وكتب د.عبدالله ميرغني:صحوة النخبة الاكاديمية فى مؤتمر شعب السودان للصلح المجتمعي

واجومانيوز

بقلم:د.عبدالله ميرغني 

واجومانيوز
تقترب الحرب السودانية من العام مفرزة مأساة إنسانية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة فى تاريخ البلاد ، وهى حرب تعبر عن عجز النخبة السياسية السودانية منذ الاستقلال فى نوقيع مفهوم “الوحدة الوطنية” ، وليس في هذا مبررًا لما قامت به مليشيات الدعم السريع الإرهابية من انتهاكات إنسانية وعمليات السرقة ونهب ممتلكات المواطنين بجانب الممتلكات العامة وضف اليها تدمير قدرات وإمكانيات البلاد الاقتصادية ، فضلًا عن القتل الممنهج والتشريد نزوحا ولجوءاً للمئات من المواطنين الابرياء.
برزت مبادرة النخبة الأكاديمية بإسم (مؤتمر شعب السودان للصلح المجتمعي والسلام الدائم في السودان) الذي يقوده البروفسور محمد الامين احمد والبروفسور هنود ابيا كدوف ولفيف من كبار أساتذة الجامعات السودانية ، والتى من المتوقع إجراءها  فى مارس من العام ٢٠٢٤م فى بورتسودان، تاتي فى وقت فشلت مبادرات ووساطات عدد من المنصات والمنابر الخارجية فى إيقاف الحرب ولعل أبرزها منبر جدة بالرعاية الأمريكية و مبادرة الإتحاد الإفريقي و الإيغاد ومبادرة الدول المجاورة بالقاهرة و حوار المنامة بالإضافة إلى جهود المبعوثين الدوليين .

تأتى مبادرة شعب السودان للصلح المجتمعي تحت شعار ( حكومة مدنية لوقف الحرب والاعمار وتهيئة حكم مدنى مستدام عبر انتخابات حرة ونزيهة ) الذى يقودها نفر من الاكاديميين والمثقفين والتي سوف تكون الأولى من نوعها بالداخل منذ إندلاع الحرب فى أبريل من العام ٢٠٢٣م ، وهى مبادرة بحسب تقديرات المنظمين تهدف لبناء صلح مجتمعى وسلام دائم عبر وثيقة يتوافق عليها الجميع برؤية علمية محايدة بعيدا عن التجاذبات السياسية والنزاعات القبلية والمناطقية وخلفيات الصراعات الدينية والفكرية بما يجعل مصلحة الوطن فوق الجميع ويصنع تاريخا لوطن ينعم بالأمن والاستقرار تسود فيه الأنظمة والقوانين والعدالة والسلم المجتمعي مع محاربة كل صور الفساد والسعي لإستغلال موارد البلاد الوافرة وبناء أسس سياسية واضحة يعمل الجميع على رعايتها وتعزيزها ، مع تكامل الجانب السياسي المدنى مع الأجهزة الأمنية فى الحفاظ على الدولة ومكتسباتها مع منع أو فرض وصاية وأجندة خارجية .
وقد حددت اللجنة المنظمة وسائلها لتحقيق هذه الأهداف بجملة من الأوراق العلمية فى الحكم الراشد والتعليم والصحة والمحفظة المالية و وثيقة شعب السودان ، وقد حشدت لذلك قائمة من المدعوين من العلماء وأساتذة الجامعات والمثقفين من الداخل والخارج وقادة الراى العام والصحافة ورجالات الإدارة الأهلية ، إلى جانب مدعوين من خارج البلاد ومراقبين من دول الصين والمملكة المتحدة وماليزيا وقطر وتركيا.
قطعا ليست هى المبادرة الأولى التى يقدمها السودانيون وقد رأينا تحركات القوى السياسية  (قحت) و (تقدم) وهى تطرح مبادراتها في دول الجوار وهى مبادرات لا تقدم رؤية متكاملة للإصلاح السياسي بل فى جوهرها مبادرات للمشاركة فى السلطة وإعادة الاوضاع إلى ذات الفترة التى أحدثت الصراع وخلقت الأزمة وإعادة إتفاقيات لم تجد السند الكافى من الشعب السودانى إلى واجهة العمل السياسي ( الإطارى نموذجا)، كما أن مقدمى تلك المبادرات كانوا من الفاعليين السياسين فى ذات الفترة.
فى تقديرى أن مبادرة الصلح المجتمعي مقدمة من مجموعة (تكنوقراط) نخبة أكاديمية ليست بعيدة عن دهاليز السياسة ولكنها تحتفظ بمسافات بينها وبين العمل الحزبى ، والنخبة الأكاديمية من النخب المؤثرة فى صنع وتوجيه السياسات داخل الدولة وخارجها وهى نخبة بات دورها ينمو مؤشرا إلى قوتها الناعمة وهذا الدور يأتى بقدر قدرتها على إنتاج العلم والمعرفة والفكر وقدرتها على مد صناع القرار بخلفية معرفية وفكرية تؤثر فى قراراتهم وسياساتهم على المستويين الداخلى والخارجى .
وأعتقد أن أوراق الحكم الراشد ، والصلح المجتمعي،ومسودة وثيقة حكم الفترة الانتقالية تعبر عن جوهر هذه المبادرة الأكاديمية وإذا أفلحت هذه الاوراق فى تقديم رؤية تضبط العلاقة بين السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية الوطنية والإستقرار السياسى والعدالة ،ومعالجة التنازعات القبلية والمناطقية ، وتقديم وثيقة مرضية لحكم الفترة الانتقالية ، والسودان ما بعد الحرب فقد أفلحت وأسهمت فى معالجة الأزمة السودانية ومهدت الطريق لوقف الحرب والإعمار وحكم مدنى مستدام.
ومما يجدر ذكره فى هذه المبادرة ان المجموعة لم تضع برنامجا وتوقيتات للتنفيذ وربما تركت ذلك للتداول والنقاش الذى يمكن أن يفضى إلى ذلك هى فكرة جيدة تتيح للمشاركين فاعلية المشاركة والإحساس بملكية المبادرة .
الطريق لهذه المبادرة ليس مفروشا بالورد و لاتسير فى طرق معبدة نحو تحقيق أهدافها وأمامها تحديات كبيرة لعل من أبرزها هذه الحرب المستمرة وآثارها التى تتسع دائرتها يوما بعد يوم ، والحرب لا تقف بالمبادرات بل بإرادة أطرافها ، إذن كيف لأطراف المبادرة مخاطبة الطرفين أو الضغط عليهما بما يوقف الحرب ويحقق السلام و يخرجهما من الإدارة السياسية للبلاد ، بالرغم من أن المنظمين لم يقدموا أنفسهم كوسطاء ولكن مما يفهم ضمنا أن المبادرة تقدم روشتة لهذه الأزمة التى أطرافها القوات المسلحة السودانية الجيش الوطنى ، وقوات الدعم السريع المليشيا الإرهابية ، والقوى السياسية السودانية .
يواجه المؤتمر تحدى فى مخاطبة مخاوف القوى السياسية المختلفة لقبول الحد الأدنى من الإتفاق السياسي لإدارة البلاد ، و ليس هذا فحسب بل إيجاد صيغة مقبولة للعلاقة بين السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية الوطنية بحيث تتجاوز النظرية الامريكية التقليدية فى العلاقة بين المؤسستين العسكرية والمدنية بصورة تحقق نظرية الأطراف الثلاثة ( السلطة والجيش والمجتمع) حتى نخرج من وصاية الأجنبى وأجندة الخارج .
لم تمزق الحرب البنيات التحتية الاقتصادية بل مزقت العلائق الاجتماعية بين المجموعات السكانية عندما تقدمت مجموعات قبلية للسيادة بالعنف وإقصاء الآخرين ، وتصاعد خطاب الكراهية ، كيف يمكن لهذا المؤتمر أن يقدم تصورا للصلح المجتمعي يجد القبول من أهل السودان ويحد من غلواء القبلية والمناطقية ، ويقدم تصورا لوحدة وطنية جامعة لأهل السودان .
غاب عن أوراق المؤتمر البعد الإستراتيجى كيف يمكن لمؤتمر بهذه الاهمية خلوه من ورقة للتخطيط الإستراتيجى الشامل الذى ينظر إلى مستقبل الأوضاع لما بعد الحرب وهى ورقة ذات صلة بالإعمار الاقتصادى والسياسي ومستقبل الحكم في البلاد .
مما يلفت الإنتباه ورقة المقاومة الشعبية فى وقت تتحدث المبادرة عن الصلح المجتمعي والبعد عن المناطقية ، المقاومة الشعبية فرضتها ظروف معينة قطعا سوف تزول بزوال الظروف ولا ينبغى التأسيس لذلك ، وقضية الحرب والمقاومة تقدرها المؤسسة العسكرية وأعتقد ان التعبئة العامة وإستدعاء الاحتياطى العسكرى هى بدائل الدولة وليست المقاومة الشعبية التى تتعارض مع الصلح المجتمعي.

أخلص إلى أن المبادرة بداية لسلسلة مناشط تسهم فى تحقيق الاستقرار والسلام الدائم فى السودان ، وإلى أهمية وضرورة هذه المبادرة زمانا ومكانا ، وأن أصحاب المبادرة وطنيون مستقلون وقادرون بما يملكون من الحكمة والاستقلال الأكاديمي لقيادة المؤتمر لتحقيق أهدافها رغم التحديات والمعوقات التى تكتنف مسيرة المبادرة .

 

Translate »