اعالي النيل .. مشاكسات الشركاء ومستقبل الاستقرار السياسي.

تقرير/ باطومي ايول

واجوما نيوز

بعد حسم قضية عدد الولايات في جمهورية جنوب السودان الـ(32)، والتي اخرت تشكيل الحكومة الانتقالية وتمديد الفترة ما قبل الانتقالية مرتين، وكانت أبرز القضايا العالقة، حتى جاء الحسم في يناير الماضي بالعودة إلى الـ(10) ولايات، واستقبل الجميع القرار بفرح شديد، ولكن عاد التعقيد للولايات بشكل جديد  ، ولكن هذه المرة عبر تقاسم الولايات العشرة بين أطراف اتفاقية السلام المنشط، وولايتي أعالي النيل وجونقلي بصفة خاصة.

الاستقرار الكامل

ظلت التحليلات تعتبر أن أي عملية استقرار منطقة اعالى النيل الكبرى هو مدخل لتحقيق الاستقرار الكامل في جمهورية جنوب السودان ، وترجع ذلك لما تخصها تتعلق بعوامل لها ابعاد موضوعية في إدارة ديوان الدولة في المركز، وأستددلت بحرص كل اطراف اتفاقية السلام المنشط لتحقيق مصالحها عبر بوابة ولاية اعالي النيل وكاقليم بشكل عام.

ليظل السؤال الرئيسي يتمحور حول ما سر تمسك الحزب الحاكم بقيادة الرئيس سلفاكير ميارديت من جانب والمعارضة خاصة المسلحة بقيادة د. رياك مشار من الجانب الاخرى لتنصيب أحد قياداتها لحكم ولاية اعالي النيل؟ فالنقطة الجوهرية تعد تفسير قضية الاستقرار بصورة عامة بجانب تحقيق الطموحات السياسية لاطراف الاتفاقية بصفة خاصة، فأنها  أحد أشكال صور المشاكسات السياسية بين الاطراف الرئيسية المنفذة لاتفاقية السلام المنشطة.

تراجع كير

ففي هذا الصدد طرحنا هذا السؤال على المهتمين والمحلليين السياسين في جنوب السودان حول ما وراء رفض الرئيس كير منح ولاية اعالي النيل الى شخصية تم ترشيحها للمعارضة المسلحة بقيادة مشار؟،  وما الذي سيترتب عليه في تحقيق الاستقرار؟ ولم يقتصر رفض كير على المعارضة المسلحة بل تعداها إلى رفض اخر اعلان مرشح ولاية جونقلي التي كان من المفترض أن تؤول إلى تحالف احزاب المعارضة “سوا”.

والجدير بالذكر كان رئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت يوم الاثنين الماضي قرر أصدر قرارا بتعيين عدد ثمانية حكام الولايات ،غرب بحرالغزال وشمال بحر الغزال ورمبيكا وغرب الإستوائية ،شرق الإستوائية،والاستوائية الاوسطى، واراب وولاية الوحدة، وكما وأصدر الرئيس كير قرارا عين فيها رؤوساء الوحدات الإدارية ،بيبور ،ابيي ، رووينق، وأبقى على حقيبتي أعالي النيل وجونقلي إلى حين حسم القضايا الخلافية، ودون ذكر اسباب واضحة لطبيعة الخلاف.

 

وكان الطرفان الرئيسيان  في الاتفاقية المنشطة كير ومشار اتفقا في اجتماع ثنائي في وقت سابق على تقسيم الولايات بين أطراف الاتفاقية ، وأعلنها وزير شؤون الرئاسة الرئيس نيال دينق في السابع عشر من يونيو، ونض الاتفاق على أن ينال الحزب الحاكم بقيادة كير ستة ولايات، وتنال المعارضة المسلحة بقيادة مشار  ثلاثة ولايات وتحالف احزاب المعارضة “سوا” ولاية واحدة.، وكانت ولاية أعالي النيل من نصيب المعارضة المسلحة، وذكر مكتب النائب الأول لرئيس الجمهورية الدكتور رياك مشار أنهم سلموا قائمة مرشحي حكام الولايات الثلاثة إلى كير في السابع والعشرين من يونيو.

الامال المخيبة

 

ورجح المحلل السياسي والكاتب الصحفي الأستاذ اتيم سايمون  أن تكون ملابسات عدم إعلان رئيس الجمهورية حكام ولايتي أعالي النيل الغنية بالنفط وجونقلي التي تشهد صراعا قبيليا هذا الأيام، هو أن الحكومة لم تتوصل إلى تفاهمات بعد مع المعارضة المسلحة حول حاكم ولاية أعالي النيل، والذي  يبدو أن هناك اعتراضات حكومية على مرشح المعارضة المسلحة للولاية إذ تطلب تغييره.

 

وأعتبر الباحث والكاتب الصحفي شوكير ياد ان كير يتعامل بمواقفه النفسية وهذة النقطة يبدو أنها الركيزة الأساسية في خلاف الطرفان، وأشار إلى قوة الحكومة  في فرض مواقفها على المعارضة فمن المؤكد أن النقاش سيكون مفتوحا ،ولكنه أتفق مع  سايمون بأن النقاشات لاتزال قائمة بين الطرفين في هذا الخصوص، ولم تحسم.

معضلة القسمة

ولفك طلاسم الخلافات العالقلة بين اطراف الاتفاقية حول ولايتي أعالي النيل عن جونقلي ، والتي تخضع إلى إاعتبارات معقدة، وعلى ما يبدو أن لها علاقة بالازمات والخلافات الداخلية المزمنة التي يعيشها تحالف احزاب المعارضة “سوا”، فقد كانت مسألة اختيار الممثلين في الحكومة نقطة خلاف جوهري سابقا شقت صفوفها وتعثروا لاحقا في اختيار ممثلهم للرئاسة الجمهورية، دفعهم إلى رفعها إلى كير لاختيار أحدهم باعتراض د. اكول.

ووضح اتيم انه بالنسبة لولاية جونقلي فإن القضية لاتزال  محصورة داخل تحالف أحزاب المعارضة المنقسم على نفسه، ولفت إلى وجود فصيل متردد في الترشح وهناك فصيل رافض لمترشح ، وأعتبرها بأنها  معضلة قد تحدث سيناريوهات جديدة ، ولكنه أستدرك بأنه هناك معضلة أخرى تتمثل في أحقية كافة المجموعات في التمثيل السياسي بموجب اتفاق السلام الشامل في حول توزيع الولايات.

المناخ السياسي

ويظل السؤال الذي يصعب الاجابة عليه عما الذي يفكر فيه كير؟ وهل سيبدل موقفه بمنح ولاية أعالي النيل ويسحب حقيبتها  من المعارضة المسلحة، ام سيكتفي بمطلبه بتغيير مرشح المعارضة المسلحة وترشيح شخص اخر.

وأكد المراقبون أن  مسألة الالتزام بالاتفاقيات هي إحدى  معضلات الاستقرار السياسي في البلاد، وتشكل مهدداً حقيقياً لتحقيق السلام شامل، وأرجعوا ذلك نسبة لتقديم المصالح الشخصية على مستقبل البلاد، هذا ما قاله الناشط السياسي صموئيل فيتر ، واتهم  معسكر كير (الحكومة) بأنه ظل لا يلتزم بالاتفاقيات والتعهدات  وأرجع ذلك إلى طبيعة تعدد مراكز اتخاذ القرار في نظامه وتناقضاته وتأثره  بمصالح (زبائنه السياسيين ) من المجتمعات والقوي السياسية الحليفة.

وبالطبع سيظل موضوع توفيق المناخ السياسي العام الان كاحدى معضلات تنفيذ الاتفاقية المنشطة بين الأطراف المعنية بتنفيذها ،والتي من الواضح أن المشاكسات السياسية ستمثل السمة الرائدة أثناء تنفيذ بنود الاتفاقية يستصحبها شق صفوف المعارضة من قبل الحكومة.

مجتمعات اعالي النيل

وفي السياق رفضت مجتمعات اعالي النيل حصول المعارضة المسلحة بقيادة مشار بجانب مرشحه ، والامر الذي جاء ربما رضوخا لخيارات مجتمع افدانق الذين تكالبوا عبر بياناتهم رافضين لذلك، وتمسكوا بباتفاق السابع من يونيو التي منحت بمقتضاه الولاية  لتحالف ” سوا”، ووصف د.جالفان سامسون خطوة كير بغيرالمفاجئة لدى كل المهتمين بالشأن العام، لأسباب أساسية مبينا أن كير رضخ للبيانات التي أخرجتها روابط ومجتمعات افدانق وتمسكت بها ،واردف( أن كير ظل يثبت دوما أنه قبلي بفعله هذا لأن مجلس الأعيان الدينكا هي التي ربما يكون دفع كير بعدم اعتماد مرشح مشار لولاية أعالي النيل).

ورأى سامسون ان النقطة الاخرى هي ضعف المرشح الذي قدمته المعارضة المسلحة،  بجانب وعودها لفصيل اقوليك الذي كان يحارب مع مجتمع افدانق لاسترداد اراضيها المنهوبة، وأكد أن تلك المعضلة مؤثرة في موقف كير تجاه مشار.

التأثير المحلي

ورجح سامسون  أن احتمالية ايلولة ولاية جونقلى إلى الحركة الوطنية الديمقراطية بزعامة د.لام أكول ، مما جعل مجلس اعيان دينكا يتخوف من التعاون المستقبلي بين حاكمي الولايتين الجاريتين، وأوضح أن نجاحهما في حل المشاكل الداخلية  يمكن أن يعطى فرصة اكبر بان يكون للحركتين حظوظ اوفر في كسب الراي العام للشعب، ومن ثم ترجيح كفتهما في الانتخابات القادمة بنهاية الفترة الانتقالية، ولا سيما أن الحركة بقيادة د. لام  من اكثر الحركات اتزانا في الطرح و التي تتملك رؤية مستقبلية للبلاد.

التغريد المنفرد

وحذر الكاتب والصحفي شوكير ياد من المنعرجات الخطيرة الاتفاقية المنشطة منذ لحظة تنفيذها ، وشكك في أن الرئيس كير بات يغرد منفردا خارج اطار الاتفاقية المنشطة بعد تشكيل الحكومة الانتقالية ، وخاصة فيما يتعلق بمسائل اتخاذ القرارات التي تتعلق ببنود الاتفاق المنشط وتنفيذها دون مشاركة اطراف الاتفاق ، وابان “ياد” الحقيقة حول تنفيذ الاتفاق والتي تعكس وجهة نظر واحدة يبدو اكثر وضوحا بأن    ينفيذ الاتفاق بطريقة انتقائية عبر طريق فرض معطياته على الاطراف ، وأكد انه نجح في فرض واقعه حول مسألة تقسيم الولايات على اطراف الاتفاق ، وهو ذات الامر الذي يحاول ان يفرضه حاليا حول تعيين حكام ولايتي جونقلي وأعالي النيل.

مخاوف كير

وأرجع  ياد اسباب تراجع  كير عن عدم اعلان حاكما الولايتين إلى حجم الضغوط الرهيبة التي مورست على الرئيس كير من قبل مجتمعات الدينكا المتواجدين في اعالي النيل وتخوفها، من تبعات ذهاب مقعد حاكم الولاية الى المعارضة المسلحة ، واشار بان الحالة النفسية لكير حول فكرة تقلد الجنرال جونسون اولونج منصب الحاكم والتي تشترك فيها كل من الحكومة ومجتمعات دينكا افدانق تعد امر مزعجا له .

 

فيما يلي ولاية جونقلي ابان ياد ان لامر له علاقة ايضا بالحالة النفسية ، واتفق ياد مع  سابقه سامسون حول رفض كير تقبل تقلد شخص ينتمي لحركة لام اكول لمنصب الحاكم، وذلك لأن سلفا يريد البحث عن شخص ينسجم مع توجهاته وسياساته ، وهو ما لم يتوفر  في مرشح مجموعة “سوا” والذي دفع به لام اكول.

فرص استدامة السلام

تظل ولاية أعالي النيل بؤرة الخلاف الاساسي بين اطراف اتفاقية السلام المنشطة من كل النواحي ، مما يدل ذلك على تباين حجم المصالح السياسية والمكاسب الاقتصادية والعوامل التكتيكية للحفاظ على القبضة الحديدية ، ويساهم ذلك في تجيج الاوضاع الامنية وتاجيل مسالة الاستقلال السياسي في الولاية لتاخذ مسارها الطبيعي، وهذا ما اشار اليه كل المتابعين ان استقرار ولاية اعالي النيل الكبرى تتعلق بمسالة تحقيق السلام العادل، ذهب فيها “ياد” ان في ظل هذه التعقيدات وتقاطعات المصالح التي تطغى على تنفيذ الاتفاق الحالي، تنعدم فرص تحقيق سلام عادل يحقق الاستقرار  والانتقال السياسي في جنوب السودان . ويمكن الحديث بان الاتفاقية لن تحقق طموحات وتطلعات الشعب الجنوبي من خلال تلك الاتفاقية التي تم وأدها لحظة توقيعها.

 

Translate »