دور القوى السياسية فى حرب الخرطوم .. وخيار  التحلي بالصبر ( ٥)

واجومانيوز

بقلم: دعبدالله ميرغنى

واجومانيوز

لم تكن وثيقة الإتفاق الإطارى وبنودها الا القشة التى قصمت ظهر بعير الممارسة السياسية غير الراشدة من الفاعلين فى مسرح السياسة وقتها ، وعلى رأسها القوى السياسية التى كانت تهيئ مسرحا لا يتسع الا لموقعى الإتفاق ، و ترى أن عدم تنفيذ الاتفاق يعنى (الحرب ) ، وفى الجانب الاخر يرى رافضوا الإتفاق أن تنفيذه يعنى( الحرب ) و فى تحالف غير مكتوب ذهبت القوى السياسية تدفع طرفى العسكر نحو المواجهة حيث مثلت قوى الحرية والتغيير جناحا سياسيا للدعم السريع الذى بدأ مبشرا ومناديا بالديمقراطية والحكومة المدنية ، والغريب أن القوات المسلحة تنادى بذات الامر ولكنها فى نظر قوى الحرية انها غير صادقة ، وكان واضحا التفاف الحرية والتغيير والقوى السياسية المتحالفة معها وبعض المنشقين من الجبهة الثورية حول الدعم السريع ، بينما ناصرت قوى الحرية ( الكتلة الديمقراطية ) وبعض قيادات الادارة الاهلية واصحاب المبادرات الوطنية فضلًا عن المؤتمر الوطني المحلول القوات المسلحة ، ويعتبر مشهد إصطفاف القوى السياسية حول العسكر قبل حرب ١٥ أبريل من المشاهد الكارثية للقوى السياسية السودانية و التى كانت شعاراتها فى بداية الثورة أن طرفى العسكر بين أمرين (الحل ) و العودة ( للثكنات) .

قوى الحرية والتغيير والدعم السريع و حلفاءها من القوى الخارجية بعثة الامم المتحدة ورئيس بعثتها ( فولكر ) وأصحاب المبادرات الثلاثية والرباعية لم يكونوا مستعدين لقبول اى تعديل فى الإتفاق الإطارى فقط على الجميع التوقيع ، فى ذلك الوقت كانت البعثة لدى قطاع عريض من الشعب السودانى قد فقدت حيادها ومشروعها السياسي ودورها فى المساهمة فى الانتقال السياسى ، بتبنيها وجهة نظر طرف مدنى مقابل بقية الأطراف بل إهتزت علاقتها بالقوات المسلحة السودانية أقوى أطراف المعادلة السياسية ، وبالرغم من إعتراض الجيش وقوى مدنية سياسية ولجان المقاومة والحركات المسلحة على خطوات المبعوث الأممي إلا أنه أصر على المضي قدما فى مشروع الإتفاق الاطاري بمساندة من الدعم السريع والحرية والتغيير المجلس المركزي ، وقد ثبت لاحقا أن تحفظات القوى المعترضة على الوثيقة كانت تستحق المعالجة الحذرة والحكيمة وعدم التسرع، بدلا من الإندفاع وراء أجندات قوى الحرية والتغيير وممارستها غير الراشدة و الاقصائية ، المعتمدة على آليات القوى الدولية فى فرض ممارسة غير ديموقراطية لتكوين دولة مدنية غير متفق عليها ، ومسنودة محليا بالدعم السريع التى لا تملك سجل يؤهلها لاى ممارسة ديموقراطية أو المساهمة فى التأسيس لدولة مدنية أو نشاط سياسي .

بدأ واضحا أن مهمة المبعوث الخاص لن تنجح إلا بالتواصل مع كل الأطراف المعنية وتقديم إقتراحات يمكن تحقيقها ولو تدريجيا بعد أن تكون مقبولة من الجميع .

عرت حرب الخرطوم كل القوى الفاعلة في السياسة السودانية الفشل فى مشروع تقاسم السلطة بين (مختلفين ) القوى والتيارات السياسية الأخرى وصعوبة خلق شراكات بين أطراف متناقضة من أجل الحكم وإدارة البلاد ، بالرغم من حضور المجتمع الدولي وجهده فى تاسيس نموذج قائم على اقتسام السلطة بين اطراف متناقضة سواء كانت قوى سياسية مدنية او عسكرية مما انتج مرحلة هشة قائمة على المواءمات التى تعمق الخلافات فى الواقع وتخفيها فى العلن حتى انفجرت بالمواجهات الدموية ، وتتكشف على إثرها التحالفات والعلاقات الإنتهازية بالرغم من الإنتهاكات الإنسانية الفظيعة غير المسبوقة فى التاريخ القريب .

 

Translate »