وكتب فاولينو اكانج…أهمية السلام الإجتماعي في إدارة التعدد
واجومانيوز
بقلم: فاولينو اكانج
واجومانيوز
يُعرف السلام عموماً بأنه غياب الخلاف، العنف والحرب و بمعني أخر هو الإتفاق والإنسجام والهدوء، وهذا تعريف شائع غير رسمي، أما المجتمع فتعني جماعة من البشر تربطهم علاقات ومصالح مشتركة، تبداً من الأسرة، الجيران، الحي، المدينة ومن ثم الدولة والتجمعات الإقليمية والدولية.
فالإنسان بطبيعته كائن إجتماعي لايمكنه العيش بمفرده معزولا عن غيره من الناس، فقد كان أبونا أدم وبحسب الكُتب السماوية وحيداً في بداية الخليقة. في سفر التكوين في الكتاب المقدس، قَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» هذا يعني بأن جلالة الخالق رأي بأنه ليس حسناً أن يعيش أبونا أدم وحده في جنة عدن فخلق له شريكة وهي أمنا حواء، وفي الإسلام نجد أهمية المجتمع في قوله تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) “سورة الحجرات”.
بالشواهد الدينية التي ذكرتها، نجد أن الإنسان يحتاج لأخيه الإنسان فلا يمكنه إشباع حاجاته بمفرده، ولإشباع تلك الحاجات المختلفة في المجتمع لابد أن يسود فيها روح السلام والمحبة وعمل الخير بين الناس، فالأسرة بحاجة مُلحة إلي وجود السلام الداخلي بين أفرادها، وليتحقق تلك السلام علي مستوي الأسرة لابُد من نبذ العُنف الأسري والعيش في تفاهم، هذا يعني أن غياب السلام بين الأسرة قد تفضي إلي الخصام والطلاق بين الأزواج وبالتالي تشرد الأطفال، وإستقرار الأسرة سلمياً وعدمها تمتد إلي المجتمع المحيطة فتخلق فيها عدم الإنسجام والإختلال في المعايير التربوية و النظام العام.
أن فكرة وجود السلام بين المجتعات هي فكرة أذلية ومهمة، فالمناسبات الإجتماعية لايمكن إقامتها أو إنجاحها إلا بحشد جماهيري مجتمعي لتعتبر مناسبة ناحجة كحفلات الزفاف علي سبيل المثال، لا بد أن تتوفر المُحبة والإلفة وقبول الغير.
نظرية العقد الإجتماعي بحسب “جان جاك روسو” هي إتفاق ومثياق لخلق توازن في المجتمع والإلتزام بالحقوق والواجبات بين البشر أنفسهم أو بين الحكام والمحكومين تحقيقاً للحرية والمساواة والعدالة والسعادة.
جنوب السودان يتكون من مجتمعات متنوعة إثنياً، إجتماعياً وثقافياً، ويجمع بين تلك التنوع والتباين قاسم مشترك وهي البقعة الجغرافية أو الدولة وهو ما أوجد المصالح والمصير المشترك فيما بيننا كجنوبيين، فشعب جنوب السودان تعارفوا على بعضهم البعض بعد أنتقالهم من الحياة البدائية إلي الحضرية فمجتمعات جنوب السودان كانت مجتمعات بدائية تنشط في الرعى والزراعة والصيد ولم يكن بينهم تواصل كالذي نراها اليوم، ولكن تغير الأمر بدخول التعليم والدين الذان لعبا دوراً مهماً ومحوريا في خلق حلقة وصل والوحدة بين تلك المجتمعات، وتعمق تلك الوصل أكثر أثناء حرب التحرير فإنصهر الجنوبيين كرفاق في كتائب ومعسكرات التدريب ومعسكرات اللجؤ والنزوح، وبعدها تطورت العلاقة وقوت أوصال التواصل عبر التبادل التجاري والمصهارة والتداخل الحدودي.
فلا شك أن قيام بعض القبائل بإستعارة أسماء لمواليدهم من القبائل المجاورة دليل على عمق العلاقة وحسن الجوار في ظل غياب العنف وإستقرارالعلاقة فيما بينهم، وأيضا نجد إشتراك الجنوبيين علي نظاق واسع في ثقافة اللبس والأكل فنجد أكلات “كمبو، فوندو، متاريري، كروفو، أكيلو، أكوب، والوال، باسيكو …. الخ) هي بمثابة أكلات مشتركة علي نطاق واسع فيما بين الجنوبيين وحتي في طُرق البناء ومهارات الصيد والزراعة وتربية المواشي هناك شبه تطابق في كل بقاع جنوب السودان، و من حيث الملبس نجد أن لبسة اللاوة كنموذج قد بدأ من مجتمعات معينة والأن وصلت إلي مرحلة القومية، فالتعايش السلمي بين مكونات المجتمع بتنوعها الثقافي أصبحت رمزا للوحدة الوطنية وفخراً لشعبها بين الأمم. وتحققت ذلك الإنسجام بوجود السلام الإجتماعي.
وفي تقديري هناك مهددات لالسلام الإجتماعي في جنوب السودان عموما كقضايا الحدود والتنافس حول الموارد والتغيير المناخي الذي يغير من طبيعة اماكن معينة مما يجعل سكانها ينزحون إلي أماكن تتبع لمجتمعات أخري، بجانب النزاعات التي تحدث بين الرُعاة والمُزارعين ونهب المواشي فيما بين الرعاة وإختطاف الأطفال والنساء بالإضافة إلي الصراع حول السلطة بين النخب السياسية بجانب ظاهرة الثأر وإنتشار السلاح والجهل والفقر بين إفراد والكحول والموثرات العقلية والمخدرات وتفشي ظاهرة النيقرز في المدن فهذه القضايا والمشاكل إذا لم يتم التعامل معها بصورة جادة ستشكل مهدداً للأمن الإجتماعي.
ولا شك أن بعض تلك المُهددات يمكن تدرُاكها عن طريق حوارات مجتمعية جادة ولا يمكننا الحديث عن ذلك بمعزل عن دور الأسرة والدولة الهام في العمل على تعزيز مُحفزات السلام الإجتماعي كإقامة الدورات الرياضة والأنشطة والفعاليات الثقافية التي تجمع الشعوب، كما يمكن للدولة إستخدام الدين عن طريق إستغلال المنابر الدينية في سبيل تزليل العقبة التي تواجه المجتمع في تحقيق سلام إجتماعي شامل.
ولا بد من تُبذل الحكومة جهداً إضافياً عن طريق الإهتمام بالمسرح والفنون ومختلف الأنشطة الثقافية بجانب إنشاء مراكز لتعليم الشعب ثقافة السلام.
ومن المؤسف جداً إنتقال العنف إلي ساحات الملاعب الرياضية في الأونة الأخيرة، الأمر الذي أدي إلي إلغاء بعض البطولات جراء ذلك فعلي الجهات المنوطة بها إدارة الشأن الرياضي كالإتحادات المحلية والقومية بجانب لجان المنافسات التي تقع خارج إطار الإتحادات العمل على محاسبة مثيري العنف والشغب ومحاولة ضبط سلوكهم والتعامل معهم بحزم وفقاً للقانون واللوائح المنظمة للعبة كرة القدم كانت أم المصارعة التقليدية، فلابد من غرس الروح الرياضية في اللاعبين منذ التكوين قبل تعليمهم المهارات الشخصية للعبة والمشجعين أيضآ على حد سوا لخلق السلام الرياضي والمجتمعي.
فلابد من الإشارة إلي ظاهرة أخرى وهي دور العبادة ودُعاة الإيمان، كما نعلم جميعاً فإن المعبد مكاناً لممارسة طقوس المحبة والإيمان والسلام والتقرب إلي الخالق، فالله دعا إلي السلام وعلَي درجة الصلاة في الجماعة بالنسبة للمسلمين وفي المسيحية حث الكتاب المقدس المؤمنين أيضا على صلاة المجموعة. وخير دليل علي ذلك قول المسيح (لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ)، فهذه إشارة واضحة إلي أهمية المجتمع في أن يعيش الناس معا ولا يجتمع الناس إلا إذا كان هناك سلام ومودة وحب الغريب.
وعليه في تقديري أن إنتشار الكنائس وعدم تقنين أوضاعها القانونية أصبحت وباءا على المجتمع فهناك كنائس تأسست على أسس إثنية دون معايير واضحة في رسامة الأساقفة والرهبان فنجد أن الرسامة تتم على أساس الإنتماء القبلي أوالتمثيل الجغرافي دون مراعاة المؤهلات المطلوبة في شخصية الكهنة والرهبان، الأمر الذي أدى إلي ظُهور ظواهر سالبة في الكنائس ونشوب خلافات حادة لدرجة وصول أعضاء تلك الكنائس إلي المحاكم ووصل بعضها مرحلة إلي العُنف البدني بين قادة الكنيسة. فالكنيسة كأحدي الادوات التي تهدف إلي السلام الإجتماعي بعد الإيمان أصبحت تُصدَر العنف الي المجتمع مما يساهم سلبا في السلام الإجتماعي.
ولاننسي أيضا الساسة ودورهم السلبي في خلق وتعميق النزاعات المجتمعية، بناءاً على أفكارهم وطريقة تعبئتهم الغير شريفة داخل المجتمع وطموحاتهم، من الممكن حدوث خلاف سياسي بين الأقران أو الأشقاء أو التنافس حول السلطة فبدلا من أن يتم في جو سلمي نجد العكس تنتج عنها عنف وعنف مضاد وإزهاق أرواح أبرياء لا يد لهم في الاطماح السياسية لأولئك القادة، مسببين عدم السلام والإستقرار.
أخيرا نأمل ان يكون السلام المُجتمعى أساس الوحدة الوطنية والمساواة وإحترام الأعراف والمكونات الإجتماعية وقبول التعايش في إطار التنوع الثقافي والإثني ويجب علينا العمل على تقويتها كما لابد للحكومة من تفعيل القوانين وسيادة حكم القانون والإلتزام بالواجبات وإحترام الحقوق والحريات الأساسية للأفرد و المجموعة ولا بد أن تنتهج الحكومة نهج الإدارة السلمية للتعددية الاجتماعية، الاقتصادية، العمل علي ترسيخ العدالة الإجتماعية وتشجيع الأجسام الإجتماعية والثقافية والفنية بإنشاء مسارح ومراكز ثقافية ورفع شأنها لخلق إنسجام وتوازن بين المجتمعات المختلفة فلكل واحد منا دور جوهري لإرساء قيم السلام في مجتمعاتنا.
فاولينو اكانج
ناشط حقوقي- اجتماعي
buakany@gmail.com