إضاءات عن الرقص الشعبي في جنوب السودان 

واجومانيوز

رصد: النعيم مبارك كول/ جوبا 

استضاف مركز سينياس هوب الثقافي للابحاث والدراسات الإجتماعية في جوبا عاصمة جنوب السودان يوم الاثنين الاول من أبريل الجاري الباحث الاجتماعي سايمون اتير ، وهو خريج القانون ، وواحد من الشباب الناشط اجتماعيا ، ومهتم بالشان الثقافي ، والتاريخ الشعبي في البلاد

 

وقدم اتير ورقة عن إضاءات الرقص الشعبي ، وتناول تعريف ومفهوم الرقص في العالم ، وعند الشعوب الأفريقية ، وخصائص الرقص الشعبي وقدم توصييات مهمة لأجل الحفاظ على التراث والفنون الشعبية

 

وجاء في مقدمة ورقته ان إفريقيا شهدت في فترة الستينيات إهتماما كبير بالتراث الشعبي المحلي او الثقافة المحلية ، وهذا الإهتمام ظهر في الكتابات الأدبية مثل الرواية ، والقصة ، والشعر ، والمسرح ..الخ

 

وقال اتير ان هذا الاهتمام الكبير ليس الهدف منه التعريف بإفريقيا ثقافة وشعبا او محاولة الحفاظ علي تراثها وإحيائه بل كانت أداة للمقاومة ، فمعظم شعوب افريقيا حطمت قيود الإستعمار وتتأهب لازالة اثاره المتبقية من ذلك الإستعمار

 

وذكر في محاضرته ان المثقف الإفريقي أدرك بأن التراث الثقافي بما فيها الفنون الشعبية علي تنوعها وتفردها ، وتمازجها تمثل خط الدفاع الأول ضد محاولات طمس الهوية الإفريقية التى إستمرت طيلة الفترة الإستعمارية تارة بإستخدام الدين ، وتارة أخرى بإستخدام مصطلح الحضارة! لذلك قام الكثير من الكُتاب والمهتمين بإستلهام التراث الثقافي ، والفنون الشعبية ومفرداتها وعناصرها في مشروعاتهم الثقافية المناهضة للإستعمار كما تم توظيف الفنون الادائية خاصة “الرقص الشعبي” الذي إندمج بصورة فنية بالعروض المسرحية ، وأصبح جزءاً من هذه العروض التي تقدمها الفرق او الجماعات الأهلية / الشعبية كفرقة (Maale) التي تعكس تراث قبيلة النوير عبر الرقص ، وفرق وجماعات أخرى تستخدم الرقص الشعبي بطريقة ممنهجة او منهجية مثل أورباب ، ناكوازان ، كواتو ..الخ والرقص الشعبي يعتبر طقساً إحتفاليا مرتبطا بمناسبة دينية او اجتماعية او ثقافية .. وغيرها

 

وقدم سايمون اتير تعريفات عديدة عن الرقص من خلال ما أطلقها الفلاسفة والنقاد عبر التاريخ ، ولم تتجاوز تلك التعريفات سوى الوصف الفعلي للرقص مثل ما جاء في تعريف الفيلسوف ارسطو ان ” الرقص حركة إيقاعية ” بمعني حركة تنتظم عندها جسد الراقص ، والهدف منها التعبير عن فكرة ما او عاطفة وغيرها من الانفعالات لاطلاق او للاستمتاع بالحركة ذاتها ، وقدم تعريفات اخرى بأن الرقص “القدرة الجسدية للأنسان على بناء إيقونات معرفية وروحية عبر الجسد إستجابة وتفاعلا مع الايقاع الروحي للطبول والصرخات والأهازيج وغيرها مع الايقاعات الداخلية ، فالرقص خصوصا في إفريقيا يتجدد بحرية كاملة متخذا من تلاقي الأزمان الثلاثة (الماضي ، الحاضر والمستقبل)

 

وقال سايمون من خلال بحثه إنه وجد ان الرقص هو “الحركة في إيقاع معين” مشيرا الي أن الطبيعة بأشكالها المختلفة ، وكائناتها الحية ، وغير الحية تمارس الرقص

 

وتطرق الباحث الي تعريف الرقص لغويا وإصطلاحا حيث جاء في لسان العرب حسب تعريف ابن منظور ، وقيل ايضا ان الرقص في اللغة هو الإرتفاع والإنخفاض ، وإصطلاحا الرقص هو ظاهرة عامة في كل المجتمعات وقديمة ، قدم البشرية ذاتها ، وأخذت منذ البدء طابع الإحتفال بالنشاط البشري الأول منها رقصة الصيد او رقص حرث الأرض وإلقاء رقص البذور على الأرض ، ورقص جمع المحاصيل أثناء الحصاد ، وتستخدم في جانبه الروحى [الرقص الديني] لإستجداء الآله ، وإستدرار المطر ايام القحط ، ورقص شفاء المرضى ، والرقص لأجل اللهو والترفيه ، ان الرقص شكل من اشكال الثقافة ، ومن خلاله يتم قياس وعي الشعوب وإدراكها وتصوراتها بثقافاتها ، ويعتبر مستودع التراث الثقافي ، وبه يتحقق التواصل الإجتماعي

 

وقدم سايمون سردا تاريخيا عن الرقص على الرغم ان ليس هناك إطار زمني دقيق او جهة تنسب إليه بداية الرقص الشعبي يكفي الإشارة إليه انه قديم قدم الإنسان ، وهناك اتفاق عام ان الشعوب الإفريقية هي اول الشعوب في العالم معرفة بفنون الرقص ، والموسيقى ، وأصدق الجماعات تعبيرا عن بيئتها عبر فن الرقص حسب ما جاء في الورقة البحثية

 

وقال اتير انه من خلال هذه النظرة التاريخية البسيطة ، يظهر ان الرقص الشعبي يتطور بتطور الإنسان وخبراته التي يكتسبها من الطبيعة ، فعموما ان الرقص في افريقيا هو بداية كل شيء وما على الكلام سوى إتباع الرقصات ، وتحويل الحديث إلى أنغام وألحان ورقصات ، فالرقص والغناء والأقنعة هي تراث القارة الإفريقية

متشهدا في ذلك باقوال (سنغور)

 

ان الورقة كانت عبارة سياحة ثقافية عن الرقص الشعبي الذي هو احد الفنون الشعبية ، ومن اقدم اشكال التعبير الفني التي مارسها الانسان ليعبر بها عن حاجاته العاطفية وإتجاهاته الذاتية وتصوراته لما في الكون والطبيعة من الظواهر

 

وقدم اتير في محاضرته القيمة خصائص الرقص الشعبي انها غير مكتوبة ، وتنقل شفاهة او بالتقليد، وانها ملك الجميع ولا تعرف الفردية وتتسم بالتلقائية والصدق والبساطة في الاداء مشيرا أن الرقص الشعبي يحمل في طياته خصائص سائر الفنون الشعبية ، والتي تتمثل في العراقة والحيوية ، ويرتبط بالبيئة ارتباطا وثيقا بالتقاليد ، ويخضع للتاثيرات والتغييرات المعاصرة وبعض الإضافات او الحذف فهو مثل بقية اانوروثات الثقافية القابلة للتاثير والتاثر ، وأشار الي ان الرقص من نتاج عمل جماعي مشترك تشكل الاداء ، ويحمل آثار الإبداع الذي يخضع لروح وحياة الشعوب، وهو مرآة تلك الشعوب وتعكس علاقة الإنسان بالأرض والظروف الجغرافية والظواهر الطبيعية والمعتقدات والاساطير المتصلة بالمجتمعات

 

وختم ورقته قال سايمون اتير انها محاولة لإضاءة بعض جوانب الرقص الشعبي بإعتباره من أهم الموروثات الثقافية لدي الشعوب ، وتمثل رافداً من روافد الهوية الثقافية لما لها من مكانة في حيوات الناس اليومية ، وهو كذلك بنية إجتماعية متكاملة العناصر ، ويتم عبره العديد من الطقوس الاجتماعية بإستخدام الجسد للتعبير عن الفرح ، الحزن ، الحب ، الهجاء ..الخ

 

واوصى اتير بالاطلاع على ما كتب في المراجع الثقافية والمجتمعية للاستفادة منها في تطوير وتوثيق الثقافة ، ووضع إستراتيجية للنهوض بالفنون الشعبية بدعم من الدولة بصفة خاصة وزارة الثقافة ، وتشجيع الأطفال على تعلم الرقص لربطهم بتراث اجدادهم ، وإقامة مهرجانات للرقص لأجل خلق أرضية لحوار الثقافات والتعارف بين المجتمعات في البلاد

 

واشاد الحضور خلال مداخلاتهم على الموضوع الذي تعرض له الباحث على الرغم انه ذكر معاناته في البحث والحصول على المراجع والكتابات عن الرقص الشعبي في جنوب السودان ، ودعا المتحدثون الي ضرورة دعم الثقافة بالأفكار والدعم المادي ، وإنشاء مراكز ثقافية وبحثية تسهم في تشجيع الشباب على الإقبال وممارسة تراثهم الثقافي وتطويره والحفاظ على الحميدة ومحاربة الضارة منه ، وتكوين شراكات من الجماعات الثقافية ، وخلق جسور لتواصل الأجيال، وإقامة مهرجانات للرقص الشعبي مثل بقية دول العالم

 

وقدم فرقة نجوم القبائل عروض من الرقصات الشعبية والافريقية نالت قبولا واستحسانا من الجمهور الذي اقبل من الساعة الرابعة عصرا حتى الساعة الثامنة مساءا

 

فرقة نجوم القبائل من الفرق الفنية والثقافية الناشطة في الخرطوم العاصمة السودانية وعاد بعض اعضائها الي البلاد بعد أحداث ١٥ أبريل في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع السودانية، وهذه الفرقة لا زالت تبحث اها عن موطئ قدم في جنوب السودان والاندماج في المجتمعات المحلية

 

وقال مرتضى ان الظروف التي يمرون بها حاليا في غاية الصعوبة من حيث عدم توفر مصدر تمويل لمشروعهم الثقافي التي يمكن تساهم نشر ثقافة السلام والتعايش السلمي ، ومحاربة العادات الضارة للمجتمع ، وخلق المصااحة والوحدة والتعافي الإجتماعي وسط افراد المجتمع بالإضافة الي ان الفرقة حتى لا تملك مقر لممارسة نشاطاتها ، ويناشدون المهتمين بالعمل الثقافي تقديم ما يمكنهم من أداء واجباتهم تجاه العمل الثقافي في البلاد

Translate »