سليم قدال الخبير الاستراتيجى ومدرب التنمية البشرية إلى(أن المشروع الوطنى حزمة من الانشطة والتدخلات تقوم بها الدولة من أجل الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للمواطن السودانى وتحمى الأرض من التدخلات الخارجية و خلق علاقات متساوية ومتوازنة مع الخارج غير مربوطة بأجندة خارجية تؤثر على أولويات الإنسان) .
ويصوره البعض أنه مشروع التطوير والتحديث والانتقال من الواقع المعاش إلى واقع جديد يحمل طموحات وأمنيات وتأملات واستشراف لمستقبل ينتظره أبناء الوطن ويحتوى على نظرة شاملة لجميع محاور الحياة بدءاً من توفر الإرادة الحقيقية للتغير واستهداف المتغيرات السياسية والاقتصادية برمتها بحيث تحظى برضا وقناعة الشعب .
مما سبق من تعريفات يتضح أن ملامح هذا المشروع وخصائصه تتلخص فى كونه مستخلص بواسطة عقول سودانية وطنية ناضجة مستقلة عن التأثيرات الخارجية والتدخلات الأجنبية وغير مستلبة ، ويستشرف المستقبل و يتّصف بالشّمول أي إنه يتضمّن كامل أمّهات القضايا التى تجادلوا فيها حتى بلغوا مرحلة عالية من الصراع المدمر والجدل السلبى ، والتحديات التي تهمّ حاضر الدّولة والمجتمع ومصيرهما القادم ، وأهم سماته القراءة العلمية للواقع وما ينتظره من إصلاحات وتطوير ، واستشراف ما ستكون عليه الأوضاع في المستقبل وماذا نعدّ لها منذ الآن حتى لا نتفاجأ بها أو يتفاجأ بها أبناؤنا دون الاستعداد للتعامل الجيد معها.
أهداف المشروع الوطنى:
إنّ غايات وأهداف المشروع الوطنى تهمّ إستقلال الدولة وقوّتها وتقدّم المجتمع وإشباع حاجاته الحيوية ويمكن تلخيص أهداف المشروع فى .
* استكمال الاستقلال سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتربوياً إلى جانب بسط سيادة الدولة الوطنية الفعلية على كل مكونات الدولة والتراب .
* ترسيخ الديمقراطية وحمايتها .
* تحقيق الأمن الشامل .
* بناء مدرسة وطنية تستجيب للحاجات التربوية والثقافية والتعليمية الحالية والمستقبلية للأجيال بجودة عالية .
* وضع خطة وطنية تحفظ حقوق الاجيال القادمة بمختلف أنواعها المادية والمعنوية وتطبيقها بجودة عالية .
قضايا المشروع الوطنى :
الإطار الفكرى الذى ينبغى للعقول الوطنية الاحاطة بها عبر الحوار الجامع الشامل هو إطار يتعلق بامهات القضايا التى لم تجد حظها من النقاش منذ الاستقلال أو تجاوزتها النخب وقتها فى مساومة تاريخية بين مصالحها السياسية ومصالح الكتلة الطائفية والاستعمار ، هذه القضايا ليست حصرية وقابلة للزيادة إلى جانب أنها تستشرف مستقبل الأجيال.
* السودان الموحد بهوية متفق عليها وليس عدمه أو تجزئته .
* التعددية الثقافية والدينية والاثنية (الاحترام والإدارة).
* الحقوق والواجبات على أساس المواطنة المتساوية .
* سيادة حكم القانون .
* ترسيخ النظام الديمقراطى .
* مسألة العلاقات الاجتماعية .
* مسألة الهوية .
* القاعدة الدستورية .
* الحكم الفيدرالى (ولايات أو أقاليم) السلطات الفيدرالية و التشريعية خاصة بها .
* المشاركة في السلطة.
* قضية الحكم .
* قسمة الموارد الاقتصادية .
* الإصلاح التربوى الوطنى .
* الخطة الوطنية لحاجات الاجيال القادمة .
* القوات المسلحة – التكوين والمهام والعقيدة.
نواصل،،،