دور القوى السياسية فى حرب الخرطوم .. كي لا يكون التاريخ سجنا ( ٢)
واجومانيوز
بقلم :د.عبدالله ميرغني
واجومانيوز
إندلعت ثورات اكتوبر وابريل واخيراً ديسمبر ثورات شعبية ضد حكومات عسكرية تنشد إقامة حكومة ديمقراطية يتم فيها تبادل سلمى للسلطة عبر إنتخابات حرة نزيهة ، وشهدت هذه الثورات الشعبية إنحيازاً من المؤسسة العسكرية لمطالب الشعب وتطلعاته كعادة الموجات الديمقراطية فى أفريقيا واميركا اللاتينية ، فكانت الشراكات السياسية بين العسكريين والمدنيين لمواجهة تحديات الانتقال والتحول السياسى ، ولم يكن السودان بدعا من عمليات الإنتقال الديمقراطى ، شهدت الفترات الإنتقالية لثورات اكتوبر وابريل تعاونا وأنسجاماً بين القوى السياسية والمؤسسة العسكرية مما أدى إلى حدوث إنتقالا ديمقراطيًا سلساً عبر إنتخابات حرة أفرزت حكومات منتخبة ، لكن الناظر لثورة ديسيمبر يجد تباينا كبيرا فى ظروف نشأتها ومكوناتها والتطورات التى صاحبتها والعلاقة بينها والمؤسسة العسكرية مقارنة بثورات اكتوبر وأبريل ، جاءت ديسمبر بعد أكثر من ثلاث عقود تحت حكم تنظيم واحد فشل في إحداث التحول الديمقراطي وبسط الحريات فضلًا عن أداء إقتصادي ضعيف فى ايامه الاخيرة ، كان جيل الشباب الذين تربوا تحت نظام الإنقاذ هم وقود تلك الثورة والعشرات من المهاجرين المعارضين فى الدول الغربية وأمريكا المتطلعين إلى النموذج الليبرالي الغربى وهو المسيطر على اذهان الثوار ، خطاب الثوار لم يكن متسامحا مع النظام السابق وعناصره رغم سلمية الثورة ، التكنولوجيا والميديا كانت حاضرة فى تحريك جموع الثوار والاصابع الغربية تعيد الى الاذهان أن ربيع السودان يأتى وحده وفريدا ، وكان المحيط الأفريقي والعربى حاضرا و مؤثرا ، فضلا عن حضور إستخبارى ودبلوماسي غير مسبوق ، قوى عسكرية عديدة كانت حاضرة فى المشهد السياسي القوات المسلحة، المؤسسة الرسمية للدولة، مليشيا الدعم السريع الفاعل القوى شريك المدنيين والجيش فى السلطة ، الجبهة الثورية بفصائلها المسلحة المختلفة .المشهد السياسي كان يمور بروح عدائية عالية من قوى الثورة والقوى السياسية تحت مظلتها تجاه تنظيمات وصفتها بالموالين للنظام البائد ، السلوك العدائي سمة العلاقة بين العسكر والمدنيين الذين يرفضون اى دور للجيش غير تسليم السلطة والعودة للثكنات ، مطالب الثوار من العدالة والمساواة تتلمس خطاها فى وسط هذا البحر المتلاطم من العنف الثورى ليس ضد النظام السابق وعناصره وكل مايمت له بصلة فحسب بل ضد قيم ومبادئ الشريعة والدين وكل ذلك فى تقديرهم من رجس النظام .
فى هذا الجو الذى يسوده عدم الثقة ولدت (الوثيقة الدستورية) و تقاسمت بموجبه العسكريين (الجيش والدعم السريع) والمدنيين ( قوى الحرية والتغيير ) والحركات المسلحة لاحقا (مجموعة جوبا ) تركة الانقاذ و لادارة البلاد فى فترة انتقالية بموجب الوثيقة الدستورية فكانت بداية لمرحلة التشاكس والخلافات والاتهامات المتبادلة بين أطراف الحكم في الفترة الانتقالية فترة الانتقال الديمقراطي حيث شكلوا جمعيا كتلة غير قادرة على الوفاء بمطلوبات مرحلة التحول الديمقراطي والسياسي .
نواصل…