وكتب فرانسيس مايكل .. جنوب السودان وجمود السلام “التمديد أم الانتخابات”

واجومانيوز

بقلم: فرانسيس مايكل قوانق

تمهيد:

تقترب نهاية فترة الحكومة الانتقالية في جنوب السودان، التي تنتهي بإجراء انتخابات عامة يختار فيه الشعب حكومة منتخب عبر صناديق التصويت لأول مرة منذ تأسيس الدولة، التي مذقتها الحرب، لكن مع استمرار الغموض والخلافات بين أطراف اتفاقية تسوية النزاع المنشطة في جنوب السودان لعام 20218، لا تزال قضية الانتخابات متعثراً والأزمة السياسية مستمرة، واستدامة السلام الدائم غير واضحة، وتنذر بالغموض ما وراء المشهد السياسي.

الوضع الحالي سياسيا:

إتفاقية تسوية النزاع المنشطة الموقعة في عام 2018، بين الحكومة والمجموعات المعارضة، قيد التنفيذ، لكن بشكل غير كامل، وحكومة انتقالية “ممتدة” تمت الموافقة على تمديدها في عام 2022، بموجب إتفاقية تسوية النزاع نفسها، وتواجه العديد من التحديات في تنفيذ المهام المنصوص في الاتفاقية. 

انتخابات كان من المفترض إجراءها في عام 2023، وتم تأجيلها حسب اتفاق الأطراف، لكن حاليا يبدو أن الصراع المحتدم حول قيام الانتخابات في ديسمبر 2024 قد يشكل عقبة كبيرة.

من المرجح أن يودي تمديد الفترة الإنتقالية في جنوب السودان، إلى إطالة أمد الصراع، وتفشي الفساد، واستمرار ضعف المؤسسات الديمقراطية وفقدان الثقة ومخاطر اقتصادية كبيرة على البلاد، ولكن في نفس الوقت قد يكون إجراء الانتخابات خيارا أمثل للخروج من أزمة االفترات الانتقالية، بتالي من المهم أن تبذل الأطراف جهدا لحل أزمة “التمديد أم الانتخابات”.

الأطراف امام خيارات “شكلية نهاية الفترة الانتقالية”

تدعم بعض الأطراف الموقعة على الاتفاقية والمواطنين، خيار تمديد الفترة الانتقالية لمزيد من الوقت لتنفيذ اتفاقية السلام، في نفس الوقت هذا الخيار لها مزايا وعيوب، فقد يعطي المزيد من الوقت لتنفيذ السلام، واستقرار سياسي أكبر، وفرص بناء مؤسسات ديمقراطية قوية، أو إما أن يستشري الفساد وعدم الاستقرار وشعور الناس بالإحباط، وعدم استقرار سياسي وأمني.

أيضا تدعم بعض الأطراف الموقعة على الاتفاقية إجراء الانتخابات لإنهاء أطول فترة حكومة انتقالية منذ استقلال البلاد عن السودان في عام 2011. هذا خيار تبدو جيد في رويتهم، لكن لها أيضا ما بعده، فقد يجد الشعب فرصة لإختيار قادتهم، وتعزيز الديمقراطية الغائبة لسنوات طويلة، وإضفاء الشرعية على حكومة منتخبة يضع الناس فيه الأمل لتحقيق التنمية والاستقرار، في نفس الوقت فإن قيام الانتخابات المنشودة قد تؤدي إلى إندلاع صراع مسلح، بسبب أن الانتخابات غير نزيهة أو نتائجها غير مقبول.

في جميع الأحوال ليس هناك خيار سهلة لنهاية الفترة الإنتقالية في جنوب السودان في ظل الأوضاع الحالية، فخيار التمديد ساخنة وقيام الانتخابات اكثر سخونة أيضا فأين المخرج؟ سؤال يطرحها الراهن السياسي في جنوب السودان مع اقتراب نهاية حكومة اتفاقية تسوية النزاع لعام 2019.

إطالة أمد الصراع:

في عام 2022، قررت أطراف إتفاقية السلام، تمديد فترة الحكومة لفشلهم في تنفيذ بنود مهمة جدا من الترتيبات الأمنية والدستور وأجسام التي تنظم الانتخابات، ومن أجل تنفيذ تلك القضايا العالقة قررت الأطراف تمديد فترة الحكومة لعامين وهذا ما عرف ب”خارطة الطريق “، بتالي بقاء الأطراف المتحاربة في السلطة لفترة أطول، وقد أصبحت هذه الأطراف أكثر مقاومة للتغيير المطلوب، وتعرقل بعضها عملية السلام، وزاد من حد التوترات بين المجموعات العرقية المختلفة على حساب السلطة، وكل هذا التغيير تنذر من وقت لأخر من تجدد العنف.

تفاقم الفساد:

تصنف جنوب السودان حسب مؤشر الفساد العالمي ضمن الدول الأكثر فسادا، فخطر تمديد الفترة الإنتقالية قد يؤدي إلى تفأقم الفساد في جنوب السودان، لان نفس الأشخاص في السلطة لفترة أطول، وقد يصبحون أكثر عرضة للإغراءات وإهدار الأموال العامة، مما قد يعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

مؤسسات ديمقراطية ضعيفة:

تسعي جنوب السودان إلى إجراء انتخابات عامة مع نهاية الفترة الانتقالية في ديسمبر 2024، لكن جدل قيام الانتخابات محور النقاش، بتالي الوضع الحالي لمؤسسات الديمقراطية في الدولة ضعيفة، وقد تكون غير قادرة على تقديم الخدمة للمواطن، عليه فإن تمديد الفترة الانتقالية قد يضعف او يقوي المؤسسات الديمقراطية، لكنها قد يكون له تأثير كبير بتآكل ثقة المواطنين في الحكومة ويشعر الناس بأن الحكومة لا تهتم بمصالحهم، مما قد يودي إلى احتجاجات واضطرابات تزعزعة الاستقرار السياسي في البلاد، ويشعر الناس بأنهم لن يروا أبدا السلام. 

مخاطر اقتصادية:

منذ اندلاع الحرب في عام 2013، دخل جنوب السودان في أزمة اقتصادية نتيجة لتوقف النفط، لكن سرعان مع شهدت انفراجا نسبيا بعد أن وقع أطراف الصراع على اتفاق السلام عام 2029، لكن أموال البترول الذي يعتمد عليه البلاد في إقصادها كان غير قادرة على تنفيذ الاتفاقية بسبب الفساد، حاليا اندلع الحرب في السودان، وتوقف عملية تصدير بترول جنوب السودان، وهذا قد يكون لها كوراث اقتصادية وأمنية في مقبل الأيام سوا كانت مع التمديد أو قيام الانتخابات.

الأزمة الإنسانية:

عانى جنوب السودان من حرب أهلية مدمرة منذ عام 2013، أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين، ويعيش أكثر من 80٪ من السكان على أقل من 1.90 دولار في اليوم، كما أن الفساد مشكلة كبيرة، أدى إلى إعاقة التنمية وإهدار الموارد، في وقت يفتقر البلاد إلى البنية التحتية الأساسية، مثل الطرق والكهرباء والمياه النظيفة، ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة أكثر من 7 ملايين، شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من مليوني لاجئ ونازح داخليا وخارجيا.

فحاليا نتيجة للحرب  الجاري في السودان عاد عدد كبير من النازحين إلى ديارهم، لكن لا يزال الكثيرون معلقون في مخيمات اللاجئين على امل الخروج منها، يمكن الإشارة إلى إحراز بعض التقدم في تنفيذ اتفاقية السلام، لكن قضية النازحين واللاجئين لا تزال غامضة.

الضغوطات الإقليمية والدولية:

تواجه حكومة جنوب السودان ضغوطات متزايدة من جهات إقليمية ودولية، لحثها على اتخاذ خطوات ملموسة لإجراء الانتخابات، ويلعب المجتمع الدولي دورا هاما في دعم عملية الانتخابات، بتقديم المساعدة المالية للجنة الانتخابات الوطنية المستقلة لتمكينها من القيام بواجباتها بكفاءة وفعالية، وتمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية والمستقلين، ودعم مبادرات التوعية الانتخابية والتثقيف المدني، بجانب تقديم المشورة الفنية للجنة الانتخابات الوطنية المستقلة في مجالات مثل تسجيل الناخبين، وإدارة العملية الانتخابية، وفرز الأصوات، وإعلان النتائج، لكن ظروف تنفيذ السلام ونهاية الفترة الانتقالية المرتقبة في ديسمبر تهول دون ذلك في كثير من الأحيان.

أولا: الاتحاد الأفريقي والإيقاد:

لعبا دورا رئيسيا في الوساطة بين حكومة جنوب السودان وجماعات المعارضة المسلحة، ويدعو مرارا وتكرارا إلى نهاية سلمية للفترة الانتقالية كخطوة حاسمة لإنهاء الصراع وتحقيق السلام، مع ذلك فإن التغييرات السياسية في الإقليم “الحرب في السودان وتغيير الحكومة في كينيا والحرب في إثيوبيا” كان له أثر كبير على ممارسة الضغوطات على أطراف السلام في جنوب السودان، فمسؤولية نجاح تنفيذ السلام، تم إسناده للأطراف الاتفاقية، لكن غياب الثقة ما تتطلب ضامني الاتفاقية للممارسة الضغط، بتالي فإن نهاية الفترة الانتقالية محفوفه بالمخاطر.

ثانيا: الولايات المتحدة:

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض المسؤولين في جنوب السودان، بمزاعم التورط في انتهاكات حقوق الإنسان، لكنها تحث الحكومة على الوفاء بالتزاماتها بتنفيذ اتفاقية السلام. وقدمت مساعدات مالية كبيرة لدعم عملية السلام في جنوب السودان لكنها مؤخرا أعلنت قطع المساعدات المالية لبعض مراقبة السلام.

ثالثا: الدول الأوروبية:

أعربت عن قلقه من تأخير وبطء  تنفيذ البنود الرئيسية في الاتفاقية، وظلت يدعو الأطراف إلى التعاون من أجل تحقيق هذا الهدف وهو اجراء انتخابات مع نهاية الفترة الانتقالية، لكنها تشكك من قدرة الحكومة. 

تأثير هذه الضغوطات على حكومة جنوب السودان لا يزال غير واضحه، ومع ذلك، من المأمول أن تُساهم في دفع عملية السلام، وقد نستبعد عملية إجراء الانتخابات في وقتها لعدة اعتبارات.

الدعم السياسي المتوقع من المجتمع الدولي:

حث الأطراف على الالتزام بعملية انتخابية سلمية وشاملة ونزيهة، بدعم جهود حل النزاعات الانتخابية بشكل سلمي، كذلك مراقبة الانتخابات لضمان نزاهتها وشفافيتها.

بعثة الأمم المتحدة:

تلعب البعثة دور في دعم عملية الانتخابات حتى الان من خلال تقديم الدعم المالي والفني واللوجستي لأطراف الاتفاقية، بجانب ولايتها “حماية المدنيين”.

كل هذا الجهود قد تجابهه  تحديات، بسبب عراقيل تواجه الأطراف في تنفيذ الاتفاقية، بجانب نقص الموارد المالية والبشرية اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

النقطة المهمة هي النزاعات السياسية القبلية، حيث لا تزال هناك خلافات سياسية وقبلية لم يتم حلها بعد بين مختلف أصحاب المصلحة في جنوب السودان، مما قد يؤثر على سير العملية الانتخابية، كما سيكون لضعف الوعي الانتخابي تأثير كبير.

على الرغم من هذه التحديات، فإن المجتمع الدولي تقول انه ملتزم بدعم عملية الانتخابات في جنوب السودان، إيمانا منه بأن الانتخابات هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار والديمقراطية في البلاد.

أين المخرج؟

يجب على جميع الأطراف المعنية بالصراع في جنوب السودان العمل معا لإيجاد حل سلمي ما بين “التمديد وقيام الانتخابات”، وعلى المجتمع الإقليمي والدولي أن تدعم جهود الأطراف للتوصيل القادة إلى مرحلة نهاية الاتفاقية مع شروط واضحة وصارمة لتنفيذ جميع بنود السلام بقية قيام الانتخابات.

يعتمد مستقبل جنوب السودان في وقت الراهن، على تحقيق السلام الدائم، وهذا يتطلب التزاما من جميع أطراف الصراع الحكومة والمعارضة، على أن تكون هناك حكومة فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة.

النقطة المهمة مصير شعب جنوب السودان في حالة تمديد او قيام الاتفاقية، بتأكيد ليس هناك خيار أمام أطراف الاتفاقية بعد الدمار الكبير التي لحقت به البلاد لقرابة عشرة سنوات من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وعلى الشعب ليس هناك خيار سوا الصبر ومواصلة مطالبة قادة البلاد في تحقيق سلام دائم ممارسة الديمقراطية.

يبدو أن مستقبل جنوب السودان محدد بخياراته نهاية الاتفاقية المنشطة، فإذا تمكن من تحقيق السلام والحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية، يمكن أن تصبح دولة مزدهرة ومستقرة، لكن إذا استمرت التحديات الحالية، فسيكون مستقبله قاتما.

من غير المؤكد ما إذا كان جنوب السودان قادرة في الظروف الحالي على تنظيم انتخابات أو تحقيق السلام، لكن من المرجح إن يتجنب الاطراف خيار العنف مجدد إذا كان هناك حكمة في القرارات لفك الجمود السياسي وإقرار مصير نهاية الفترة الانتقالية بالتمديد او قيام الانتخابات.

Translate »