الصحة النفسية للمهنين (المحاميين والاطباء) نموذجا

واجومانيوز

بقلم :المحامي/فاولينو اكانج

واجومانيوز 

يعد العمل بصعة عامة من ضمن أنشطة التي يقوم بها الإنسان في حياته لتغطية إحتياجاته الضرورية في الحياة من المأكل، المشرب، الملبس والمسكن، و العمل من حيث طبيعته قد *يكون* فردي (يوديها الشخص بمفرده) أو جماعي، ومن ناحية أخري يمكن أن يكون يدوي أو ألي بإستخدام الادوات *التقليدية* والآليات والتقنيات حديثة كانت أم عادية وقد ينقسم ايضا الي بدني و عقلي ويختلف الشروط اللازمة لشغل أي منها فبعضها يتطلب مؤهلات اكاديمية علمية و أخرى تتطلب اللياقة البدنية بجانب الحضور الذهني للعامل.

للعمل منافع وفوائد إجتماعية واقتصادية لاتحصي، ومع التطور التكنولوجي أصبح الإنسان يستخدم التقنيات الحديثة لإنجاز أعماله، واصبح الاعمال اليدوية *تنحسر* يوم بعد يوم.

وبعد قضاء وقت طويل في انجاز اي من الأعمال تفرض راحة العامل نفسه كعنصر مهم للتقليل من ضغط العمل، بجانب ايجاد فرصة يمكن العامل من القيام بواجبات ومهام إجتماعية مع الأسرة والاصدقاء.

العمل حسب نصوص الإتفاقيات الدولية، دساتير الدول و القوانين الوطنية فرض للقيام بها في مرحلة عمرية معينة تبدا من سن ١٨عام وتنتهي الخدمة بالتقاعد في ٦٥ عام من عمر العامل، وهي الفترة التي يتدرج فيها الانسان في المراحل المختلفة من عمره بدآ من الشباب وتنتهي في مرحلة الشيخوخة وهي المرحلة العمرية الذي يصبح الانسان فيها بحاجة الي الراحة اكثر منها العمل.

في معظم الدول، يتعرض المهنيين _ وأخذت المثال بمهنتين _ المحامين والأطباء، بشكل شبه يومي وراتب لضغوط العمل من الناحية النفسية والإنهاك والارهاق البدني القاسي مما يجعل تأثيره علي عقولهم وسلوكهم واضحة وجلية.

فالمحامين كمهنيين، يعانون من ضغط نفسي رهيب، ومما لا شك فيه هو أن مهنة المحاماة من المهن النبيلة وهي تصنف كأحد أركان العدالة والإنصاف، فالمحامي يقوم بمهام ثلاثي الأضلاع فنجده يهتم بأسرته من جانب وموكليه من جانب أخر ومن جانب ثالث تقع عليه أعباء إدارة مكتبه، فان إهتمامات المحامي كمهني تشكل عليه ضغط هائل، فهو يقضي يومه منشغلا بإستمرار دون اي توقف بين القيام بحضور اجتماعات وجلسات و تسويات النزاعات والتحكيم وكتابة المرافعات وإعداد الملفات والمذكرات والعرائض ومراجعة البريد الاليكتروني ومراجعة الرسائل المختلفة بجانب الاستجابة الفورية وبصورة عاجلة لطالبي الاستشارات القانونية العاجلة.

يحضر المحامي إلي مكتبه باكرا قبل شروق الشمس، وعلي عاتقه هموم أسرته وأطفاله واهله من التزامات مادية كانت أم معنوية، ويعود متاخرا في وقت قد يجد أن أطفاله غطوا في نوم عميق فلا يوجد لديه الوقت للدردشة معهم و مؤانستهم.

هذا الوضع يتسبب فيه تعارض مواعيد العمل غير المعينة ومحاولة التوفيق مابين العمل و ايجاد مساحة للجلوس مع أفراد الأسرة ومن ناحية ثالثة طبيعة المدرسة التي يدرس فيها الاطفال.

يتاثر المحامي بنتيجة الأحكام التي تصدرها المحاكم ضد موكله، وفي حالة صدور حكم مغاير لما اجتهد لاثباتها، يحس المحامي بنوع من الخيبة والفشل والتوتر والقلق واهتزاز في مركزه الأدبي في نظر موكله الذي يمني نفسه بنحاج وكسب الدعوي بمجرد التعاقد مع محامي. وفور إنتهاء الحكم يقوم المحامي بناء على الوقائع والبينات، ببداية مشوار جديد شاق بحثا عن العدالة وإعادة الثقة في نفسه و البحث عن حكم عادل أخر يقتنع به وموكله. ويقوم المحامي بإجراء بحث شامل في الكتب والمراجع والسوابق القضائية عن أسباب موضوعية لإلغاء الحكم بناءا علي حجج قانونية يدعم بها إستئنافه، فهي مجهود كبير وشاق.

وفي الجانب الاخر أيضا نجد ايضا معاناة الدكاترة (الاطباء) من خلال عملهم و علاقتهم بالمرضي، فيقع علي الاطباء عبء الاستجابة للإستشارات ومتابعة الحالات والمرور على العنابر وإنتظار نتائج التحاليل الطبية على مدار الساعة و العمل في أكثر من مستشفي بدوامين ليل ونهار لسد الحاجة

فالطبيب خلال إنشغاله هذا تجده أيضا غير معفي من إلتزامات الأسرة التي يهمله بناءا علي مشغوليات عمله فالطبيب يـحتاجه المرضي في شخصه دون غيره،

ومن ناحية أخري نجد أنه في حالة فشل العمليات الجراحية ووفاة المريض قد يلقى أهل المتوفي اللوم على عاتق الطبيب ونعته بابشع الصفات ومحاولة الاعتداء عليه، على الرغم من انه الذي كان يشرف على علاج مريضهم، فيتم وصفه بالفاشل وعديم المعرفة والإلمام. في تقديري هذا الوضع يضع الطبيب تحت طائلة من ضغوط نفسية وعدم إستقرار ذهني وعدم الرضا بالنتائج التي تاتي عكس المتوقعة وتعظم من إحساسه بخيبة الامل في وقت هو بحاجة الي ان يخفف عنه التوتر ويتم تشجيعه وتقدير تضحياته.

المجتمع عموما ينظر إلي الاطباء والمحامين بنوع من المثالية والعبقرية الفائقة فعليهم إثبات تلك الفرضية في نظر المجتمع حولهم فهم في الغالب تحت تاثير ملاحقة المجتمع لهم بصورة مباشرة فهذه الثقة تشكل ضغط عليهم لتقديم الأفضل دائما

وبجانب ضغوطات الحياة والحالة الإقتصادية ومحاولة التوفيق بين الحياة العملية والواجبات الإجتماعية، الراحة مهمة ومفيدة للصحة النفسية والعقلية والجسدية وتجديد النشاط والحيوية للزيادة من الإنتاج مما يصفي الذاكرة ويخلق نوع من الإبداع والابتكار وتجعل من علاقة المهني تتحسن مع اسرته ومحيطه الإجتماعي.

ساعات العمل الرسمي بحسب القوانين هي ثماني ساعات في اليوم و أربعون ساعة في الأسبوع، ولكن يعمل المحامي الطبيب أكثر من ثمانية عشر ساعة في اليوم مما يؤدي ذلك الي إهمال الأسرة و الأبناء، ويتوه في زحمة الحياة تارة و أعماله واحلامه وطموحاته تارة اخرى بالإضافة الي تحقيق امال وطموح المؤكلين و المرضى، بالإضافة إلي المشاركة المناسبات الاجتماعية من الأفراح والاحزان.

ضغوطات العمل وعدم أخذ قسط كافي من الراحة يؤثر حتما على العامل ومن الممكن أن تمتد الي البيئة من حوله. وقد تسبب في الإصابة بالامراض واضطرابات نفسية وفي بعض الحالات تودي الي ادمان الكحول والموثرات العقلية او الانتحار ولها أثر على الإنتاجية وتطوير العمل.

 فالمهنيون في تقديري هم أكثر فئة عرضة على ضغوط العمل لأن طبيعة عملهم لا تحتاج الي وجود شخص اخر دونهم لأداء المهام، فإن ظروف الحياة اليومية تتاثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية،

يمكن التغلب على ضغوطات العمل بخلق علاقة متوازنة بين الحياة العملية والمهنية والحياة الاسرية والاجتماعية، وتنظيم جدول الأعمال وتوزيع المهام ان أمكن، وعلى المجتمع المحيط بالمهنيين تخفيف الضغط عليهم.

Translate »