قراءة فى كتاب جنوب السودان ،،، قضايا في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. ..للكاتب .تيكواج فيتر(٣-١)
واجومانيوز
بقلم:د. عبدالله ميرغني
واجومانيوز
منذ إطلاعى على هذا الكتاب عزمت على التعليق عليه لأسباب عديدة منها حداثة الصدور ،و إهتمامى بتطور العلاقات الجنوبية السودانية ورغبتىى فى الوقوف على ملامح السياسة الخارجية لدولة جنوب السودان على ضوء تطورات الأحداث بالسودان لذا وضعت فى صدارة عنوان التعليق العلاقات الجنوبية السودانية كمحور أساسى فى هذه القراءة ، وأمر في غاية الأهمية يتمثل فى جراءة الكاتب فى تناول مواقف الدولة الجنوبية فى السياسة الخارجية وعلاقاتها الدولية بالنقد والتحليل و إعمال الفكر و النظر فى فحص هذه المواقف ، فضلًا عن متعة أجدها فى متابعة كتابات جيل الشباب الجنوبسودانى فى السياسة والأدب ، وهو جيل يتمتع بالجراءة والواقعية والتصالح مع النفس فى تجربته السياسية ، مع مساحة واسعة من الحرية فى التعبير عن افكارها.
الكتاب يحظى بأهمية خاصة تنبع من صدارته إن لم تكن الأولى للإصدارات القليلة التى تناولت العلاقات الخارجية والدولية لدولة جنوب السودان و موجهات هذه السياسة وفلسفتها والمبادىء التى تنطلق منها ، والكتاب إضافة جيدة لمكتبة الباحثين ودارسي العلوم السياسية والعلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية والمحللين السياسين و الإعلاميين ، كما أنه يفتح الباب واسعاً لمزيد من الدراسات فى السياسة الخارجية لهذه الدولة التى تدخل عقدها الثانى فى الخريطة السياسية الدولية ، مع إشارة لابد منها أن الدولة الأحدث إنضماماً للأمم المتحدة تعرضت لنكسة فى بداية مسيرتها وهى الحرب الأهلية في 2013م ، التى فرضت وقعاً جديداً و تغييرا فى تصورات و رؤية الحركة الشعبية في إدارة الملفات الداخلية قبل الخارجية عما كان الوضع عليه قبل الحرب ، وأخرجت عدد من منظري الحركة الشعبية من المكتب السياسي ومجلس التحرير ومن مطبخ صناعة القرار في جنوب السودان.
ليست هى الإصدارة الأولى للكاتب فقد صدر له من قبل ( الدولة الوطنية فى فكر د. جون قرنق ) إلى جانب عدد من الدراسات والمقالات فى العلوم السياسية والدراسات الأفريقية ، وقد أتاحت له القاهرة بحكم الدراسة بجامعاتها مساحة جيدة فى نشر مقالاته و أفكاره ، ويأتى الكتاب فى إطار اهتمامات ودراسات الكاتب بالعلاقات الدولية ، وهى عبارة عن مزاوجة بين مقالات قديمة نشرها وبعضها من مطلوبات عنوان الكتاب ٠
إجتهد الكاتب فى الحفاظ على النهج الأكاديمي الصارم بإسناد المواقف إلى مراجعها ومصادرها رغم صعوبة الحصول على الإفادات الرسمية ، وغياب المرجعيات وندرة المصادر البحثية فى هذا المجال الذى اختاره الكاتب ، فضلا أن رؤية الدولة تجاه بعض المواقف الدولية والإقليمية لا تصدر عن مؤسسية ، وأغلبها مواقف شائكة متحركة بالسياسة الخارجية بالأمن القومي لكنها مرتبطة بمزاجية الأشخاص الذين يديرون هذه الملفات ، ولا يخفى على القارى الحصيف الأسباب والمعايير التى دفعت الكاتب لاختيار دول (الولايات المتحدة الأمريكية والصين والسودان ومصر ودول الخليج ) كحالات دراسة لقياس إتجاهات السياسة الخارجية لجنوب السودان.
فى هيكل الدراسة إبتدر الكاتب صفحات دراسته بمقدمة تقليدية بين فيها أن الدراسة تسعى إلى تسليط الضوء على أهم الملفات السياسية والتى بحاجة إلى عناية خاصة سواء كانت فى السياسة الخارجية أو العلاقات الدولية نسبة للارتباط الشديد بينهما ، ثم أجْمل الدراسة فى فصلين حيث حمل الفصل الأول عنوان قضايا فى السياسة الخارجية والثانى قضايا فى العلاقات الدولية ، وقد قسم الفصل الأول لمطلبين ، بيّن فيها من الناحية النظرية أن هناك محددات داخلية وخارجية للسياسة الخارجية ، من المحددات الداخلية الموقع الجغرافى وطبيعة النظام السياسي والتركيبة الاجتماعية و القوة العسكرية ،مؤكدا أن من السمات العامة للنظم الديكتاتورية تبنيها لسياسة خارجية تتسم بالعداء تجاه دول الجوار ، عكس طبيعة النظم الديمقراطية التى تتيح للدولة ومؤسساتها تبنى قضايا تهم المجتمع الدولى مثل حقوق الإنسان والديموقراطية ، وأشار إلى أن النظام السياسى فى جنوب السودان لعب دوراً فى جعل الدولة تعانى من مشكلات متعلقة بمدى شرعية النظام وتحديات الإنتقال السياسى ، الأمر الذى دفع الحكومة للتركيز فى سياستها الخارجية على كيفية البقاء في السلطة وتجديد شرعيتها بدل من وضع سياسة خارجية تركز على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التي تدعم الاستقرار السياسي ، وإن التركيز على هذا الهدف جعل الحكومة تتجاوز دور وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية وتقوم بتكليف مستشار الشؤون الأمنية بملفات تتعلق بالشؤون الخارجية والعلاقات بين جنوب السودان والدول الاخرى ، وفى هذا الصدد خلص الكاتب إلى أن السياسة الخارجية لجنوب السودان عقب الحرب الأهلية كانت موجهة بشكل رئيس لمواجهة الاوضاع الداخلية من جهة ، ومن جهة البحث عن السند والدعم الخارجى للحد من نشاط جماعات المعارضة.
وفى المحددات الخارجية والتى وصفها بأنها عوامل مؤثرة في صناعة السياسة الخارجية ذكر منها البيئة الإقليمية متناولا الموقع الجغرافى في شرق أفريقيا وتبعاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، ثم البيئة الدولية المرتبطة بالنظام العالمي الذى يسيطر على المؤسسات الدولية الاقتصادية والسياسية .
من ثَم عكف على استقصاء وتتبع أهداف ومبادىء وأدوات السياسة الخارجية لدولة جنوب السودان من الدستور الانتقالي لجنوب السودان مؤكداً فى هذا الباب أن السياسة الخارجية لجنوب السودان فى الفترة من 2013— 2023 م لا يمكن فهمها إلا فى إطار مواجهة المعارضة الداخلية حيث سعت إلى تطويع أدوات السياسة الخارجية و الدبلوماسية الاقتصادية والعسكرية للحد من تأثير المعارضة المسلحة على الأوضاع الداخلية.
نواصل…
د