وكتب د. عبدالله ميرغني… قراءات لما بعد الحرب، ديمقراطية المليشيات والمرتزقة هل تبنى دولة مدنية ؟  ١ – ٢

واجومانيوز

بقلم: د عبدالله ميرغني 

نشر هذا المقال فى يوليو الماضى ، ونعيده والحرب تدخل عامها الثانى ومازالت أفق الحل تبدو قاتمة ، التنافس محتدم بين الوسطاء في وضع خارطة طريق للأزمة تلبى رضا الأطراف ، وتعالج جراح المتأثرين الذين يتزايدون يومًا بعد يوم ، وبعض القوى السياسية تلبس ثوبًا وتضع أخرى وتعبر الدول والبلدان ، وتعقد المؤتمر بعد المؤتمر بحثا عن الديموقراطية ، وتارة وقف الحرب ، ومرات معالجة الأوضاع الإنسانية وسط غياب داخلى ومؤثرات خارجية كثيفة ، وفوق كل ذلك تعمل مليشيا الدعم السريع وشركاءها فى هدم وهم وصنم دولة ١٩٥٦م لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة قائمة على العدالة والحرية والمساواة.

إن إجازة قانون الدعم السريع عبر برلمان حكومة الإنقاذ يومها و الذى جاء فيه أن “قوات الدعم السريع قوات عسكرية قومية التكوين، تهدف لإعلاء قيم الولاء لله ثم الوطن، وتقوم بدعم ومعاونة القوات المسلحة والقوات النظامية” ، وما أقرته الوثيقة الدستورية من تبعية قوات الدعم السريع للقائد العام للقوات المسلحة السودانية ، ثُم ماقام به قائد القوات المسلحة الفريق عبدالفتاح البرهان من الغى تبعيتها للقوات المسلحة ، وكل ذلك لن يخرج هذه القوات من أنها إمتداد لقوات ومليشيا الجنجويد ذات التكوين الإثنى والسمعة السيئة فى إرتكاب العديد من التجاوزات الإنسانية فى دارفور وأجزاء من كردفان ، وأنها لن تكن جزءً من القوات المسلحة السودانية.

قبل الحرب الروسيه الاوكرانية لم تكن قوات مليشيات “فاغنر ” المرتزقة بقيادة يفغينى بريغوجين بذات السمعة الواسعة كقوات ضاربة و قوية و نشاطها الكبير فى أفريقيا، الا أن تمردها على موسكو على ذلك النحو الذى شهده العالم ، وفرحت به اوكرانيا والغرب و الولايات المتحدة الامريكية وتوهموا أن النصر على روسيا عبر الهجوم المضاد أصبح وشيكًا ، الا أن معالجة القيادة الروسية لملف تمرد” فاغنر ” ونزع فتيل الأزمة أدهش العالم ، يومها أدرك الكثير أن من الدول الكبرى ترعى بعض المجموعات والأفراد للقيام ببعض الأدوار بعيداً عن المؤسسات الرسمية .

قدمت حكومة الإنقاذ نموذجا لمجموعة تعمل خارج المؤسسة الرسمية المعنية بالدفاع والأمن ممثلة فى مليشيا ومرتزقة الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو وأطلقت يدها على الحركات المتمردة فى دارفور وكردفان حيث قامت بعمليات عسكرية واسعة وارتكبت العديد من التجاوزات الإنسانية و تجاوز نشاطها الحدود إلى المشاركة في حرب اليمن ، وتنمية علاقاتها مع دولة الأمارات العربية و الجنرال المتقاعد حفتر فى ليبيا ، وقد أسست كذلك بعض المليشيات الجنوبية التى عرفت “بالقوات الوطنية الشعبية” أو ” قوات دفاع الجنوب السودان ” و قوات حرس الحدود بقيادة موسى هلال والتى ورثت مهامها الدعم السريع بعد خلافها مع الحكومة ، لم تكن حكومة الإنقاذ هى الأولى فى السودان فى تأسيس المليشيات للقتال نيابة عن الدولة ، بل كانت الحكومة الديمقراطية بقيادة حزب الأمة وفى عهد الديمقراطية الثالثة بقيادة رئيس الوزراء ووزير الدفاع الصادق المهدى قد أسست مليشيات القبائل العربية “المراحيل “فى دارفور وكردفان لمقاتلة الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وقبل ذلك كانت حكومتى عبود ونميرى قد رعتا عدد من المليشيات القبلية الجنوبية لمحاربة الحركات المتمردة الجنوبية حركتى جوزيف لاقو (انيانيا )وحركة جون قرنق (الحركة الشعبية لتحرير السودان) .

فى العادة تلجأ الدول غير المستقرة أو الدول شبه الفاشلة أو الحكومات الفاسدة إلى عصابات مسلحة ومرتزقة ومليشيات للقيام بحماية ما يمكن حمايته من منشآت أو تنفيذ مهام خارج إطار القانون لا تقوم بها قواتها المسلحة ، وفى سبيل ذلك تقوم هذه الدول بإصدار بعض التشريعات والمراسيم تعطى بها هذه المجموعات الشرعية والحماية القانونية .

قبل بروز مجموعة “فاغنر” كانت هناك مجموعة” بلاك ووتر “ أشهر مليشيا إرتبطت بالجيش الامريكى التى تأسست فى العام ١٩٩٧م على يد رجل أعمال أمريكى وضابط سابق فى البحرية الأميركية”إيريك برنس ” لتقدم خدمات الحمايات الخاصة والتدريب و الأعمال القذرة ولكنها برزت بسمعتها السيئة فى الحرب العراقية عقب الاحتلال الامريكى ، فضلًا عن قيامها بتصفيات جسدية وعمليات قذرة اضطرت معها الشركة إلى تغيير إسمها إلى “أكاديمي ” ، مرتزقة شركة ” بلاك ووتر ” خليط من جنسيات كولومبيا جنوب أفريقيا المكسيك بنما السلفادور وشيلي ، وكانت الشركة حاضرة فى تدريب الجيش الشعبى في جنوب السودان فى الفترة ٢٠٠٥- ٢٠١١م.

نواصل ….

Translate »