وكتب سيف الدولة صالح…ود أمي يا ناسي!!))
واجومانيوز
يقلم:سيف الدولة صالح جفال
واجومانيوز
رمضان زايد جبريل.. والطرب الاصيل.
هنالك مقولة علمية تؤكد ان السبيكة هي معدن يتركب من مزيج معدنين مختلفين وياخذ منهما افضل صفاتهما ويفوقهما جودة. هكذا هم الخلاسيون دوما.. ومن حسن وجمال وتمام الاقدار الطيبة أن امة السودان اليوم هي سبيكة بشرية ولود تؤتي ثمرها الطيب عبر مسيرة الصيرورة المستمرة مستمدة الق وتوهج شخصيتها من فسيفساء التكوين السوداني البديع,فياتي طلعها رائع في شتى ضروب الحياة والفن احدها بسريانه المبهج في سماوات النفس وترويحه عن الروح المسهدة والفؤاد المشبوب, وليس باقدر على ذلك فن اكثر من فن الغناء.! رمضان زايد جبريل احد ايقونات الغناء السوداني مفترعا اسلوبه الخاص في أدائه الرشيق والتلقائي وله إرث عريض من جمال الصوت ببصمته الخاصة التي تجمع ما بين الطرب المصطخب والنغمة الصداحة.
ميراث مواهب رمضان زايد إستقاه من جينات تقلي العباسية المملكة العريقة والتي ينحدر منها والده زايد جبريل واهلها الطربون بالرقص الغناء الجماعي. أما الشق الثاني من السبيكة المكونة لموهبة رمضان الصوتية فيآتي من والدته خديجة عبد الله الجاك واسمها بلغة الشلك(ناندينق) وهي شلكاوية الاصل غارقة في ديوان الشلك الاكبر وهو الغناء حيث انهم يودعون كل مكونات حياتهم وتاريخهم وحراكهم في الحياة في إلياذة (أممية) يرتضعونها مع حليب الامهات وهدهدتهن لهم. والشلكاوي الذي لا يغني ليس بشلكاوي!!
فكان المارش الشلكاوي رقم واحد وإثنان وثلاثة في موسيقانا العسكرية السودانية. ومن كل هذا المزيج تدفقت ملكات رمضان زايد الفنية منذ بواكير صباه حيث ولد في مدينة ملكال في ثلاثينيات القرن الماضي مضمخا صباه بعطر نسمات خريفها واهازيج الطفولة ومرحها مع أترابه من شتى القبائل النيلية مضيفا إليه ثقافة اهله في حي الملكية الشارب من ينابيع السودان حضارة وتقاليد وعادات أصيلة وصوفية تؤكدها اصطخاب حلقات الذكر في كل خميس وإثنين في (الزوايا)المنتشرة في الحي العريق. وعندما بلغ سن القبول ألحق بمدرسة البندر الاولية بملكال في العام 1942وهناك بدأت مواهبه تطل من خلال إحتفالات اليوم الدراسي وليالي السمر فيغني ويرقص ويمثل , إذكان ذو شجاعة ادبية راسخة كما وصفه إبن خالته ورفيق صباه الاستاذ الراحل زين العابدين خالد.
وعقب إكمال دراسته الاولية بملكال عام 1946 قصد رمضان الخرطوم وقد إختمرت فكرة مشروعه الابداعي كفنان مغني , فجاء إلى ام درمان حيث له (عقب) من الاهل وأقام بحي الموردة ثم إنتقل إلى الديوم بالخرطوم , وما بين الموردة والخرطوم شبت موهبته عن الطوق بالاستماع والمتابعة والمشاهدات إلى ان إلتقى الفنان الكبير عبد العزيز محمد داؤود الذي أعجب به أيما إعجاب وساعده على الولوج إلى عالم غناء (أم درمان) فالتحق رمضان بفرقة الخرطوم جنوب للغناء والموسسيقى في العام 1951دارسا لمبادئ الموسيقى والغناء والتقى هناك بالعديد من المطربين والموسيقيين إلى ان كان العام 1957 عام الفتح الذي أجيز فيه صوت رمضان زايد رسميا وتم تسجيله بالاذاعة السودانية مع من صاروا فيما بعد مشاهير الغناء السوداني .. وردي.. كابلي- منى الخير – عربي- عبد الفتاح الله جابو.و…إنطلق رمضان زايد.
سجل رمضان رائعة مبارك المغربي الفصيحة( ليتني زهر) واغنية (كيف أنساك) ثم( الما حاسي بي) والشيخ سيرو و(غصن الرياض المائد) وحكاية كرن. وصدح البلبل رمضان في سماوات ليالي الخرطوم طربا إلى أن كانت سبعينيات القرن الماضي حيث عمد الفنان رمضان إل تنشيط وإحياء غناء وإيقاع التم تم الشهير وترقيته عبر ألحان جديدة وأداء متفرد لم يجاريه فيه أحد إلى الآن جامعا بين الطرب والدراما والحركة وأحيانا الضحك!. كان رمضان زايد حالة من الطرب والتطريب ماثلة معيدا الحياة إلى إيقاع التم تم كما وصفه البحاثة الاخ العزيز الصديق الراحل الاستاذ محمد يوسف عثمان رحمه الله.
بل مضى رمضان أكثر من ذلك حيث إستطا ع أن ينقل ببراعة كبيرة أغنيات البنات المعروفة بغناء السباتة إستطاع ان ينقلها من (السباتة ) حيث المستمع النمطي المحدود إلى المسارح والصالات المفتوحة وبالتالي إلى جمهورواسع. ولم يكن غناءالسباتة هابطا بل كان بسيطا في شكله وعميق في مدلولاته,فرفعه رمضان إلى مقامات الاستماع الراقي بعد أن موسقه ,فأتى برائعة غناء التمتم (ود أمي يناسي ..انا العذاب علي قاسي) مبرزا جمال اللحن الميلودي ومن ورائه كورس رجالي من العازفين انفسهم . وغنى من تلك النوعيات( جوز عيوني الالموني) و( درتي الغالية) ثم غنى (بنات بحري ) وآخر الجزا المعروفة بشقا شقا.
صال رمضان وجال في نواحي العاصمة والأقاليم بشخصيته المرحة المحبوبة إذ كان من ظرفاء الفنانين, صادقه مشاهير المجتمع ومنهم الرئيس لاسبق جعفر نميري والطبيب الفنان عوض دكام ورجل الاعمال خليل عثمان رحمهم الله جميعا. وكان رمضان يتأنق في ملبسه مشتهرا باللبسة الافريقية المزركشة مذكرا بوجدانه ( التقلي – شلكاوي )والسوداني في النهاية , رحمه الله رحمة واسعة بقدر ما أسعد وأطرب .وأخيرا أسدل الستار على فصل جميل في مسرح الغناء السوداني في ديسمبر 1985 حيث توفي الفنان رمضان زايد ودفن بمقابر فاروق تاركا لنا (شذى من زهر رياض اغنياته البديعة وصوته الشجي الجميل.