وكتب د. عبدالله ميرغني… قراءات لما بعد الحرب، ديمقراطية المليشيات والمرتزقة هل تبنى دولة مدنية ؟ ٢ – ٢
واجومانيوز
بقلم: د عبدالله ميرغني
بدأت “فاغنر ” أعمالها في السودان فى العام ٢٠١٨م تحت غطاء شركة تبحث عن الذهب وهو ما خلق تواصلا بينها وقوات الدعم السريع والذى تطور إلى إتفاقيات فى التدريب والتأهيل ونقل الأسلحة خاصة بعد إلغاء تبعيتها وأصبحت جسمًا موازيا للقوات المسلحة ، شهدت الحرب الحالية مشاركة عناصرها فى القتال ونقل الأسلحة عبر أفريقية الوسطى ، ولديها نشاط واسع فى توفير الدعم والحماية للشركات الروسية العاملة فى مجال الذهب فى أفريقيا إلى جانب التاثير على الشؤون السياسية والصراعات الداخلية فى دول مثل ليبيا ومالى ومدغشقر وأفريقية الوسطى ، وقد تحولت هذه المليشيات الدولية إلى”جيوش تحت الطلب “.
يعد نظام القذافى فى ليبيا من أكثر الأنظمة فى المنطقة الأفريقية إستخداما للمليشيات المرتزقة فى محاولات لزعزعة الأنظمة فى السودان وتشاد وأفريقية الوسطى .
فى الشرق الأوسط برزت مليشيات “ الحرس الثورى الإيراني ” الشيعية والتى فرخت عدد من المليشيات الموالية لها فى العراق و سوريا من ابرزها “جيش المهدي ” و ” عصائب أهل الحق”و ” سرايا الخرسانى ” و ” كتائب الامام على ” و ” الحشد الشعبي”
وفى لبنان تظل مليشيات “حزب الله ” التنظيم الأقوى فى المنطقة والذى تغول على الدولة اللبنانية وأصبحت دولة داخل دولة .
نسخة مليشيا “الدعم السريع ” المدعومة ببعض القوى السياسية الداخلية و بتشكيلاتها المكونة من دول تشاد والنيجر ومالى هى أسواء نسخ المليشيات والمرتزقة ، بما قدمته فى حرب الخرطوم ودارفور من إنتهكات ضد الإنسانية وجرائم تصل حد الإبادة الجماعية
فى الجنينة بغرب دارفور وعمليات السلب والنهب والقتل والتخريب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة والمؤسسات التعليمية والاقتصادية.
تؤكد ممارسات الدعم السريع الأخطاء الكارثية التى أرتكبتها الحكومات السودانية المختلفة التى غابت عنها الرؤية والبعد الإستراتيجي فى إنشاء هذه المجموعات المسلحة خارج رحم القوات المسلحة للقيام بأدوار سياسية وعسكرية وأمنية من صميم وواجبات قواتها الرسمية ، والتاريخ يؤكد أن الدولة كانت عاجزة تماما عن السيطرة على القوات فى هذه الممارسات غير الأخلاقية و والبعيدة عن القانونية وأنها كانت تغض الطرف عن تلك الممارسات طالما أن هذه المليشيات تقوم بالحرب نيابة عنها ، وهى عصاتها التى ترفعها تؤدب بها هذه الحركات والتنظيمات الخارجة عن سلطتها ، وكان هم الدولة منصرفاً نحو تثبيت نظمها السياسية وبعيدة عن معالجة جذور تمرد هذه الحركات .
فى حرب الخرطوم مركز الاستنارة والنخبة الحاكمة والسياسية إنقلب السحر على الساحر ، وتحمل شعب ولاية الخرطوم ويلات الحرب جراء سكوته على ممارسات الدعم السريع فى دارفور وكردفان , و تتحمل قوى ثورة ديسمبر السياسية مسؤليتها لتقنينها وضعية الدعم السريع تحت حجة الأمر الواقع ودورها فى الانحياز للثورة فى وقت كانت تنادى بحل مليشيا الجنجويد وعودة الجيش إلى ثكناته ، وتتحمل القوات المسلحة مسؤليتها هى تتابع تحت بصرها تضخم قوات الدعم السريع ونمو علاقاتها الخارجية الخليجية والأفريقية.
ويستمر شعب دارفور فى تحمل ويلات الحرب بسبب أبناءها الذين توهموا أن الملشيات التى دمرت وقتلت وهجرت المواطنين يمكن أن تسهم فى السلام والبناء والتعمير .
الدولة القوية والواعية بالتاريخ السياسي بفضل قواها السياسية الراشدة الناظرة لمآلات الصراع السياسي الداخلى ، ونظامها الأمني العسكري المستوعب لإستراتيجية أمنها الوطني لا تحتاج إلى مليشيات ولا مرتزقة ، لكنها تحتاج إلى حلول سياسية وإجتماعية وإقتصادية ومعالجات هادئة ومشروعات إستقرار وتنمية وبناء .
خلاصة القول أن الملشيات والمرتزقة لا تبنى دولاً ولا حضارات ولا تأسس لديمقراطية و دولة مدنية وإن ” إدعت ذلك ” أو توهم حلفاءها ، وأن القوى السياسية التى تأتى على فوهة البندقية لا تلبث أن تسقط ولو بعد حين ، أن المليشيا المرتزقة لا تقيم علاقات متكافئة مع دول العالم ، بل هى مصدر أساسي للإفساد السياسي والأخلاقي والإرهاب الحكومى وكآفة أشكال الجرائم وتغذية الصراع القبلي والإثنى وتدمير كل التوجهات المدنية السياسية لتقدم أى بلد .
تم