العواقب الابتعاد عن المشاركة السياسية
واجومانيوز
بقلم:صموئيل بيتر
الابتعاد عن السياسة يمكن أن يُنظر إليه على أنه قرار شخصي يفضله البعض للحفاظ على حيادهم أو لتجنب الصراعات، أو ربما لقلة الوعي المعرفي بالسياسة او عزوف لاسباب مرتبطة بعدم الثقة في النظام السياسي و قلة الوعي و المعرفة و افتقار الي التفكير النقدي و ربما الإحباط من قلة فرص التغيير السياسي القيود القانونية و السياسية خاصة من قبل الأنظمة الدكتاتورية او التهميش الاجتماعي و الاقتصادي و اللامبالاة و ضغوط الحياة اليومية و الخوف من الاعتقالات السياسية و التعذيب . ومع ذلك، فإن هذا الابتعاد لا يخلو من العواقب الكثيرة. كما قال أفلاطون: “الذين يتجنبون المشاركة في شؤون الحكم يعاقبون بأن يحكمهم من هم أدنى منهم”. تسلط هذه المقولة الضوء على تأثيرات عدم المشاركة السياسية على المجتمع والفرد. في هذا المقال، سنستعرض الأبعاد المنهجية والفلسفية لهذه القضية.
الفلسفة السياسية وأهمية المشاركة:
تدرس الفلسفة السياسية الأسس النظرية والسياسية لكيفية تنظيم المجتمع وحكمه. يعتبر الكثير من الفلاسفة، مثل أفلاطون وأرسطو وروسو، أن المشاركة السياسية ليست فقط حقًا، بل واجبًا أخلاقيًا لكل مواطن. كما وضح أفلاطون في “الجمهورية”، يحث على أن الفلاسفة أو الحكماء يجب أن يحكموا لأنهم الأقدر على تحقيق العدالة. في هذا السياق، الابتعاد عن السياسة يُمكن أن يؤدي إلى حكم غير الحكماء والانتهازيين والمنتفعين، مما يضر بالمجتمع ككل.
العواقب السياسية والاجتماعية لعدم المشاركة:
الابتعاد عن السياسة يخلق فراغًا في السلطة يمكن أن يُملأ بأشخاص غير مؤهلين أو ذوي مصالح شخصية. هذا يمكن أن يؤدي إلى فساد الحكم عندما يترك الناس الحكم في أيدي غير الأكفاء، يزيد احتمال انتشار الفساد واستغلال السلطة ، و يؤدي الي انعدام العدالة حيث القوانين والقرارات قد تُتخذ بناءً على مصالح ضيقة بدلًا من العدالة والمصلحة العامة.
و من ثم تقود الي تدهور الحقوق المدنية ، حيث ان بدون مشاركة نشطة من المواطنين، يمكن أن تتآكل الحقوق والحريات مع مرور الوقت.
البعد الفلسفي:
مسؤولية المواطن في البعد الفلسفي، تُؤكد أن على كل فرد مسؤولية تجاه مجتمعه. جون لوك، في نظريته عن العقد الاجتماعي، يعتبر أن الحكومة تستمد سلطتها من موافقة المحكومين. بدون هذه المشاركة والموافقة، تفقد الحكومة شرعيتها. الابتعاد عن السياسة يمكن أن يُفسر على أنه تخلٍ عن هذه المسؤولية، مما يُضعف النظام الديمقراطي نفسه.
الابتعاد عن السياسة يمكن أن يؤثر سلبًا على التنمية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي. الحكومات التي لا تواجه ضغطًا من مواطنيها غالبًا ما تكون أقل فعالية في تحقيق النمو والعدالة الاجتماعية. يبرز ذلك في قول إدموند بيرك: “الشر ينتصر عندما لا يفعل الصالحون شيئًا.” الابتعاد عن السياسة يترك المجال للفساد والركود ، و يترتب علية نتائج و عواقب و خيمة .
من خلال ما ذكر أعلاه نستنتج أن الابتعاد عن السياسة له عواقب وخيمة تتجاوز الفرد لتشمل المجتمع بأسره. من خلال فهمنا للفلسفة السياسية والأبعاد الاجتماعية لعدم المشاركة، يمكننا أن ندرك أن كل مواطن له دور حيوي في تشكيل مستقبل مجتمعه. كما قال جون كينيدي: “اسأل ليس ما يمكن لبلدك أن يفعله لك، بل ما يمكنك أن تفعله لبلدك.” إن المشاركة السياسية ليست مجرد حق، بل واجب أخلاقي ومسؤولية جماعية لتحقيق العدالة والتنمية والتطور والنهضة الوطنية وتنمية الوعي الوطني ورفع درجة الكفاءة الوطنية .
تعد المشاركة السياسية للفرد دورًا مهمًا في التطور الديمقراطي والتنمية المستدامة، حيث تعزز فرص الديمقراطية عبر تمكين المواطن من التأثير في القرارات الحكومية وسياساتها العامة وتعزيز مبدأ الحكم بالشعب ومن الشعب. إنها تعبير عن مصالح المواطنين عبر مشاركتهم السياسية عبر منظوماتهم السياسية المختلفة بشكل عادل. المشاركة السياسية تتيح للمواطنين مراقبة أداء الحكومة ومساءلتها ومحاسبتها على القرارات الخاطئة، مما يقلل فرص الفساد السياسي ويحسن أداء الحكومة. وتلعب دورًا محوريًا في تعزيز الاستقرار السياسي وتقليل فرص الصراعات والنزاعات السياسية بفعل شعور المواطنين بدورهم في صنع القرار السياسي.
بهذا الوعي، يمكن أن يسعى المواطنون جاهدين لبناء مجتمعات أكثر عدالة واستقرارًا من خلال المشاركة الفعالة والمسؤولة في العملية السياسية في جميع مقاطعاتهم وولاياتهم.
تتم عملية المشاركة السياسية بشكل فعال عبر الوسائل التالية:
– الأحزاب السياسية: الانضمام وإنشاء أحزاب سياسية والمشاركة في أنشطتها السياسية وسيلة فعالة للمساهمة في صنع السياسات العامة.
– منظمات غير حكومية (NGOs): المشاركة في منظمات المجتمع المدني تعزز وترفع من الوعي السياسي في قضايا الحقوق المجتمعية.
– المظاهرات والاحتجاجات السلمية: وسائل تعبير فعالة في التعبير عن الآراء السياسية والمطالب.
– وسائل الإعلام: استخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التقليدي والحديث (الصحف، التلفاز، الراديو، مواقع التواصل الاجتماعي) لنشر الآراء والمعلومات.
– الحوارات المجتمعية : المشاركة في الندوات والمؤتمرات تعزز فرص الحوار ورفع الوعي المعرفي في قضايا المجتمع وتقوي فرص التواصل ما بين المواطنين والمسؤولين.
– الانتخابات: واحدة من وسائل المشاركة السياسية التي يختار من خلالها المواطنون ممثليهم في المؤسسات الحكومية.
استخدام تلك الوسائل بشكل فعال يمكن أن يعزز دور المواطن في العملية السياسية ويزيد من تأثيره في صنع القرارات التي تؤثر على حياته اليومية وتأمين مستقبل أفضل للأجيال المقبلة. الاهتمام بالمشاركة السياسية يعزز من الديمقراطية ويضمن أن تكون الحكومة أكثر تمثيلاً وعدالة واستجابة لمطالب المواطنين، ويعزز من فرص إدارة الكفاءات الوطنية والمعرفية والعلمية للشأن العام.
و في الختام ، الابتعاد عن السياسة له عواقب وخيمة تتجاوز الفرد لتشمل المجتمع بأسره. فهم الأبعاد المنهجية والفلسفية لعدم المشاركة السياسية يوضح أن كل مواطن له دور حيوي في تشكيل مستقبل مجتمعه. إن المشاركة السياسية ليست مجرد حق، بل واجب أخلاقي ومسؤولية جماعية لتحقيق العدالة والتنمية والتطور والنهضة الوطنية.
تم..